فتنة الشهادة

 

تقوم الصحافة الاستقصائية على فكرة البحث عن المصادر ذات العلاقة بالقصة أو الموضوع أو القضية موضوع البحث، وبالتالي فدور الصحفي هو البحث عن هذه المصادر والتحاور معها، إضافة الى البحث عن مصادر غير بشرية مثل الكتب والمراجع والمقالات والمقابلات الصحفية والإعلامية والمخطوطات لكي تكون داعما له في رحلة البحث عن الحقيقة.

لا ينطلق الصحفي من فراغ بل هناك وعلى طريقة دراسات الماجستير والدكتوراة فإنه ينطلق من فرضية أو نظرية ما في رأسه وبالتالي فهو يعرف عن أي شئ يبحث وكيف يصل إليه أولا يصل إليه فيكتشف في منتصف الطريق أن ما افترض حدوثه غير موجود على أرض الواقع. هذا حين يكون العمل الصحفي مجردا من الرأي أو الهوى وهذا ما يميز الصحافة الاستقصائية التي تختلف تماما عن مقال أو حتى الكتب والمؤلفات التي يكتبها كاتب أو معاصر للأحداث أو صناعها أو قريب من صناعها. هذان مجالان مختلفان تماما ولا يجب أن يؤاخذ صحفي قام بجهد استقصائي ترك فيه المجال للشهود ليدلوا بأرائهم بحجة أن له رأي في الأحداث.

حين يكتب الصحفي رأيه في الأحداث هنا يجب التصدي له إن خالف الحقيقة أو تجاوزها أو قفز عليها أو استنتج ما لا يمكن استنتاجه في مقالاته ومجموع آرائه المنشورة، والرد على الصحفي صاحب الرأي حق معترف به ومعمول به ووسائل الإعلام مجبورة بحكم القانون على نشر الرد في نفس المساحة التي نشر فيها الكاتب الصحفي مقاله …فحق الرد مكفول … وهذه قصة أخرى.

عملية توثيق:

الصحافة الاستقصائية هي نوع من كتابة التاريخ في جزئية معينة وهي عملية توثيق لحدث أو مجموعة من الأحداث من خلال من عايشوها أو عايشوا جزءًا منها … وهناك عشرات الأفلام الوثائقية التي تناولت العديد من الأحداث من وجهة نظر من عايشوها أو كانوا جزءًا من صناعتها وهم بالطبع كانوا وسيظلون  مجرد جزء لاستحالة جمع شهادة جميع الشهود وهنا يأتي دور المشاهد أو القارئ الذي لم يعجبه ما جاء في التقرير أو في المادة الوثائقية وعليه أن يتقدم مشكورا بما لديه من آراء وأفكار وشهادات ووثائق لكي يتم تصويب ما جاء في هذا التقرير أو ذاك الفيلم الوثائقي أو حتى كتاب التاريخ .

نعود إلى تجربة الزميل سليم عزوز في توثيق شهادات من ظن أنهم شهود ليس فقط على المرحلة ولكن على الأشخاص وتصرفاتهم وطريقة تفاعلهم مع الأحداث، وهو كصحفي مخضرم له أراؤه ولديه ما يفترضه ويبني عليه القصة التي يبحث عنها ولكن تبقى بعض الأسئلة المهمة لكي نفهم هل قام الاستاذ سليم عزوز بتزوير التاريخ أم كان يبحث عن الشهود الذين يكتبونه، ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال هل استنطق الكاتب الشهود؟ وهل انتقص من شهاداتهم؟ هل كتب ما فهمه أم كتب ما قالوه؟ هل اقتطع أجزاء ليستخدمها في سياقات مختلفة عن مكانها الطبيعي في الأحداث وقت وقوعها؟ ثم هل استنفد سليم عزوز جهده في البحث والتواصل مع الشهود الذين كانوا على مقربة من الأحداث ومن السيد الرئيس الشهيد محمد مرسي؟ أم انتقى بعضا مما يعرف عنهم أنهم ليسوا من مريديه ليكتبوا شهادة على مقاس ما يريده الكاتب سليم عزوز؟

هذه الأسئلة مهمة والأخطر منها هو هل قام سليم عزوز بإيهام من استشهد بهم أو الضحك عليهم وطلب منهم شيئا أو أشياء ثم أنتج عملا مختلفا عما وعدهم به؟

محاولة جيدة:

الحقيقة أن العمل الذي قام به الزميل سليم عزوز هو محاولة جيدة بل وممتازة للحديث عن رئيس ظلم فعليا ولكن سليم عزوز بتقريره الذي قدمه عنه أعاد إحياء ذكراه وأعاد تموضع الرئيس الشهيد كرجل قوي ملم بما يدور، واع لما يتم ، لديه الإرادة والرغبة في التغيير ، ولديه من العلم والمعرفة ما يمكنه من تطبيق ذلك التغيير لو تهيأت له الظروف ، وقد يقول قائل لا على العكس لقد حاول التقرير إظهار الرئيس على أنه ضعيف وقليل الحيلة والحقيقة أن هذا زعم باطل وبعض ممن يسوقون هذا الكلام لم يشاهدوا التقرير المنشور جيدا ولكن بعضهم انتفض ليس لصالح الرئيس الشهيد بل لصالح جهات أخرى أتى التقرير على ذكرها بالنقد وهذا حق فليس هناك ثمة جهة معصومة من الخطأ أو من النسيان .

من وجهة نظري المتواضعة فإن التقرير يجب أن يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الشهادات حول هذه المرحلة من جانب من امتنعوا لأنهم بذلك يكتمون الشهادة بحجة أنهم أمناء عليها ، وهنا أقول إن الشهادة حق لأن ما نتحدث عنه هو تاريخ مصر وليس تاريخ مؤسسة بعينها من حقها أن تحتفظ به طالما كانت مؤسسة مغلقة أو منغلقة ولكن حين تكون هذه المؤسسة عامة معنية بالعمل العام بل هي من أوصلت أحد أعضائها لرئاسة الدولة بدعم من الناخبين الذين وثقوا في نجاعة خطتها وبراعة قدرتها على الوصول والتنفيذ ، هنا وهنا فقط لا يمكن تصوير الأمر على أن الرئيس مرسي من الإخوان بل هو رئيس من مصر ، حكم باسم الشعب وبإرادته ويتعين على الجميع إنجاز مشروع توثيق تلك الفترة التي ظلم فيها الرجل والحزب وربما الجماعة التي نشأ فيها وتولى أعلى المناصب في حزبها الجديد.

التطوع بالشهادة

لم ولن يتمكن أحد من توثيق هذه المرحلة ما لم يتطوع الجميع بالشهادة الحرة النزيهة وليست الشهادة المقيدة أو المنمطة أو المفصلة على مقاس أحد بل على مقاس الوطن والتاريخ ، وأي تردد في ذلك هو ظلم للرئيس الذي عرفته عن قرب للحظات قليلة ولكني استوعبت منه الكثير عليه رحمة الله وقد أسر الي بالكثير في لحظات تاريخية كلها أثبتت لي أنه كان قويا وذا إرادة مستقلة ولكنه كان مرشحا من حزب أو جماعة وكانت التجربة جديدو والتنسيق عادة ما يحدث بين الحزب الحاكم والرئيس في أي مكان في العالم ، وهذا لا يعيبه ولا ينقص من قدرته ويكفيه أنه رفع عصا التأديب في وجه محمد حسين طنطاوي و سامي عنان وكان في طريقه للقضاء على التمرد الذي علم به ولكن وكما كررت في برنامجي قبل سنوات أنه كان لديه خطة للتعامل ولكن خيانة أخرى حدثت وأدت إلى استباق عصابة العسكر والتعجيل بالانقلاب وأنا هنا أتحدث عما وصلني قبيل خطاب السيد الرئيس الشهيد محمد مرسي الأخير والذي حضره السيسي وكان متوترا.

الجيد فيما جرى أن مرحلة التأريخ قد بدأت ولو على استحياء وأنا أدعوا الجميع للإدلاء بشهادته عما عايشه وعاصره وليس هنا شخص مهما بلغت قدراته أو مهاراته الاتصالية على الزعم بأن لديه كافة التفاصيل أو انه الوحيد الذي على علم لدني بما جرى.

في عالم الصحافة قد يكون للسبق الصحفي دوره في تحريك أمور كانت متجمدة في نهر الحياة وهذا أمر محمود ومشكور وعلى من لديه أقوال أخرى فليتقدم بها أمام محكمة التاريخ …

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه