رواية “طوارق” وأحوال البلاد العربية بعد الاحتلال الفرنسي

 

 

إن كنت ترغب في معرفة الصّحراء والعيش فيها اقرأ هذه الرواية

ليست هذه الرواية الأولى التي أقرؤها عن حياة الطوارق والصحراء.. فقد قرأت سابقاً أعمال المبدع الليبي “إبراهيم الكوني” كاملة والتي أبدع فيها بالحديث عن الصحراء وجمالها وشعبها المنسي. مع هذا عندما قرأت “طوارق” ألبرتو أحسست أنّي أعيش عالماً فريداً تمتع إلى جانب فرادته في الحديث عن عالم الطوارق بالتوحد مع البيئة إلى درجة تمنح القارئ إحساساً بأنّه أحد أبطال هذه الرواية.

الرواية:

طوارق، رواية للكاتب الإسباني ألبرتو باثكث فيكيروا

تروي حكاية “غزال صياح” الرجل الطارقي الذي يعيش في الصّحراء. يلجأ إليه رجلان ملاحقان من الجنود فيجيرهما حسب العادات العربية المتبعة.

لكنّ الجنود يأتون، يقتلون الشاب ويعتقلون الرجل المسن ضاربين التّقاليد بعرض الحائط.

تثور ثائرة غزال ويقرر أن ينتقم للرجلين اللذين طلبا حمايته ولم يستطع حمايتهما.

ممن سينتقم صياح؟ من الجنود، الحكومة، السلطة؟ المهم غزال أخذ قراره بالثأر من هؤلاء وتبدأ رحلته لأخذ الثأر وسط الصحراء المغربية. وتنتهي بالمدينة حيث يوجد الرئيس. هناك وفي طريق بحثه عن منفذ للوصول إلى غايته استوقفه الجنود وطلبوا أوراقه، لم يكن يملك أوراقاً، فرّ من أمامهم، لاحقوه وأطلقوا عليه النار. أصابته الرصاصة لكنّه استطاع الهرب، ولجأ إلى معبد قديم ليختفي عن عيون الشرطة ويداوي جرحه.

رحلة مليئة بالمفاجآت واللهاث يصورها الكاتب ببراعة وأسلوب شيّق لا يترك فرصة للقارئ لالتقاط أنفاسه.

تعرض الرواية أحوال البلاد العربية بعد الاستقلال من الفرنسيين، تصارع التيارات بكلّ أشكالها للوصول إلى السلطة.

نقاشات وحوارات حول “الديكتاتورية، الشيوعية، الاشتراكية” ووسط كلّ هذه القضايا تتمركز القضية الأساسية بالنسبة للرواية وهي إهمال الحكومات للصحراء ولشعوب الطوارق.

الحكومات التي لا تعرف هذه الصحراء وأهملتها لم تفطن إليها إلا عندما تمرّد أفراد منها فجاءت لتخضعهم لحكمها.

لكنّ نواميس الحكومة لا تنطبق على الطارقي “غزال الصياح” بل على العكس هو من سيقوم بالثأر منها لتعديها على نواميس الصحراء.

الإيهام في النّص:

براعة الكاتب جاءت من تمكّنه من نسف كلّ التوقعات الممكنة التي يتخيلها القارئ في سير الأحداث.

ليس في النّهاية المذهلة فقط بل في كلّ حدث يتوقع القارئ نتائجه يكون الروائي متخذاً التّدابير الكاملة لنسف ذلك التوقع.

يرى رولان بارت أنّ كلّ نص يُقرأ بلذة يعني أنّه كتب بلذة، لكنّه يتساءل إن كان الكاتب قد كتب نصه بلذة فهل يعني ذلك أنّ القارئ سيحظى باللذة؟ وجوابه عن هذا السؤال “لا”. لذا؛ على الكاتب أن يبحث عن القارئ ويغويه؛ لأنّ الغواية تقترن باللذة، كما أنّها تمثل الفضاء المؤثث لنص الخطاب.

بالتّأكيد لم يكن الروائي ألبرتو بحاجة للبحث عن القارئ ليقوم بغوايته، فنصه يقوم بالمهمة من دون جهد ويستطيع مشاركة المتعة مع القرّاء من كلّ المستويات الفكرية والتوجهات القرائية…

“طوارق” رواية غرائبية على الرغم من تبنيها لقضايا سياسية واقعية ووقوع أحداثها في أماكن حقيقية، لكنّ الأحداث التي حرص الروائي على تقديمها في قالب بوليسي مثير جعلتها أقرب إلى الخيال، ذلك الخيال الذي تفجّر كقنبلة في نهاية الرواية حين كشف لنا الحقيقة المفجعة لنهاية البطل غزال صياح الباحث عن الثأر الطالب للحقيقة.. لقد قام باغتيال الرجل الخطأ.. لقد انتهت عملية الثأر بشكل مؤلم وصادم لقد قتل الطارقي الرئيس الجديد.

عماء الثأر:

النهاية الصادمة تغلق الدائرة التي بدأت بالعنوان. فقد اختار الروائي أن ينزع أل التعريف من كلمة “الطوارق” وتركها نكرة لتدل على التهميش الكامل من الحكومات لتلك الشعوب، كما تدل على عيشهم خارج الزمن الذي تعيشه المدن والحكومات.

غزال بقي معزولاً في عالمه وضمن مفاهيمه الطارقية الخاصة به حتّى بعد أن بدأ عملية البحث عن الثأر، أراد غزال أن يقتل رأس الهرم، رأس الشر المتمثل في رئيس الدولة رئيس النظام، لكن ما حدث أثناء عزلته الثانية في المعبد ريثما استطاع أن يرمم نفسه مستعيداً زمنه الطارقي، ويشفى من آثار إصابته، تغيّر الزمن في الخارج واستلم الحكم رئيس آخر.

في عزلته بانتظار أن يشفى استعاد غزال وعيه وتخلى عن فكرة الثأر وعاد إلى زمنه، وصار يتحين الفرصة للعودة إلى الصحراء. أخيراً يمتلئ الشارع بالناس وينتهز غزال الفرصة ليندس بين الناس ويغادر المدينة ترك سلاحه وحمل مسدسه وغادر، حين نزل إلى الشارع منعه الشرطي من المرور موضحاً أنّ موكب الرئيس سيمرّ الآن. فجأة عاد غزال لينخرط في الزمن الجديد، الزمن الذي عاش خارجه طيلة وجوده في الصّحراء وطيلة الوقت الذي اختفى فيه داخل المعبد. ضحك من نفسه فقد اعتقد حين نزل إلى الشارع أنّه تغلّب على نبوءة العرّافة “الدهمائية كلثوم” بأنّه سيموت! أخرج مسدسه أطلق الرصاص وأردى الرئيس قتيلاً

الآن يحق للعرّافة أن تبتسم فقط سقط غزال صريعاً برصاص الجنود مُسطّراً بذلك ملحمة الصّراع لإثبات الوجود.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه