اغتيال سليماني … وتأكيد زعامة إيران في المنطقة؟

 

بأمر مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تم استهداف وقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني بصاروخ قيل إن سعره يتجاوز المائة ألف دولار أمريكي.

قاسم سليماني ليس مجرد رتبة عسكرية رفيعة بل هو قائد عسكري بمعنى الكلمة فصلاحياته ومسؤولياته تفوق أي وزير دفاع في المنطقة ويكفي أن تعلم عزيزي القارئ أن قاسم سليمان هو الذي رتب كل شئ من أجل دعم جزار سوريا بشار الأسد بالتنسيق مع المرجعيات الشيعية في إيران وفتحت له خزائن إيران لكي يمنع سقوط الأسد وقد كان.

انفقت إيران من خلال قاسم سليماني ما يقارب العشر مليارات دولار  دعك عن المساعدات العينية وذلك حتى يمتد النفوذ الإيراني العابر للدول إلى دمشق بعد أن سيطر على بغداد وكلها عواصم عربية لم يكن يحلم الفرس يوما ما بأن تكون تحت سيطرتهم.

كل الوسائل:

لم يترك سليماني وسيلة غير اخلاقية أو غير انسانية وغير مشروعة إلا واستخدمها أو سهل استخدامها ضد الشعب السوري تماما كما فعل حين أنشا قوات الحشد الشعبي وهي ميليشيات صنعت على يد سليماني لدعم أمريكا في حربها ضد المقاومة العراقية السنية التي رفضت الاحتلال الامريكي للعراق في 2003 ثم تحولت في مهمة أخرى لاحقا لمساعدة التحالف الدولي في مواجهة داعش بعد أن فشلت أمريكا المحتلة للعراق في الوقوف في وجه داعش وحدها.

لم تكن قوات الحشد سوى ميليشيات ارهابية متعصبة، ولم تكن سوى أداة لمساعدة استقرار الأمريكان في العراق في مقابل سيطرة إيران على الحكومة والحكم بحيث لا يسمح بعودة السنة وكانت هذه هي قواعد اللعبة … لأمريكا النفط والثروة والسلاح، ولإيران السلطة والحكم وتغيير هوية العراق … فما الذي تغير؟

ظن الحشد الشعبي وقاسم سليماني والحكومة العراقية الشيعية المتعصبة في العراق أنه بمقدورهم الانفراد بالقرار السياسي في العراق وبالتالي يمكنهم تجاوز تعليمات أو توصيات أو حتى اشارات الامريكان وهذا هو الخطأ التكتيكي القاتل أو ما يمكن تسميته بغرور القوة.

لكن من يعرف السياسة الأمريكية يدرك وببساطة أنها قائمة على التبعية لا الشراكة وعلى الاستخدام المؤقت وليس للاستمرار والدوام، وأن أمريكا التي ضنعت من شاه إيران أكبر شرطي في منطقة النفط والثروة تخلصت منه في لحظات ولم تسمح له بالبقاء على أراضيها بعد أن فر من وطنه، لكن يبدو ومرة أخرى أن غرور القوة يعمي البصائر والأبصار.

نسي قادة الشيعة في إيران والعراق أن أمريكا التي حركت العالم الاسلامي السني للجهاد في افغانستان هي التي قامت بإعطاء الأوامر لحلفائها في العالم العربي بتجريم وسجن واعتقال وقتل المجاهدين العرب.

لكن الرئيس الأمريكي هو الآخر وعلى ما يبدو قد وقع في نفس الخطأ بعد أن أمر بقتل سليماني رغم أنه كان بمقدوره الاكتفاء بتأديب قوات الحشد على تجرئها وحصارها للسفارة الامريكية في بغداد، وربما كانت هذه الخطة الأساسية التي وضعت ضمن خيارات أمام ترمب ولكنه على ما يبدو وجد في اغتيال سليماني عملية عسكرية تخدم اهدافه السياسية وتضعه في مرتبة مساوية للرئيس أوباما الذي قتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن.

الضربة الإيرانية:

انتظر العالم طويلا ردة الفعل الايرانية التي تم تخفيفها بدرجة كبيرة من أجل احتواء الموقف وحتى لا يتحول الأمر إلى حرب اقليمية يصعب السيطرة عليها ثم جاءت الضربة التي تميزت بكونها: –

  1. موجهة إلى قواعد عسكرية أمريكية داخل العراق وليس في دول الجوار وذلك بعد أن توافد مبعوثي هذه الدول صوب طهران كما نشطت دبلوماسية الهاتف عبر الخطوط الساخنة من أجل ألا تستهدف إيران قواعد عسكرية في دول مجلس التعاون الخليجي، لذا فقد تم الاكتفاء بضرب القواعد في العراق (منا وعلينا)
  2. تم الترتيب بين الجانبين الايراني والأمريكي بطريق أو بآخر وليس بطريق مباشر بحيث يتم تقليص الخسائر البشرية إلى أقصى حد ممكن.
  3. الضربة عسكرية وموجهة إلى قواعد عسكرية وهي المرة الأولى فيما اعلم التي تستهدف فيها قواعد أمريكية بهذه الطريقة العلنية وبمعرفة ومشاهدة العالم بما فيه ترمب وفريقه الذين تابعوا من غرفة الموقف situation room
  4.  لم تقم امريكا لا بالادانة ولا بالتنديد ولا بالتهديد ولا الوعيد، ولا الرد إلا عبر كلمات قصيرة قالها ترمب في المؤتمر الصحفي الذي أعقب الضربة، وكل ما فعله هو إدانة الرئيس الأمريكي السابق أوباما وطلبه من الناتو التدخل في مسألة النووي والشرق الأوسط والإشادة بدوره في دعم الجيش الأمريكي، ويا دار ما دخلك شر.
  5.  جعلت العرب مجرد متفرج ومفعول به، فقد شاهدوا ما يجري كما يشاهدون مباريات كرة القدم الدولية، فليس لهم في العير ولا في النفير.
  6. هذه الضربة هي إعادة تأكيد الدور القيادي لإيران في المنطقة وأن ترمب غير معني لا بالخليج ولا بالنفط ولا بالصراع ولا بأي شيء سوى اعادة انتخابه والحفاظ على مصالحه الشخصية.
  7. جاءت ضمن حزمة تحركات إيرانية بعضها سياسي مثل الملف النووي والبعض الآخر تقني مثل محاولة إيران اختراق ملايين الحسابات الأمريكية ومن بينها حسابات رسمية.
  8. اشعلت النار داخل البيت الأمريكي بينما ساعدت القيادة الايرانية على امتصاص الغضب الشعبي الداخلي، الذي عبرت عنه المظاهرات التي استمرت لأسابيع قبل حادثة اغتيال سليماني.
  9. ترمب مثله مثل أوباما مثل نتنياهو مثل أي حاكم غربي يرى الصوت الانتخابي محمولا على جثث العرب والمسلمين، وكلما زاد عدد الضحايا من العرب والمسلمين زادت الأصوات المؤيدة، ثم يحدثونك عن الديمقراطية وحقوق الإنسان …
  10. تبعها مباشرة طلب أمريكا التفاوزض مع إيران عبر الأمم المتحدة، وكأنها محاولة لاسترضاء إيران وكبح جماح غضبها.

اغتيال قاسم سليماني عمل إجرامي مخالف للقانون ضد مجرم حرب خالف كافة القوانين الإنسانية، لكن إيران استطاعت من وجهة نظري استثمار الحدث وأكدت  مكانتها بينما أعاد العرب تأكيد تواضع مستوى حكوماتهم وحكامهم، وليس في الأمر جديد فقد اعتادوا على ذلك وصدق من قال.. من يهن يسهل الهوان عليه …

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه