“اطمن أنت مش لوحدك”

 

“اطمن أنت مش لوحدك” نعم صحيح؛ لكنك وحيد في الحركة بلا قيادة موحدة، شريد في الرؤية المشتركة!

نعم لست وحدك في مشاعر الغضب تجاه تجاوزات وسياسات نظام أدمن إذلال شعبه وأحكم ولو شكليا قبضته الحديدية عليه، ويفرط في أرض الوطن.

وكل يوم يزداد قهره وفجره في إسقاط طبقاته إلى أدني طبقات السلم الاجتماعي، ويتنازل عن حاضره ومستقبله لصالح الصهاينة، ويستقبل أعداء الأمة ويتجول بهم في شوارع الوطن من الصعيد إلى البساتين ومن الإسكندرية إلى معرض الكتاب.

نعم لست وحدك غاضبا وتنتظر لحظة الثورة والخلاص، لست وحدك تعاني سياسات أدمنت إفقار المصريين وسجنهم واعتقالهم؛ لمجرد أنهم يعبرون عن آرائهم.

لست وحدك تعاني من ارتفاع الأسعار، ومن انهيار الخدمات: تعليم وصحة ومواصلات وثقافة وإعلام..

نعم لست وحدك من يبحث عن ونيس ليطمئن إليه، وتقول ما لديك من مشاعر تجاه نظام لا يضع المواطن في اعتباره عند اتخاذ قراراته.

ولكن الحقيقة لا يجب أن تطمئن تماما، رغم أنك ضمن الأكثرية الرافضة لسياسات الاستبداد والفساد، وأنينك هو السائد في أنحاء الوطن.

هل تعتبرني محبطا لك حينما أقول إن ما تعتبره أنت اطمئنانا لا اعتبره أنا كذلك؟

هل جال في خاطرك أنني أفرط في فكرة ذهبية تحاول أن تبث الشجاعة والقوة في البسطاء، وتوحدهم حول فعل مقاوم لهذه السلطة البائسة المستبدة التي لم يمر بها تاريخ الوطن القريب من حيث معدلات الانهيار والتفريط والاستبداد؟

نعم، وإن كنت مع كل فعل مقاوم لكني لست مطمئنا، ولدي ما أقوله لك لعلك تسعي معي إلى أن نكون مطمئنين حقيقة.

فلماذا لست مطمئنا؟ ولماذا أعتقد أنني وحيد حتى الآن رغم “التريند” المستمر للهاشتاج، ورغم الصفارات الصاخبة، ورغم صرخات الأواني في أحياء مصرية كثيرة؟

ماهي عوائق الاطمئنان لدي والتي يجب أن نسعى للتغلب عليها؟

مشهد قديم من الذاكرة

جامعة القاهرة 26 من فبراير/شباط ١٩٨٦ ـ 12 ظهرا:

تناثرت الأنباء القادمة من معسكر الأمن المركزي بالجيزة عن تمرد جنوده، وسرت أخبار عن ثورة الجنود ضد نظام القهر والإهانات الكثيرة والمذلة في المعاملة بالمعسكر، وعلى الجانب الآخر كانت الحركة الطلابية في مصر في أوج توجهها.

أحداث كثيرة كانت قمتها في صباح هذا اليوم إذ امتلأت ساحة الجامعة بالطلاب من كل الاتجاهات السياسية والثورية، وانتظمت المظاهرة وخرج المتظاهرون إلى الشارع إذ كان الشارع هو الحلم والخلاص.

ورغم أن مبارك لم يكن قد مضى على رئاسته خمس سنوات فإن سياسات النظام كانت تواجه معارضة شديدة في ظل حركة طلابية كبيرة، ونشاط سياسي كبير.

وانطلقت المظاهرات خارج الجامعة إلى ميدان الدقي، حيث كانت المفاجأة إذ انطلقت الزغاريد في شرفات المساكن!

يا لها من فرحة عارمة لكل المتظاهرين: أن تشعر بأن الشعب معك، وازداد حماسنا جميعا ها هي مشاعر الجماهير معنا، هل اقتربنا من الحلم؟

استمرت الأحداث حتى ميدان الدقي وهنا حدث أول خلاف في الحركة (خذ بالك من الحركة هنا إذ لابد من حركة واحدة فلا وقت للتفتت).

إذ انقسم المتظاهرون؛ فقد رأى جزء أنه لابد من الاتجاه إلى ميدان التحرير، بينما رأى جزء آخر الاتجاه إلى حي بولاق الدكرور المكتظ بالسكان وموطن الطبقتين الفقيرة والمتوسطة إذ كان يعولون عليهم في الانضمام إلى الحركة المتصاعدة في شوارع القاهرة.

ورغم وجاهة الفكرتين فإن الموضوع كان بحاجة إلى قيادة موحدة وحسم أي الطريقين نسلك، وانقسمت المظاهرة، وما كان كتلة أصبح كتلتين، وبعد قليل سيصبح أكثر لعدم وضوح الرؤية كاملة.

لم اتجه إلى ميدان التحرير وانضممت إلى الذاهبين لحي بولاق الدكرور، واستمر جزء هنا وجزء هناك، وأمام المركز القومي للبحوث في الشارع الضيق المحاط بالمباني ظهرت قوات الأمن والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.

وتفرقت الجموع باحثة عن نجاة، والأيادي المتشابكة تفرقت مكرهة، وانحازت كل مجموعة إلى اتجاه على وعد بالتجمع في شوارع الحي الضيقة.

ذهبت المجموعات ولم تتجمع مرة أخرى إلا بعد سنوات طويلة في يناير/كانون الثاني ٢٠١١، لكنهم أعادوا لحظة ميدان الدقي مرة أخري فتفرقوا وذهب كلٌ في طريق بعيدا عن الآخر! وحتى لا نكرر أخطاء الدقي والتحرير، فيجب أن نتفادى عددا من المعوقات قبل أن نستعد بالتريند والهاشتاج والصفارات، وصرخات الأواني، ونتخلى قليلا عن معتقدات ستظل حائلا أمام نجاح القادم.

أول المعوقات: سوء النية

لقد بات سوء النية متبادلا بين الجميع: تيار إسلامي يمثله الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب القريبة منه، وتيار مدني بما يمثله من ليبراليين كحزب الدستور والمصري الديمقراطي والحرية والعدل أو يسار بما يمثله من اشتراكيين وناصريين وتيار الكرامة.

الجميع تقريبا لا يثق في الجميع، بل إنهم يتصيدون الأخطاء لبعضهم البعض، ولا أحد يتسامح مع الآخر.

انظر كيف تعامل الإخوان مع تعاطف البرادعي مع ما يحدث لهم في مصر، أو كيف تعاملوا مع الفنانين عمرو واكد وخالد أبو النجا أو ما عاناه منهم باسم يوسف أو يسري فودة، إنها المأساة! وعلى الجانب الآخر انظر كيف تعامل الآخرون مع دعوة الإعلامي معتز مطر، واقصد هنا القوى المدنية في الداخل؛ فرغم أنها قد تكون دعوة قيلت من قبل على لسان أحدهم، فإنهم رفضوها لأنها قادمة من إسطنبول والحقيقة أن سوء النية كان متوفرا جدا من الجميع.

الحقيقة لقد قرأت كلمة للإعلامي الحقوقي “هيثم أبو خليل” على صفحته بفيسبوك كان موفقا فيها جدا حينما عدّد أخطاء الجميع، وطالبهم أن يتسامحوا لأنه على رأى المثل المصري الشعبي (لا تعايرني ولا أعايرك الهم طايلني وطايلك)

ما يجب على القوى المدنية

الوضع الحالي في داخل مصر يتطلب قيادة داخلية، وعلى القوى المدنية أن تبحث عنها وتسعي لإيجادها بأقصى سرعة.

وهذه القيادة لابد أن تكون جماعية تمثل كل التيارات الداخلية في مصر والتي تسعى للمقاومة؛ خاصة أن معركة التعديلات الدستورية قد أوجدت حالة وحدة بين فئات كثيرة من الشعب المصري. وعلى القوى المدنية أن تتأكد من أنه ليس هناك تيار واحد قادر على أن يتحمل مسؤولية كبيرة كمسؤولية قيادة الشعب المصري، وتحمل أعباء الانهيار الحادث.

كذلك فإن الصراع السياسي بين التيارات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار وسنعود كما كنا، ويجب الاتفاق على أهداف واحدة ورؤية مشتركة وفترة انتقالية.

وتتضمن الرؤية تحديد الأولويات وعلى رأسها إصلاح منظومات: التعليم والبحث العلمي والصحة والعدالة، وعمل برنامج تنموي لزيادة الإنتاج والتصنيع..

وعلى الجميع ألا يسعى وراء أشخاص قد يكون من السهل اصطيادها سوء عبر تاريخها القديم أو الحديث؛ فلا يمكن أن تقنعني بشخص كنت من فتره قصيرة تدين أفعاله.

فالأكيد أن هناك من هم أكثر مصداقية، وأكثر تأثيرا فلا داعي لأن نقدم للنظام هدايا مجانية.

الإخوان المسلمون: خطوة أو خطوتين للوراء

على قيادات الإخوان أن تتراجع خطوة للوراء، وألا تستمر في محاسبة المصريين على ما حدث في يونيو/حزيران 2013..

فالمؤكد أن هناك أخطاء حدثت، والمؤكد أن الذين كانوا في الشوارع لم يكونوا ١٥٠ ألف متظاهر حينها، وإن كان حدث تواطؤ من دولة مبارك أو أية جهة أخرى فإن ذلك لا يعفى الإخوان من أخطاء يراها البعض فادحة ويراها آخرون بسيطة.  فعلى الإخوان المسلمين أن يعترفوا بالأخطاء، وأن يتراجعوا عن أفكار باتت من الماضي كعودة الشرعية والحكم وما شابه.

وأن يفتحوا صفحة جديدة أمام جماعة دعوية أو حزب سياسي يتفق مع الجميع على برنامج عمل وطني لفترة انتقالية طويلة عشر سنوات.

أخيرا: اليسار المصري

وعلى اليسار المصري أن يتخلى أيضا عن هذا العداء غير المبرر تجاه القوى الإسلامية؛ فالحركة الإسلامية والإخوان تحديدا لديهم قاعدة شعبية بلغت أكثر من سبعة ملايين حسب نتيجة انتخابات ٢٠١٢.

وهي قاعدة كبيرة لا يمكن لأي عاقل أن يتجاهلها وغالبيتهم من عموم الشعب الذي يرى في إسلامه النجأة والخلاص.

وهم بعيدون تماما عن صراع القيادات، وبالتأكيد بين القيادات من هم على نفس الدرجة؛ فلا داعي لأن نظل أسرى الماضي.

وعلينا جميعا أن نسعى إلى المستقبل وحدة واحدة ببرنامج مصري وطني متفق عليه من الجميع وأن نبعد سوء الظن إلى أجل بعيد.

“اطمن أنت مش لوحدك” صرخة لا تكفي لعبورنا إلى المستقبل، وعلينا جميعا أن نسعى باطمئنان آخر ليس بالصفير ولا طرق الأواني؛ بل بالحركة والرؤية الواضحة المشتركة، فهل من مجيب؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه