العوامل الاقتصادية تدفع لصعود الدولار أمام الجنيه المصرى

هل سيستمر الدولار الأمريكي في التراجع أمام الجنيه المصري خلال الفترة المقبلة؟ وتأتي الإجابة بأن العديد من العوامل الاقتصادية تدفع نحو تراجع سعر الجنيه

                           

منذ أواخر يناير/كانون الثاني من العام الحالي ومع تراجع قيمة الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري، والذي استمر طوال شهور العام، زاد زهو إعلام النظام العسكري بأن الجنيه المصرى قد حقق ثاني أفضل أداء للعملات بين الدول الناشئة، وأن هذا التراجع لقيمة الدولار جاء نتيجة نجاح سياسة الإصلاح الاقتصادي، وزيادة موارد السياحة وإيرادات قناة السويس وتدفق الدولارات على البنوك المحلية.

رغم أن تلك الوسائل الإعلامية كانت تشيد قبل ثلاث سنوات، ومع بدء برنامج الإصلاح وفق صندوق النقد الدولي، بانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار لحوالى النصف، وأن هذا الانخفاض سيزيد من قيمة الصادرات السلعية والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، مما يسبب الحيرة لغير الاقتصاديين عما هو الأفضل للاقتصاد المصري: انخفاض الجنيه أمام الدولار أم ارتفاعه؟

وفي السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول الحالى كسر سعر شراء البنوك للدولار من الجمهور حاجز الستة عشر جنيها، واستمر على ذلك خلال الأيام القليلة التالية، لتصل قيمة انخفاض الدولار أمام الجنيه المصري خلال العام الحالي وحتى الخميس الماضي التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول، إلى حوالي 19 قرشا بنسبة تراجع 10 %، مع ملاحظة أن متوسط السعر والذي يتوسط سعري الشراء والبيع من قبل البنوك للدولار، مازال يزيد عن الستة عشر جنيها.

ويظل السؤال: هل سيستمر الدولار الأمريكى في التراجع أمام الجنيه المصري خلال الفترة المقبلة؟ وتأتى الإجابة بأن العديد من العوامل الاقتصادية تدفع نحو تراجع سعر الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي خلال الفترة المقبلة، ومن تلك العوامل:

صندوق أبو ظبي ومساندة الاحتياطيات

أولا – الاحتياطيات من العملات الأجنبية: حيث يتباهى المسؤولون المصريون بارتفاع قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية، حتى بلغت 45.354 مليار دولار بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن المقارنة بين قيمة ارتفاع القروض الأجنبية وبين ارتفاعات الاحتياطيات من العملات الأجنبية، تشير الى أن مصدر تلك الارتفاعات للاحتياطيات هو الاقتراض، وليس الموارد الطبيعية للعملات الأجنبية من تصدير واستثمار وتحويلات وغيرها.

حيث تشير المقارنة بين زيادة قيمة القروض الخارجية خلال النصف الأول من العام الحالى كآخر بيانات معلنة، وبين زيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية في الفترة نفسها، إلى بلوغ زيادة الاحتياطيات 1.801 مليار دولار، مقابل أكثر من 12 مليار لزيادة القروض الأجنبية، لتمثل زيادة القروض حوالي سبعة أضعاف زيادة الاحتياطيات.

والأخطر من ذلك ما ذكره محافظ البنك المركزي المصري خلال كلمته في مؤتمر رجال الأعمال المصري الإماراتي أخيراً، حين أشاد بصندوق أبو ظبي الإماراتي، الذي قدم قبل نهاية الشهر الماضى مليار دولار حتى لا تتراجع أرصدة الاحتياطيات المصرية،

 وفي ضوء زيادة قيمة الاحتياطيات المصرية خلال الشهر الأخير بنحو 107 ملايين دولار، فإن هذا يعني أن الاحتياطي من دون قرض صندوق أبو ظبي كان سيحقق تراجعا بنحو 893 مليون دولار خلال الشهر، وأشار محافظ المركزي المصري إلى أن هذا الأمر تكرر بنهايات عدة أشهر أخرى، كذلك اعترف محافظ البنك المركزي من قبل باستخدامه ما لدى البنوك من أرصدة دولارية لرفع قيمة الاحتياطي لدى البنك المركزي.

ثانيا – انخفاض الموارد الدولارية لميزان المدفوعات: بلغ مجموع موارد النقد الأجنبي من خلال ميزان المدفوعات، في العام الأخير 2018/2019 المنتهى آخر يونيو/حزيران الماضى نحو 107.3 مليار دولار، بانخفاض أكثر من 8 مليارات دولار عن العام المالي السابق بنسبة تراجع 7 %، حيث انخفضت قيمة موارد تحويلات المصريين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر، والصادرات السلعية غير البترولية وإيرادات خدمات النقل واستثمارات الحافظة للأجانب في مصر.

استمرار الفجوة التمويلية الدولارية

وعلى الجانب الآخر زادت مدفوعات النفد الأجنبي للخارج بحوالى 5 مليارات دولار بنمو 5 % عن العام المالي السابق، الأمر الذي نجم عنه تحول الفائض الناجم عن الاقتراض في الميزان الكلى للمدفوعات بحوالى 13 مليار دولار في العام السابق، إلى عجز تخطى مئة مليون دولار في العام المالى الأخير رغم استمرار الاقتراض فيه أيضا.

ثالثا – استمرار الفجوة التمويلية: ذكرت وزيرة التخطيط أن حجم الفجوة التمويلية الدولارية  يبلغ 5 مليارات دولار سنويا يتم تغطيتها بالاقتراض، وكانت تكلفة الدين الخارجي من أقساط وفوائد قد تخطت رقم الثلاثة عشر مليار دولار بالعامين الماليين الأخيرين، رغم تأجيل سداد أقساط قروض لثلاث دول خليجية،  وهو رقم مرشح للزيادة، خلال الفترة القادمة فى ضوء التوسع  في الاقتراض الخارجي، ولهذا أعلن وزير المالية عن الاستمرار في طرح سندات بنوعيات مختلفة بالأسواق الدولية خلال العام المالي الحالي ، كما يستمر الاقتراض من البنك الدولي وبنوك إقليمية أخرى. كما ترددت أنباء عن اتفاق جديد للاقتراض مع صندوق النقد الدولي.

رابعا – تراجع أرصدة مشتريات الأجانب لأذون الخزانة: شهد العام الماضي تراجع أرصدة مشتريات الأجانب من أذون الخزانة المصرية، من 21.6 مليار دولار فى مارس/آذار 2018 الى 10.7 مليار دولار بنهاية العام، وفي العام الحالي شهدت مشتريات الأجانب من الأذون زيادة ملموسة خلال شهر يناير/كانون الثاني بنحو 2.4 مليار دولار، واستمرت الزيادة خلال الشهور التالية ولكن بقيمة أقل حتى أنها بلغت نحو 11 مليون دولار فقط في شهر يونيو/حزيران الماضي.

  توقع خروج أجانب من أدوات الدين

ومنذ شهر يوليو/تموز الماضى تحولت أرصدة مشتريات الأجانب من الأذون إلى الانخفاض، الذي استمر خلال الشهور التالية وحتى شهر أكتوبر/تشرين الأول كآخر بيانات معلنة بسبب تراجع أسعار الفائدة في مصر أكثر من مرة، لتصل أرصدة مشترياتهم من الأذون بنهاية أكتوبر/تشرين الأول إلى 15 مليار دولار، ويتوقع استمرار الانخفاض خلال نوفمبر/تشرين الثاني مع استمرار انخفاض سعر الفائدة خلال الشهر نفسه.

وفي السادس عشر من الشهر الحالي أعلن البنك المركزى عن شراء الأجانب أدوات دين مصرية – أذون وسندات خزانة-  بنحو 490 مليون دولار، بينما لم يعلن عن الصافي بين المشتريات والمبيعات، حيث تظل أرصدة مشتريات الأجانب من أذون الخزانة حاليا أقل كثيرا مما كانت عليه خلال الربع الأول من العام الماضي بقدر كبير.

وتوقعت المجموعة المالية هيرميس في تقرير لها خروج ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصري خلال العام القادم نتيجة الاستمرار في خفض الفائدة، رغم حرص المجموعة على تجنب أي انتقاد للإجراءات الاقتصادية، والإشادة الدائمة بالمؤشرات الاقتصادية، حرصا على مصالحها مع الحكومة مروجا للأطروحات الحكومية وغير ذلك.

خامسا – توقع زيادة الواردات السلعية: تشير خريطة الواردات السلعية في العام المالي الأخير إلى استحواذ السلع الوسيطة على نسبة 31.5 %، والسلع الاستهلاكية على نسبة 22.5 % والوقود 18 % والسلع الاستثمارية 16 % والمواد الخام 9 % من إجمالي الواردات، ولم تختلف تلك النسب كثيرا عما كانت عليه قبل خمس سنوات.

وفى ضوء استمرار اعتماد الشركات المصرية على مكونات إنتاج مستوردة، وفي ظل ضعف نسب الاكتفاء الذاتي من كثير من السلع الغذائية، ومع زيادة مؤشر أسعار الغذاء العالمي خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بنسبة 2.7 % خلال شهر، وبنسبة 9.5 % خلال عام، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والزيوت النباتية والسكر، لذا يتوقع زيادة قيمة الواردات.

في الوقت نفسه الذي انخفضت فيه قيمة صادرات السلع غير البترولية خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالي، بما يشير لاستمرار العجز الكبير في الميزان التجاري، والعجز في ميزان السلع والخدمات وفي ميزان المعاملات الجارية بما يضغط على سعر الصرف.

    انخفاض الودائع الدولارية بالبنوك

سادسا – انخفاض الودائع بالعملات الأجنبية: تشير بيانات البنك المركزي إلى استمرار انخفاض أرصدة الودائع بالعملات الأجنبية في شهر سبتمبر/أيلول الماضي كآخر بيانات معلنة، للشهر الرابع على التوالي، حتى أن قيمة الودائع من العملات الأجنبية فى سبتمبر/أيلول 2019، تقل عما كانت عليه في يونيو/حزيران 2017، الأمر الذي أدى أيضا الى تراجع نسبة الودائع بالعملات الأجنبية من إجمالي الودائع من حوالي 28 % في يونيو/حزيران 2017 إلى 19.5 % في سبتمبر/أيلول الماضي.

وأدى ذلك لاستمرار البنوك المصرية وعلى رأسها بنكا الأهلي ومصر، أكبر بنكين بالبلاد، في اقتراض دولارات من الخارج، للوفاء بالتزاماتها بالعملات الدولارية ولتعويض نقص الودائع الدولارية، كما أدى ذلك من ناحية أخرى إلى انخفاض أرصدة القروض بالعملات الأجنبية، التي تمنحها البنوك المصرية حتى أن أرصدة تلك القروض في سبتمبر/أيلول 2019 تقل عما كانت عليه فى نهاية العام 2016.

سابعا – عوامل أخرى: زادت خلال العام المالى الأخير قيمة الاستثمارات الأجنبية الخارجة من مصر والتى يتوقع زيادتها بعد مظاهرات العشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، كما استمر انقطاع السياحة الروسية عن مصر، وما زال التقييم الائتمانى لمصر غير مشجع على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، كما توقعت مؤسسات مالية دولية صعود الدولار أمام الجنيه.

لكن محافظ البنك المركزي يدير سعر الدولار كما كان الأمر قبل الإعلان عن تحرير سعر الصرف فى نوفمبر/تشرين الثاني 2016 ، ويدفعه للانخفاض إداريا ، مستغلا خشية رؤساء البنوك على كراسيهم بعدما شهدوا إبعاد رئيس البنك العربي الأفريقي عن منصبه لمجرد اختلافه في الرأي مع المحافظ، وصمت صندوق النقد الدولي على تدخله في تحديد سعر الصرف،  وخلو المجموعة الاقتصادية الوزارية  من خبير له دراية كافية بالآثار السلبية لما يفعله المحافظ، وذي مكانة لدى الجنرال حتى يستطيع الجهر برأيه، حتى يكشف عن الآثار السلبية لما قام به المحافظ تجاه سعر الصرف خلال العام الحالي.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه