سيناء ليست للبيع

 

لم ينس المصريون تيران وصنافير، رغم كل المحاولات لإنهاء صفقة البيع للسعودية، لكن يبدو أننا أمام صفقة بيع أخرى أشد خطرا وأكثر مرارة، وهي اقتطاع أهم منطقة في سيناء وتقديمها للإسرائيليين بزعم إقامة دولة فلسطينية بقرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي يتصرف وكأنه رئيس العالم يعطي ما يشاء لمن يريد.

المساحة الممتدة من رفح وحتى العريش هي التي تدور حولها المفاوضات السرية لإخراج المصريين منها، ومع كل زيارة لعبد الفتاح السيسي للولايات المتحدة يظهر محور هذه المفاوضات، خاصة في وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية حيث يتسرب ما يجري في الغرف المغلقة إلى العلن بسبب العلو الصهيوني الذي لم يعد يخاف من رد الفعل.

هذه المنطقة هي المكان المعمور في سيناء منذ آلاف السنين، فهي بوابة مصر وطريق المواصلات بين مصر والشام، وأرضها خصبة صالحة للزراعة، وبها المياة وكل أسباب الحياة، ولأهميتها العسكرية والاستراتيجية حرص الفراعنة على تأمينها ببناء القلاع الحربية وزرعها بالبشر لصد أي خطر يأتي من الشرق، وسار على نفس النهج كل من حكموا مصر بعد ذلك.

القرارات التي اتخذها ترمب بشكل منفرد بداية من منح القدس عاصمة لـ “إسرائيل” وانتهاء بمنح الجولان للكيان الصهيوني تجعله يقترب من انتزاع سيناء من مصر بنفس الطريقة، مستغلا ضعف الحكم المصري وتوظيف احتياج عبد الفتاح السيسي للدعم الأمريكي والمساندة في تنفيذ الأطماع الصهيونية، واستخدام محمد بن سلمان الذي يبحث عن انقاذ رقبته لتمويل الصفقة.

سيناء ليست للبيع

عندما نقول سيناء مصرية ليست للبيع فهذا يعني أننا نواجه كارثة على مستوى التفكير الاستراتيجي، فسياسة البيع والتصفية التي نراها لكل شيء في مصر لا يمكن السكوت عليها والتعايش معها، وإذا قبلنا بيع سيناء مقابل مليارات ستدفعها السعودية والإمارات كما يروج بعض الصهاينة ولجان المستعربين على مواقع التواصل فسيأتي يوم قريب يباع فيه شرق مصر وغربها وجنوبها.

ظهور فكرة بيع سيناء نتاج ما نراه من صمت أزاء التفريط في حقوق مصر قطعة قطعة، وتنفيذا لعقلية أقصى طموحها “لو ينفع أتباع حاتباع” فلا سيادة ولا كرامة ولا ثوابت ولا مصالح عليا للوطن، ولا إدراك لطبيعة المعركة مع عدو يسعى لتركيعنا والسيطرة علينا لنكون عبيدا وخدما، بعد أن كنا قلب أمتنا والقلعة الحصينة التي تصد الغزاة.

العسكريون الإسرائيليون والإعلام الصهيوني يتحدث عن نهاية مشروع الدولتين وإنهاء القضية الفلسطينية، ويتحدث عن دولة يهودية واحدة وطرد الفلسطينيين من أرض فلسطين التاريخية، وفي حيلة ماكرة يريد التخلص من مسؤولية حل القضية بتوريط مصر والأردن في تحمل مسؤلية إقامة دولة فلسطين خارج فلسطين!

بالنسبة لسيناء أمامنا أكثر من خريطة للمساحة المطلوبة، الأولى ماورد في وثيقة غيورا أيلند مستشار الأمن الإسرائيلي الأسبق المعروفة بصفقة القرن، وهي إضافة مساحة مربعة قدرها 720 كم2 من رفح الى العريش والخريطة الثانية جاءت في وثيقة لتجمع يهودي أنشأه عسكريون إسرائيليون (The New State Solution) تمتد إلى ما هو أبعد من خريطة أيلاند، بلسان يمتد جنوبا إلى جبل الحلال وغربا وراء وادي العريش.

لا دولة فلسطينية

ليس كل ما يقوله الإسرائيليون للرأي العام الخارجي صحيحا، فهم يخفون أهدافهم السرية التي يسعون لتنفيذها بالخداع والتشويش، من خلال مبادرات تبدو وكأن فيها مصلحة مشتركة مع الآخرين؛ فلا يعقل أن الصهاينة الذين يعجزون عن السيطرة على قطاع غزة المحاصر سيضيفون له مساحة جديدة تزيد من قوته.

القطاع بحدوده الحالية والمحاصر من كل الجهات استطاع أن يطور منظومة دفاعية من الصواريخ فرضت معادلة عسكرية جديدة وحققت الردع تجاه أي عدوان، وليس من المنطقي أن يوافق الاسرائيليون على توسيع القطاع بأربعة أضعاف مساحته وأكثر لقيام دولة أكبر بحدود طويلة في أكثر من اتجاه يصعب إحكام السيطرة عليها.

سيناريو تفكيك القطاع بحرب شرسة واستخدام قصف عنيف يجبر الفلسطينيين على الهروب من غزة ودخول سيناء والاستيطان بها ليس سهلا إن لم يكن مستحيلا، لأنه يحتاج إلى تأهيل المكان وتفكيك حماس حتى لا تنتقل بأسلحتها إلى سيناء ويظل التهديد كما هو، ولهذا لن يكون التوطين ممكنا إلا بعد إخلاء الأرض من المصريين المقيمين بها.

بعيدا عن الغرق في التفاصيل المتعلقة بصفقة القرن فإن الهدف الحقيقي مما يجري هو إخلاء المنطقة من السكان، وقد بدأت هذه العملية بالفعل منذ سنوات بذرائع متعددة، وتحولت الأرض المستهدفة إلى ساحة حرب مفتوحة لا نهاية لها، مما يؤدي بالنتيجة للتهجير وتبرير ذلك بدواعي “الحرب على الإرهاب”.

***

 الاطلاع على كتابات اليهود وطموحاتهم يكشف السر الحقيقي وراء الإصرار الصهيوني على امتلاك المنطقة من رفح وحتى العريش وذلك لكونها جزء من حدود مملكة سليمان المزعومة التي تمتد من نهر العريش القديم (وادي العريش حاليا) إلى نهر الفرات، ويريد اليهود استعادة الأرض الموعودة حسب أوهامهم.

عندما نحذر من بيع سيناء فإننا نلفت الأنظار إلى خطر جديد ملح، يظهر على السطح بقوة، وكل المؤشرات تؤكد أنهم يستعجلون التنفيذ، وإن لم تتداعى الأمة ضد هذا التفريط فسيتجرأ ترمب إلى القفز إلى الأمام عندما يظن أن انتزاع سيناء من مصر سيمر في صمت كما مر من قبل قرارا انتزاع القدس والجولان!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه