تعديات لا تعديلات

انطلقت حملة”باطل” التي حاولت تقديم موقف مشترك بين الجميع حول بطلان السيسي ودستوره وتعدياته الجديدة، ولاقت الحملة تجاوبا سريعا ومتنوعا

منذ سخر المشير عبد الفتاح السيسي في 13 سبتمبر 2015 من الدستورالذي صُنع على عينه، ثم وصفه بأنه “كتب بحسن نية” كان واضحا أنه يخفي في نفسه ما الله مبديه، كانت كلمته هي صافرة البداية لموجة جديدة من التعديات الدستورية التي تكرس لحكم عسكري بغيض لا يعرف دستورا سوى أوهامه وأحلامه.

ما حدث من قبل وما يحدث حاليا هي تعديات وليست تعديلات دستورية، وشتان بين الأمرين، فالتعديات واضحة في دلالتها ومضامينها السلبية، بينما التعديلات يمكن أن تكون جيدة أو سيئة، وتعديات السيسي الدستورية أصيلة وقديمة منذ ظهوره على سطح الحياة العامة، تاركا مكتبه السري في المخابرات الحربية، لقد اقسم الجنرال على إحترامه لدستور ثورة يناير عندما عين وزيرا للدفاع في عهد الرئيس مرسي في 12 أغسطس 2012، ولكنه خان الدستور قبل مرور عام، عبر انقلابه العسكري في 3 يوليو 2013 وتعطيله للعمل بالدستور، ثم أعلن السيسي خارطة طريق لانقلابه (إعلانا دستوريا مؤقتا) تضمنت في تفاصيلها إجراء انتخابات برلمانية أولا ثم انتخابات رئاسية، ولكنه انقلب مجددا على ذلك الإعلان الدستوري حيث دفع الرئيس المؤقت عدلي منصور لتعديل الخطة لتكون البداية بالانتخابات الرئاسية بعد أن قرر السيسي خوضها، وهو الذي كان يظهر تمنعا من قبل، وكان يقسم أنه ليس طامعا في سلطة، وأنه لم  يطلب الإمارة ولن يطلبها، ثم كان الانقلاب الثالث للسيسي هو تجميد العمل بالدستور الذي حشد له المصوتون والراقصون في يناير 2014، لم يحدث ذلك التجميد بقرار مكتوب، ولا تصريح معلن، بل بتجاهل متعمد لكل نصوص الدستور، والمتابع للتشريعات التي صدرت طيلة السنوات الخمس الماضية يكتشف بسهولة أن أغلبها مخالف للدستور ومن ذلك مثلا قوانين الصحافة والإعلام، والجمعيات ، والتظاهر، والانتخابات، وحماية المنشآت المدنية والعسكرية،والضريبة العقارية، وقانون الخدمة المدنية، ومصادرة الأموال، وكذا عدم جواز التنازل عن الأراضي المصرية (تيران وصنافير)، وعدم تقديم السيسي إقرار الذمة المالية، كما أن الموازنة العامة للدولة ظلت مخالفة للدستور طيلة السنوات الماضية حيث حدد الدستور نسبا واضحة للإنفاق على الصحة والتعليم وهو مالم يتم تنفيذه، ومن مظاهر التعديات أيضا الإهانات المتكررة لثورة يناير التي وصفت بـ”الثورة” في دستور 2014، كما أن السيسي رفض تنفيذ المادة 241 التي تفرض على البرلمان صياغة قانون للمصالحة الوطنية في أول دور انعقاد له ( وهو مالم يتم حتى اليوم)

التلاعب بلجنة الخمسين

ولعلنا نتذكر كيف تم التلاعب بلجنة الخمسين التي صاغت الدستور في 2014 حين فوجئ أعضاؤها في حفل عشاء دعتهم له القوات المسلحة بفندق الماسة بنسخة غير التي قضوا أسابيع لصياغتها، وكان أحد النصوص المتفق عليها هي أن (مصر حكمها مدني) وقد تم تغييرها في نسخة الجيش والتي جرى الاستفتاء عليها لاحقا إلى (حكومتها مدنية) وهناك فارق كبير فالحكم يشمل الرئاسة والوازرة بينما الحكومة تقتصر على الوزراة، (تصريحات الدكتور محمد أبو الغار عضو لجنة الخسين لقناة التحرير منتصف ديسمبر 2013).

الموجة الجديدة من التعديات الدستورية تشمل التخلص من بعض مكاسب ثورة 25 يناير والتي تضمنها دستور 2012 ثم انتقلت إلى تعديلات 2014، وهي التي تتعلق بمدد وصلاحيات الرئيس، ومدنية الدولة، حيث تستهدف الموجة الجديدة فتح مدد الرئاسة وإطالتها فاتحة الباب أمام السيسي للبقاء حتى العام 2034، وكذا فرض وصاية للمؤسسة العسكرية على الحياة السياسية والمدنية، بما يسمح للجيش بالتدخل والإنقلاب على أي سلطة متذرعا بتنفيذ الدستور، وفرض هيمنة لرئاسة الجمهورية على الهيئات القضائية من حيث التعيين والعزل إلخ، ودعك من باقي التعديلات المقترحة التي جاءت كرشاوى لبعض الفئات لضمان تصويتها لصالح التعديلات مثل المراة والأقباط والعمال الخ ( الغريب والمريب أن رئيس برلمان السيسي يدعي أن التعديلات ليست نهائية بينما تغرق القاهرة والمدن والقرى بلافتات الدعاية للتصويت بنعم على هذه التعديلات غير النهائية!!)

في مواجهة هذه الموجة الجديدة للتعديات اختلفت سبل المواجهة بين رافضي ومعارضي النظام، بين فريقين ( مقاطعين) ومصوتين بـ”لا”، وإزاء هذا التباين في المواقف، كان لزاما على الحكماء من الطرفين التوصل إلى صيغة وسط تؤكد وقوف الجميع ضد السيسي وتعدياته، وتفتح الباب لكل طرف بالتعبير عن رفضه بالطريقة التي يراها صحيحة، واعتيار كل الطرق مجرد اجتهادات لصالح الوطن والشعب، وعدم تخوين أي طرف للآخر، واستثمار المناسبة لتنظيم حملات مشتركة سياسية وإعلامية لفضح النظام، وفي الوقت نفسه تحقيق المزيد من التقارب بين قوى المعارضة وصولا إلى صياغة مشروع وطني لإنقاذ مصر من الحكم العسكري واسترداد المسار الديمقراطي.

حملة باطل

في هذا إلإطار انطلقت حملة”باطل” التي حاولت تقديم موقف مشترك بين الجميع  حول بطلان السيسي ودستوره وتعدياته الجديدة، ولاقت الحملة تجاوبا سريعا ومتنوعا (حيث شاركت فيها رموز ليبرالية إلى جانب رموز إسلامية لم تلتق من قبل)، وتزامن انطلاق الحملة مع زيارة السيسي إلى واشنطن حيث حصل من كفيله دونالد ترامب على موافقة ضمنية على هذه التعديلات الجديدة، حيث كال له المديح أمام وسائل الإعلام، متجاهلا مواقف عدد كبير من النواب الجمهوريين والديمقراطيين الذين دعوه إلى الضغط على ضيفه لإثنائه عن هذه التعديلات، بطبيعة الحال لم تكن هناك توقعات بموقف مختلف لترامب الذي تربطه بالسيسي “كيمياء خاصة” والذي يعتمد عليه كثيرا لتمرير صفقة القرن متضمنة انتقاصا من السيادة والأراضي المصرية نظير الحفاظ على السيسي في الحكم.

“ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك”، هذا هو لسان حال المصريين فهم يدركون أن الدول الكبرى لها أولوياتها ومصالحها، وهي ليست جمعيات خيرية، ولكن التحارب في مصر وكل دول الربيع العربي أثبتت أن هذه الدول تتحرك فقط حين تتحرك الشعوب لنيل حريتها، وبعد أن تقطع هذه الشعوب شوطا نحو الهدف، وهذا ما ينبغي على الشعب فعله.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه