اليمن: صراع الحلفاء

لا يهتم اليمنيون بالانكشاف الإماراتي لأنهم على يقين أن حضورها طارئ مهما كان حجمه، فعمره الافتراضي لن يتجاوز “عمر الطلاء الذي تحرص أبو ظبي على دهن المدارس الواقعة تحت سيطرتها

 

استطاعت أبو ظبي أن  تستحوذ على دفة القيادة في الحرب التي تقودها الرياض على اليمن منذ خمس سنوات تحت عنوان استعادة الشرعية، وذلك بفضل تحركها الرشيق وقربها من أعوانها على الأرض وخلق قنوات اتصال سلسة معهم، فيما تبدو الرياض منشغلة بقضايا أخرى وبعيدة عن جميع الأطراف اليمنية بما فيها قيادة الشرعية التي تحارب باسمها، وكي يحصل الرئيس هادي مثلاً على موعد لمقابلة الملك أو ولي عهده عليه أن يتقدم بطلب وينتظر أشهرا حتى يأتيه الرد بالموافقة أو الرفض، فيما يظهر نائب رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي عشرات المرات مع ولي عهد أبو ظبي وفي لقاءات لا علاقة لها باليمن، ولذلك تبدو الإمارات في موقع الأمر والإملاء فيما السعودية مذعنة تنفذ ما يملى عليها ويطلب منها وإن على مضض.

حلم الآباء يحققه الأبناء

لم يكن الراحل زايد بن سلطان آل نهيان موحد وحاكم دولة الإمارات يُخفي رغبته في تقسيم اليمن إلى ثلاث دُويلات، فاليمن الواحد من الواضح أنه كان يقلقه ويقض مضجعه إلى درجة أنه كان يجاهر برغبته تلك في كل منعطف حرج يمر به اليمن، وها هو اليوم نجله محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبو ظبي والحاكم الفعلي لها ولدولة الإمارات ككل يخطو خطوات عملية وجريئة نحو تحقيق هذا الحلم الذي كان يسكن والده، بعد أن أضحت إمارة أبو ظبي عاصمة التحول العربي ومركز ثقله كما يحلو لمستشاري بن زايد تسميتها ومنها يعيد حاكمها الفعلي تشكيل المنطقة بالطريقة التي تروق له يقسم دول ويحاصر أخرى وينشئ تشكيلات عسكرية تابعة له في أكثر من بلد ومقاتلاته الحربية تجوب الأجواء العربية من الخليج إلى المتوسط تساعده في ذلك حالة الارتباك والفوضى التي سادت المنطقة بعد ثورات الربيع العربي وفشل القوى التي تصدرت المشهد في قيادة أحلام الشعوب وتطلعاتها نحو حياةٍ مستقرة وعيشٍ كريم، وتمكن الثورة المضادة التي تفننت أبو ظبي في ضبط إيقاعاتها مستغلة حالة التوجس العالمي من المستقبل الذي تتجه نحوه المنطقة ومتماهيةً في نفس الوقت مع مشاريع وأطماع عالمية  لم تعد خافية على أحد..

وللإجابة على سؤال اليمن إلى أين أو ماذا بعد الانقلاب الثاني على شرعية الرئيس هادي الذي رعته إمارة أبو ظبي جهارا نهارا بمباركة سعودية وإن على مضض؟ لابد من الإجابة على السؤال الأكبر.. المنطقة إلى أين؟  فاليمنيون لم يعد لديهم ما يخافون عليه بعد التدمير الذي طال وطنهم وانكشاف خطط الأشقاء الرامية إلى تقسيمه وتجزئته مستغلين حالة الضعف الشديد التي يمر بها وهو الهدف الوحيد الذي يجمع الحلفين اللدودين السعودية والإمارات، فرغم الخلافات والتباين بينهما فإنهما يتفقان حد التطابق فيما يخص تمزيق اليمن وإضعافه وما كان مستترا في انقلاب صنعاء بدا واضحا جليا في انقلاب عدن وما تتحرج الرياض عن المجاهرة به تتكفل به أبو ظبي.

من التقسيم إلى التقاسم

وإذا كان هدف انقلاب صنعاء الذي رعاه الأشقاء سرا قبل خمس سنوات تقسيم اليمن والحيلولة دون تحقيق تطلعات أبنائه فإن هدف انقلاب عدن الذي رعاه الأشقاء كذلك بالأمس ولكن جهرا هذه المرة هو تقاسم النفوذ فيما بينهما فالسعودية التائهة منذ انطلاق عاصفتها خضعت أخيراً لإمارة أبو ظبي التي تخوض حربها في اليمن بأهداف واضحة وخطط محكمة منذ اللحظة الأولى وتركتها تقاسمها راضية أو مكرهة الملف اليمني الذي ظل حكراً على الرياض لنحو خمسة عقود مضت، فهل تكتفي أبو ظبي بالشريط الساحلي الذي تسيطر عليه ميليشياتها من المكلا شرقا وحتى المخا غربا مروراً بعدن وباب المندب وباقي الجزر اليمنية؟ أما أنها ستزاحم الرياض نفوذها في محافظة المهرة ووادي حضرموت؟ وما هو مصير تعز ومأرب والجوف والبيضاء؟ فمن الواضح أن أبو ظبي جاهزة بخطط تفصيلية للجغرافيا اليمنية تتضمن تقسيمها إلى عدة كانتونات واحدة للمجلس الانتقالي في الجنوب، وأخرى لطارق صالح في الساحل الغربي لعل عائلة صالح تستعيد أمجادها من نفس المنطقة التي انطلق منها علي عبدالله صالح قبل نحو أربعة عقود، وثالثة في وادي حضرموت والمهرة لابأس أن تكون خاضعة للنفوذ السعودي إلى حد ما، فيما تُقدم المحافظات الشمالية بما فيها الحديدة على ما يبدو قربانا للنظام الإيراني وفي نفس الوقت تعمل على تعميق الجرح في الخاصرة السعودية، لتبقى محافظات وسط اليمن ساحة حرب جديدة لإمارة أبوظبي ضد ما يسمى  بالعناصر الإرهابية والجماعات المتطرفة تخوضها بغطاء دولي وبعيدا عن ضغط المنضمات الحقوقية وبالتحالف مع أطراف محلية قد يكون منها الحوثيون، وبذلك تضمن أبوظبي استمرار حضورها الفاعل في الساحة اليمنية بعيدا عن أي التزامات سابقة مع الحليف السعودي وهي تدرك جيداً أنها بذلك لا تستهدف اليمن فحسب بقدر ما تستهدف اليمن والسعودية معا فتقسيم الأولى مقدمة لإضعاف الثانية وحتى يكون الكود 971 هو الكود المباشر للمنطقة وما دونه تحويلات داخلية لابد من تعطيل الكود966.

الانكشاف السعودي

لا يهتم اليمنيون كثيرا بالانكشاف الإماراتي في اليمن لأنهم على يقين من أن حضورها طارئ مهما كان حجمه وتأثيره فعمره الافتراضي لن يتجاوز “عمر الطلاء الذي تحرص أبوظبي على دهان المدارس والمراكز الصحية الواقعة تحت سيطرتها به ممهوراً بعلمها الوطني” بقدر اهتمامهم بالانكشاف السعودي والصورة الواضحة الجلية التي ظهرت بها مؤخرا. فاليمنيون يدركون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن معركتهم الحقيقية مع شقيقتهم الكبرى، وأن الرياض هي من تقف حجر عثرة أمام تحقيق أهدافهم في بناء دولة يمنية قوية، تضمن الحياة الكريمة لكافة مواطنيها، منذ أكثر من نصف القرن.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه