دونالد ترمب وإيران: البحث عن الكنز

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب (يمين) والمرشد الإيراني علي خامنئي

في هذه المقالة محاولة لوضع اليد على الكنز الذي يبحث عنه اللاعبون المختلفون فيما يتعلق في الأزمة الأمريكية الإيرانية في ظل ادارة الرئيس دونالد ترمب.

بعد حوالي أربعة أسابيع من التصعيد السياسي والحرب الكلامية المتبادلة بين طهران وواشنطن، اتجهت الأمور الى نوع من التهدئة.

هذه التهدئة مرتبطة بجهد دبلوماسي كبير ظهر للعلن بعضه والآخر بقي خلف الأبواب المقفلة لكن آثاره ظهرت للمتابعين، لكن هذا الهدوء لم يدم بعد أن قررت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على قطاع البتروكيماويات الإيراني، بهذه العقوبات والتي سبقتها والتي استهدفت النفط وقطاع التعدين، ستُحرم إيران وفق لغة الأرقام مما نسبته ٧٠٪ من اجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الإيراني.

ورغم المراوحة بين التصعيد والتهدئة كان التفاوض أو للعودة للتفاوض وفق السياق الأمريكي الإيراني هو جوهر الجهد الدبلوماسي كما أنه جوهر مغادرة مربع التصعيد، وهو أمر يبدو أقرب للرغبة الأمريكية ولكن ليس بالضرورة مقبول ايرانياً.

في هذه المقالة محاولة لوضع اليد على الكنز الذي يبحث عنه اللاعبون المختلفون فيما يتعلق بالأزمة الأمريكية الإيرانية في ظل ادارة الرئيس دونالد ترمب، وماهي أولوية الطرفين الأصيلين في الأزمة فيما يتعلق بالكنز الذي ربما يريد كل طرف أن ينسب الفضل لنفسه في العثور عليه.

البحث عن الكنز:

تسرب إلى رواية الأسابيع الأربع الماضية الحديث عن عمل عسكري محدود أو حرب شاملة، لكن هذا الحديث يكاد يكون قد اختفى في ظل سيطرة مفردات جديدة على سردية متابعة التصريحات بين الطرفين بل ومن قبل لاعبين آخرين.

فتصريحات من قبيل الرغبة في التفاوض، وأن الولايات المتحدة “لا ترغب في تغيير النظام الإيراني بل تغيير سلوك النظام الإيراني”، وأن إيران “أمة عظيمة ولديها إمكانات يمكن أن تجعلها في وضع أفضل مما هي عليه”، كلها كانت بمثابة الماء الذي يُلقى على النار المشتعلة، لكن الماء قد يفقد بعض من جذوة النار مما يُبقيها مشتعلة وإن كانت تحت الرماد.

هذا الشعور والقلق من هذا الأمر دفع أجبر الأطراف الدولية المختلفة بالدفع بصورة أكبر نحو خيار التفاوض المباشر، وهو أمر ترى فيه روسيا عبر الناطقة باسم وزارة الخارجية قابل للتحقيق ولا يحتاج إلى وسطاء، ذلك أن الطرفين الأمريكي والإيراني لديهم من الخبرة ما يكفي للحديث مع بعضهما مباشرة.

لقد أعاد الطرفان الإيراني والأمريكي التموضع استعداداً للمرحلة المقبلة، فواشنطن أوقفت قائمة الاستثناءات للدول الثمان التي كانت تشتري النفط الإيراني (اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند وتايوان وتركيا وإيطاليا واليونان)، كما أنها اعتبرت الحرس الثوري منظمة إرهابية، وفرضت عقوبات على قطاع التعدين الإيراني، ليس هذا فحسب بل وعدت بمعاقبة كل من يتعامل مع إيران من الشركات الكبرى وحرمانها من الاستفادة من النظام المالي الأمريكي وكذلك حرمانها من النشاط الاقتصادي مع الشركات والمؤسسات الأمريكية.

في المقابل أعلنت طهران مؤقتاً تطبيق شرطين من شروط الاتفاق النووي الموقع عام ٢٠١٥، والمتعلق بالعودة إلى أنشطة التخصيب وعدم تصدير الفائض من الأنشطة المخصبة لطرف ثالث. كما أنها أبلغت اطرافاً أوربية وغير أوربية بأنها ستعمل على امتلاك رفع مستوى التخصيب إلى أكثر من 3.5٪، وكذلك تأمين اللازم لامتلاك الكعكة الصفراء الخطوة المهمة لامتلاك السلاح النووي.

دفعت تلك الإجراءات الأمريكية والإيرانية اطرافاً إقليمية ودولية مثل قطر وعُمان والعراق للتحرك، كما أن إيران دفعت بدبلوماسية التحذير من تبعات ما يحدث من خلال حراك في آسيا شمل اليابان والصين وروسيا والاتحاد الأوربي.

هذا الحراك مستمر عبر زيارة رئيس الوزراء الياباني شيبزو آبى ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى طهران للمساعدة في البحث عن الكنز الذي يقود لتهدئة طويلة الأمد.

البحث عن الكنز الذي تريده كل الأطراف هو الهاجس لتلك التحركات، كنز يبدأ بنزع فتيل التوتر ويقطع الطريق على دول إقليمية تدفع باتجاه التصعيد والمواجهة، لكن لا ينته الأمر بوقف التصعيد، فالأطراف النشطة في التوسط تريد وضع قاعدة أفضل للتعامل مع ملف إيران النووي وخاصة فيما يتعلق في العلاقة الأمريكية الإيرانية بحيث يُبني لعلاقة بعيدة عن إثارة التوتر والدفع نحو التصعيد.

في هذا السياق كانت المحادثات اليابانية الأمريكية في سياق زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث ظهر الهدوء في التصريحات الأمريكية حول إيران والحديث بنوع من الاعجاب يذكر بتصريحات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

ما فعله الطرفان قد يشكل نقطة البدء لأي مرحلة جديدة من التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، لكن هل يمكن أن يشمل التفاوض غير واشنطن؟

تلك معضلة في حد ذاتها، انسحبت واشنطن من الاتفاق ولم يتردد رئيسها في اظهار رغبته في اتفاق جديد يشمل القدرة الصاروخية الإيرانية التي لم يتم التطرق لها في الاتفاق النووي السابق.

تتفق مع أمريكا في هذا الأمر فرنسا، لكن أصوات بقية الدول الموقعة على الاتفاق تكاد لا تُسمع.

فهل يكون الاتفاق النووي الجديد فقط بين واشنطن وطهران، أم بين واشنطن وطهران وباريس؟ وكيف ستكون مواقف الدول الأخرى؟

أسئلة تجلب “شيطان التفاصيل” وستجعل الحديث عن التفاوض عملية مرحلية تستهدف شراء الوقت لا سيما من الطرف الأمريكي والإيراني.

وللتعامل مع هذه الأسئلة ينبغي التذكير بتطور مهم في تاريخ الملف النووي الإيراني، ذلك التطور يتعلق بتأخر أي نتيجة للتفاوض بدون الحضور الأمريكي، فقد بدأت العملية التفاوضية بين الدول الأوربية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) في العام ٢٠٠٣، لكنها لم تتمكن من التوصل إلى الاتفاق إلا بعد الوساطة العمانية بين واشنطن وطهران وتوسع دائرة التفاوض لتشمل الولايات المتحدة وروسيا والصين.

على أن من المهم في هذا السياق القول إن جوهر العملية التفاوضية كان يركز على اللقاءات بين وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري والتي في الغالب تؤدي إلى تقدم في العملية التفاوضية.

بناء على ما تقدم فإن إيران قد تبدأ بعملية تفاوضية مع واشنطن لكن ليس بالضرورة أن تؤدي للتوصل إلى كل ما تريده واشنطن.

يبقى البحث عن معادلة مرضية للطرفين تماماً كالبحث عن الكنز، ذلك أن كلا الطرفين يبحث عن كنز وهو ليس بالضرورة ذاته الذي يريده خصمه.

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ربما يتمثل الكنز في دخول إدارة دونالد ترمب عملية تفاوض في ظل إدارته الحالية يمكنها أن تضمن له رئاسة ثانية، هذا قد يشكل تحدي مرحلي للديمقراطيين، فإن فازوا فإن الاتفاق السابق يكفي والعودة إليه ستؤكد سلامة منهجهم، وإن خسروا فقد أدخلوا ترمب في نفق التفاوض والذي انتقده قبل انتقاده للاتفاق النووي غير المحدد زمنياً والذي لن يكون بحاجة له في رئاسته الثانية لأنها ستكون الأخيرة.

في الجانب الأخر فإن إيران تبدو متيقنة الآن أكثر من أي وقت مضى أن اللاعب الذي يتحكم في مالات التفاوض بشأن برنامجها النووي هو واشنطن، وأنها كما انتظرت بضع سنوات بين العام ٢٠٠٣ والعام ٢٠١٥، لتوقيع اتفاق تحضر فيها الولايات المتحدة، فقد تكون الفرصة أفضل بالبناء على ما تم في الاتفاق الذي وقع في العام ٢٠١٥، وتحسينه بحيث تتفادى إيران ما تراه عيوباً في الاتفاق من وجهة نظرها.

طهران ستركز على أن اللعب مع واشنطن يمكن آن يؤمن لها ما لا يمكن أن تؤمنه أوربا أو دول إقليمية ولا حتى روسيا والصين. وبطريقة مباشرة فبوابة العودة قد تكون واشنطن رغم عقبات لن يكون غير يسير حلها.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه