رأس السنة.. عندما تتبرج المدن!

وتقول المنظمة أن هذا العدد من الفوانيس وبعض الزينة الصناعية الأخرى في هاتين المدينتين فقط تصل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون منها حد 1.5 ألف طن

 

     بعد موافقة أمانة الأمم المتحدة لتغير المناخ على الملف الذي تقدمت به إسبانيا لتنظيم فعاليات قمة المناخ الـ 25 عوضا عن عاصمة التشيلي، استضافت مدريد القمة تحت شعار “حان الوقت للتحرك”. ورغم أن الرهانات كانت عالية، إلا أن النتائج كانت غير مرضية بالمرة. وفي إطار غضب منظمات المدافعين عن البيئة على هذه النتائج، تجندت المنظمات الإسبانية لانتقاد بلدهم نفسه بسبب تناقض الشعارات التي تُغلّف هذه المؤتمرات التي يلهث وراء استضافتها، مع سياسة بلدياته في هدر الطاقة الكهربائية طوال  أيام الاحتفال بأعياد نهاية السنة.

    ما من شك أن تسابق المدن وعواصم العالم على التفاخر بزينة احتفالات أعياد رأس السنة وضمان أكثر قدر من الإضاءة، أصبح هَوَسا لاحدود له. أغلب الظن أن التفنن في إتقان هذه الاستعراضات يحظى بإعجاب الجميع، غير أن فئة قليلة من الناس تتساءل عن كُلفة هذا الهَوَس، لا المادية فحسب بل البيئية بالأساس. الطّريف في الأمر أن مدريد، عاصمة إسبانيا التي استضافت القمة الأخيرة الـ 25 للمناخ كانت قد انطلقت في عرض أضوائها وزينتها وضيوف القمة يحضرون فعالياتها، ويناقشون ضرورة محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وعلى رأسها، غاز ثاني أكسيد الكربون.

سباق مجنون

منظمة “أصدقاء الأرض” الإسبانية ندّدت بسلوك بلدية مدريد وبلدية فيغو (شمال غرب إسبانيا) تحديدا نظرا لانخراط رئيسي هاتين البلديتين في سباق مجنون استبدّ ببلديات إسبانيا، لاستعراض عضلاتهما في تبرّج مدينتيهما خلال احتفالات نهاية السنة. إذ بلغ عدد فوانيس النور المركزة في المدينتين، 20 مليون مصباح (لمبة)، باستهلاك يصل الى 110 ميغاوات يوميا على مدى 40 يوما.

وتقول المنظمة أن هذا العدد من الفوانيس وبعض الزينة الصناعية الأخرى في هاتين المدينتين فقط تصل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون منها حدود 1.5 ألف طن . وفي الوقت الذي يسعى فيه أصحاب القرار السياسي للتهوين من هذا النقد بالتأكيد على أن نوعية الفوانيس المستعملة في هذه المناسبات هي الفوانيس الموفرة للطاقة، يقول أنطون لويس من المنظمة المذكورة إن “هذا التبرير لايستقيم في حال الحديث عن 20 مليون مصباح ، إذ إن العدد كبير جدا”.

    كما تذكر المنظمة نقلا عن موقع مختص بالأبحاث الكهربائية أن مصاريف مدريد المخصصة لهذا المهرجان الضوئي تبلغ 3 ملايين يورو، وهي أعلى ميزانية في إسبانيا. جدير بالذكر أن هذا المبلغ كان أقل بكثير في عهد رئيسة البلدية السابقة مانويلا كارمينا عن حركة بوديموس، لكن الأمر يبدو أقرب الى الانتقام من تقشفها في عهد رئيسها الحالي خوسي لويس ألمييدا المنتمي لـ “الحزب الشعبي” اليميني.

   المدير العام السابق لمعهد التنويع والادخار في الطاقة، خافيير غارسيا بريفا، والمختص في التصرف في الطاقات المتجددة، عبّر عن موقفه تجاه هذه التنافس الجامح المتكرر كل نهاية سنة بالقول “إنّه هَدر عبثي وتنافس سخيف”، ويرى أن هذا الأمر يعبر عن تناقض واضح تتسم به سياسة إسبانيا “إذ إنها تفعل عكس ماتعظ به خلال المؤتمرات المعنية بالمناخ والحفاظ على البيئة”.

وجب الاعتراف

   وفي الوقت الذي تنشغل فيه منظمات أصدقاء البيئة بالجانب السلبي للظاهرة وتدعو لعدم الاستهانة بكلفتها المادية والبيئية، وُلدت في مدريد مبادرة طريفة صدرت عن اتحاد “سائقي سيارات أجرة مدريد” وبلغت أوجها هذه السنة. تتمثل هذه المبادرة الطّوعية في جولة ليلية مجانية يقوم بها سائقو التاكسي في شوارع العاصمة المضيئة ويرافقهم فيها عدد من كبار السن المقيمين في دور العُجّز (21 دار) أو أطفال من مستشفى الرعاية الشاملة “الطفل يسوع”، بهدف الترويح عن أنفسهم وإطلاعهم على مظاهر البهجة التي تتزين بها العاصمة خلال هذه الفترة. المبادرة عرفت استحسانا في قلوب الجميع لدرجة أن بلدية مدريد أرادت الانضمام إليها ربما بدافع الشعبوية، إلا أن اتحاد “سائقي سيارات أجرة مدريد” احتجّ وطالب بحقّه في الانفراد بهذه المبادرة، وكان له ذلك.

     معلوم أن هذا التنافس الحماسي بين كل عواصم العالم يعتبر فرصة ذهبية لها في إطار الدعاية والترويج لجلب أكبر عدد من السياح، لكن في الحقيقة، وجب الاعتراف أنه تنافس غير محمود فعلا. وليس في الأمر مبالغة إذا ما قدّرنا تفاقم الظاهرة كل سنة وانتشارها بين المدن، في الوقت الذي تكشف فيه أرقام منظمات الدفاع عن البيئة ارتفاع كمية استهلاك الكهرباء وكميات غاز ثاني أكسيد الكربون الصادرة عن هذه الأنوار الاحتفالية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه