حظر النقاب في تونس وقضية الحريات

 

القرار الذي أصدره رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد بحظر ارتداء النقاب في الإدارات والمؤسسات العامة في البلاد، وذلك “لدواع أمنية”، ومنع المنتقبات من دخول مقرات هذه الإدارات والمؤسسات والمنشآت العمومية، وذلك كان له صدى كبير على المستويين العربي والإسلامي، وأحدث ضجة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثار أسئلة كثيرة، وعلامات استفهام أكثر!

وقد ترتب على هذا القرار تطبيقات مجتمعية عدائية نحو المنتقبات، ومن ذلك أن “كارفور” – محل تجاري مشهور – منع إحدى المنتقبات من دخوله في تونس، مما أثار ضجة كبيرة بين المسلمين، ودعاهم إلى “تدشين” حملة على وسائل التواصل لمقاطعة هذا المحل المذكور، مما اضطر إدارته للاعتذار والتحقيق في الواقعة!

أسئلة أثارها القرار

وهذا الإجراء من حكومة تونس “تونس ما بعد الثورة” أثار كثيرا من الأسئلة:

هل هذا القرار عودة لنظام زين العابدين بن علي الذي كان يضيق على المسلمين شعائرهم بمنع النقاب وكذلك الخمار، واضطهاد المقيمين الصلاة، وبخاصة صلاة الفجر؛ فضلا عن الدعاة والعاملين للإسلام واتعقالهم ومطاردتهم، أم النظام القديم قد عاد وانتهى الأمر وقضي على الثورة بالأساليب الناعمة؟

أم هل هو لـ “دواعٍ أمنية” كما جاء في نص قرار يوسف الشاهد، وما هي هذه الدواعي الأمنية التي تحمل حكومة على تحريم شيء أباحه الشرع في دولة مسلمة؟!

وهل يعقل أن يصدر مثل هذا القرار بعد ثورة قامات في تونس وضحى أهلها بأبنائها وفلذات أكبادها للتحرر والتحرير والحرية كأنه ما قامت ثورة في تونس، ولا قدمت تضحيات، ولا حدثت استحقاقات؟!

ما موقف حركة النهضة من هذا القرار، وما موقف رئيس البرلمان التونسي منه؟

إن صدور مثل هذا القرار، حتى لو كانت مسألته مسألة خلافية أو كان كشف الوجه يسع المسلمات شرعا، فإنه موجود في الفقه الإسلامي ولم ينكره فقيه معتبر، ولا يجوز لحاكم أن يحرم ما شرعه الله تعالى إلا أن يقيد المباح، وهو ما يستوي فعله وتركه، وإذا قيد العمل به لابد أن تكون هناك مصالح واضحة تجلب، ومفاسد يقينية تُدفع، ويعلن ذلك ويوضحه للناس، وهو ما لم يحدث في القرار المشار إليه.

حظر النقاب والحريات في تونس

وأود أن أبين هذه المفارقة العجيبة: هل تُمنع المسلمة من تغطية وجهها ويباح التعري والسفور و”الميكروجيب” و”الميني جيب” و”البكيني” أن يُلبس ويمشى به في الشارع ويفتن به الصغار والكبار؟!

أين هذه الحرية أو العلمانية أو الليبرالية التي يدعو إليها “أولاد فرنسا” في تونس؟ ألا تقيمون الوزن بالقسط “ولا تُخسروا الميزان”؟ لماذا تطففون في أقوالكم وأفعالكم؟ لماذا يصاب دعاة الليبرالية أو “المتلبرلين” ودعاة العلمانية أو “المتعلمنين” – لأن الليبراليين والعلمانيين الحقيقيين عندهم أخلاق ومبادئ عما نراه ونشاهده الآن – لماذا يصابون بالعور العملي والحول الفكري فيُبصرون المنتقبة ويتعامَون عن الكاسيات العاريات، بل العاريات غير الكاسيات اللائي لم يذكر الحديث الشريف صنفهن بل ذكر “كاسيات” “عاريات” حين قال عن أبي هريرة: “صِنْفانِ مِن أهْلِ النّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا”. رواه مسلم.

أيها الليبراليون والعلمانيون من أبناء فرنسا في تونس: اصدقوا في دعواكم الحرية أو حتى الليبرالية والعلمانية، أتيحوا الحرية للجميع إن كنتم صادقين، فإن الإنسان خلق حرا، ولا ينبغي أن يقبل من أحد تقييد هذه الحرية، وتحضرنا هنا مقولة الفاروق عمر: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”..

أما أن يكون المنع للمسلمات الملتزمات والجواز لغيرهن؛ فهذا منافٍ للشرائع، ومناقضٌ لبدائه العقول، ومعارض حتى لقوانينكم ومبادئكم ودعاواكم.

ويا أيها العلماء التونسيون – علماء الزيتونة على وجه الخصوص – يجب أن تستمر مسيرتكم في مواقفكم المشرفة في حفظ الدين والتدين، وسياسة شؤون الأمة في ضوء أحكام دين الدولة التي ينص دستور البلاد على أنه الإسلام، وأن تقوموا بحراسة شجرة الحرية التي رواها التونسيون بدمائهم وأمنهم وأمانهم، وكان لهذه الثورة آباء كبار دفعوا من حياتهم وحقوقهم ما مهد السبيل ووطأ الأكناف لهذه الثورة الملهمة والمعلمة، وإن شجرة الحرية يجب أن تظل قائمة كي يتمتع الجميع بحقوقه في ظل هوية الشعب العربية المسلمة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه