حسن القاياتى : ابن العائلة والقصيدة و الثورة

بيت القاياتى كان ولم يزل أرستقراطيا بين بيوت المتصوفين فى أقاليم الصعيد، فالصوفيون من غير القاياتيين كانوا يسعون غالبا إلى الناس، على حين كان الناس يسعون إلى القاياتيين

 

ينتمى السيد حسن القاياتى ١٨٨٣- ١٩٥٧  إلى بيت القاياتى الشهير فى صعيد مصر، وهم من بيوت الصوفية الكبيرة التى حفلت بأقطابها المعروفين بالفضل والكرم، وقد أشار الدكتور أحمد بدوى عالم الآثار ومدير جامعتي القاهرة وعين شمس إلى أن بيت القاياتى كان ولم يزل أرستقراطيا بين بيوت المتصوفين  فى أقاليم الصعيد، فالصوفيون من غير القاياتيين كانوا يسعون غالبا إلى الناس، على حين كان الناس يسعون إلى القاياتيين، فيتعلمون، ويتأدبون، ويتربون، ويطعمون، وينالون من عطائهم ما يشتهون. وينتهى نسب بيت القاياتى إلى الصحابى الجليل أبى هريرة.
 ورد فى كتاب «تاريخ المائة الثامنة الهجرية» أن شمس الدين القاياتى كان قاضى قضاة مصر، كذلك فقد ذكر صاحب الخطط التوفيقية على باشا مبارك نخبة من القاياتيين لهم فضل كبير فى العلم، والأدب. 
قبل أن أسترسل في الحديث أجد لزاما على أن أشير إلى أن شبكة الانترنت تعرض في موقع ” مصرس ” مقالا لي نشرته في مجلة أكتوبر في ١٦ ديسمبر ٢٠١٢ بعنوان “القاياتي الشاعر الإسلامي المجهول حفيد أبي هريرة” ، لكن الشبكة لا تثبت اسم صاحب المقال على عادة هذا الموقع  مع كل مقالاتي التي نشرها مع الإشارة إلى موضع ومكان النشر إلا أنه لظروف خاصة يستحيي من ذكر اسم الكاتب  .

دور القاياتية في الثورة العرابية 

شارك اثنان من بيت القاياتى فى الثورة العرابية أحدهمها هو والد حسن القاياتى، والآخر عمه، وقد اضطرتهما الظروف السياسية إلى أن يستقرا فى الشام فترة من الزمن ينشران العلم الدينى، ويلقيان من حفاوة العلماء ما يجدر بسمعتهما ومكانتهما ، وقد ألف والد حسن القاياتى فى هذه الرحلة كتابه «نفحة البشام فى رحلة الشام»، كما ألف رسالة فى الرد على مناظرة المأمون للفقهاء فى تفضيل «على» كرم الله وجهه، على «أبى بكر» رضى الله عنه.
دور القاياتية  في ثورة ١٩١٩
فى ثورة 1919 كان  بيت  الشيخ القاياتى  فى عطفة السكرية، بجوار باب زويلة، مركزًا للنشاط الثورى. وكان الأستاذ الشيخ مصطفى القاياتى (ابن عم السيد حسن القاياتى)  فى الصف الأول من زعماء  الثورة عالما وخطيبا مفوها، وفى إحدى الصور الفوتوغرافية الشهيرة لسعد زغلول وأصحابه من الوزراء وكبار رجال الدولة يظهر وجه من وجوه المصريين ذو عمامة، على حين لم يكن أصحاب العمائم قد وصلوا إلى مناصب الوزارة، و هذا الرجل العظيم هو الشيخ مصطفى القاياتى الذي كان له دور بالغ الأهمية فى هذه الثورة الوطنية، وقد كانت له الكثير من الوقفات مع القسيسين فى رحاب الأزهر، والكنائس والمساجد والأندية، يؤكد معهم ذلك الترابط بين أبناء مصر والعرب، وإن اختلفت العقائد والأديان وقد تعرض مصطفى القاياتى لكثير من  المتاعب والمضايقات  التى تعرض لها زعماء الوطنية ودعاتها. 

تكوينه الثقافي 

عكف  السيد حسن القاياتى على القراءة منذ بداية عهده بالحياة، واطَّلع على أمهات الكتب، وقد التحق بالأزهر، وتزود من علمه، ولكنه سرعان ما ترك الدراسة المنتظمة ونذر حياته لاكتساب المعرفة بنفسه عن عقيدة منه بأن المناهج المتبعة فى ذلك الوقت لم تكن كافية لإرضاء  طموحاته و نزعاته ، وتطلعاته ، وهكذا كان القاياتى من الذين آثروا المعرفة بحدودها المترامية على التعليم بقيوده، والمناهج الدراسية المحددة، وهكذا كان امتدادا للمويلحى، والمنفلوطى، والرافعى، ومحمد صادق عنبر، وإبراهيم الهلباوى، وأحمد محرم، وأحمد الكاشف، وأحمد نسيم، وعبد الحليم المصرى، كما كان فى ذلك نظيرا للعقاد  ومحمود تيمور الذين ولدوا  بعده بسنوات.
اختياره عضوا في مجمع الخالدين 
اختير الشيخ حسن القاياتى عضوًا بمجمع اللغة العربية سنة 1942، ضمن الفوج الثالث من التعيينات ، وهو الفوج الذي شغل عدة كراسي خالية ، و قد اعتبرنا في تأريخنا للمجمع اختيار القاياتي ليكون  فى الكرسي  التاسع عشر الذى خلا باستقالة الشيخ محمد مصطفى المراغي ، وإن كان أحد مصادر التاريخ للمجمع كان قد جعله من باب التقريب يشغل الكرسي الذي خلا بوفاة المستشرق الإيطالى نلِّينو. 
وقد ساهم الشيخ حسن القاياتى فى كثير من أعمال مجمع اللغة العربية ، باشتراكه فى كثير من لجانه كلجنة الأصول، ولجنة الأدب، ولجنة الهندسة الميكانيكية، ولجنة اللهجات ونشر النصوص القديمة، ولجنة اختيار النشيد الوطنى الليبى. 

قيمته الأدبية 

يرى المجمعيون والأدباء والعلماء الذين عاصروا السيد حسن القاياتى أنه كان كاتبا حساس النفس، مرهف الذوق، يتحدث عن الجمال فى كل سانحة من المعانى، وفى كل مشهد من الصور، فيعبر عنه تعبيرا يتمثل فيه ذلك الذوق المترف، وذلك الحس المرهف، وذلك الطابع الذى تمده العراقة بخصائص البيت العريق.
قال عنه الدكتور منصور فهمى فى رثائه فى مجمع اللغة العربية: «إنه كان يرسل الشعر والبيان عاطفة مشبوبة، ونزعة وثابة، أو يبعثه اجتماعيات فاضلة، وخلقيات مصلحة».
وقال عنه خلفه في مجمع اللغة العربية الدكتور أحمد بدوى:
«إن سيرة القاياتى فى حياته الخاصة والعامة، فى شعره وفى نثره لصور صادقة لصفاء نفسه وسلامة طبعه، وجمال خلقه، وكمال مروءته، وروعة حياته، ومن عناصر هذه الصورة وأمثالها تنحت الحياة تمثال الإنسان».

  
قيمته الشعرية 

نظم السيد حسن القاياتى الشعر فى بواكير عمره، وأصدر ديوانه ١٩١١  مبكرا قبل أن يبلغ الثلاثين  من عمره ، وقد قال فى مقدمته: «حسبه معذرة أنه شعر ناشئ لم يستقل، وتلميذ لم يتخرج».
وعبر السيد حسن القاياتى عن هذا المعنى نفسه فى وصف شاعر شاب بأن مخايله فى شعره تعد بالفراهة والقوة، كما يعدك عنقود العنب بأن يكون الرحيق المصفى فقال:
            مخايل شاعر ملئت بيانا            كما تعد العناقيد الحميا

آثاره الأدبية في تحقيق النصوص

 
علق السيد حسن القاياتى على كتاب «عيون الأخبار» وكتب فى تصحيح نصوصه عشر مقالات طوال تناول فيها تصويب ما جناه التحريف والتصحيف على الكلمات والجمل. 
مأثوراته الفلسفية وخواطره اللغوية 
عنى السيد حسن القاياتى بأساليب الكتابة العصرية، وتحقيقها ونقدها وله مقالات  سماها «العثرات فى اللغة والأدب»، ولم يشأ أدبه ونبل شمائله أن يتتبع هذه العثرات بأسماء أصحابها، وإنما كان يكتفى بإيراد التعبير أو الأسلوب أو الكلمة فينقد ويصحح وكأنه يقيل الكتاب من هذه العثرات.
وكان القاياتى السيد حسن القاياتى مغرما بصياغة فقرات قصيرة يسميها «خطرات فى أدب وخلق واجتماع، وشادها الخيال وأملاها الحق، إن فاتك منها سحر البيان لم تفتك الحكمة».
ومن هذه المأثورات قوله: «آفة الشريعة التأويل، وآفة القانون التعطيل».
ومن قوله: «الباطل المتقبل أنفذ من الحق المعطل».
«وكم حرمة كانت للأوثان فى حجر البيت لم تكن للقرآن فى حجر عثمان».
وقد نشرت الصحف كثيرا من مقالاته، واتسم نثره بالبيان الرائع، والوصف الشائق، والحكمة البالغة.

شعره الوجودي 

حفل شعر السيد حسن القاياتى بتعبير صادق عن حيرة فلسفية، وعن صراع دائم بين القديم والجديد، ومع أنه ظل ينظم على نهج الأقدمين، وأساليبهم ومفرداتهم ، فإنه كان فى تجديده حريصا على الموضوعات السامية بعيدا عن المديح والهجاء والرثاء.  كما كان حريصا على لانفعال الصادق بعصره وما أصابه عصره من تقدم ورقى.
 وصف ديوان االسيد حسن القاياتى بأنه ديوان للوصف حيث يعلو شعر الوصف على سائر فنون الشعر، وهو ينطلق بالوصف إلـى وصف المستحدثات فى الحضارة مثل الهاتف، وآلة التصوير، وساعة الحائط، ومسمعة الغناء، وحوامة الطيران، وكذلك يصف الربيع والأزهار والأنهار والنزهة فى مركبات الخيل:
            يطأن الثرى لينا فلو كان وقعها            على زئبق غض لما ارتج ذائبه
           ويلمسنه بالرفق حتى كأنما            يقبل محبوبا على الذعر صاحبه
            فلو كان قلبى خافقا مثل خفقها            هدوا لهانت فى الغرام مصائبه
وقد عبر السيد حسن القاياتى فى بعض شعره عن إحساسه بظلم الزمن للجمال، وكأنه كان يريد للجمال أن يبقى بمنأى عن أثر الزمن فيه :
            وما أنس من شىء فلا أنس كيده            لحسناء ملء العين والقلب تجتدى
            تروح سليبا مَنْ حلى وإنما            تؤزر بالحسن البديع وترتدى
            وتغدو على جوع وإن غرامها            ليأكل من شتى قلوب وأكبد
            وكيف دعت من تجتديه بسيد            وعبد لدى إحسانها كل سيد
            وإن امرأ لم يعط لله وحده            وأعطى لهذا الوجه غير مفند

إحساسه بظلم الزمن له 

كان السيد حسن القاياتى يعرف أنه أهل للتقدير حتى إن لم ينله، وهو فى إحدى قصائده يشير إلى هذا المعنى معبرا عن تفهمه لطبيعة مثل هذه الأمور حين يفوت التكريم أهله:
            لو أن المساعى تكسب المجد لم يلح            بأفق العلا إلا أنا وأخى البدر
            فلكم ليلة أسهدت للمجد وحده            عيونى وقد أغفت كواكبها الزهر
            تلومين إن أخرت عن نيل رتبة            وكم عامل قد فاته قبلى والأجر
            كأن وساما يعتلى صدر جاهل            جنى من الأزهار يحمله قبر
            حسب من أحسب صنعا صنعه            لا تقل من رب هذا وابن من

ومن شعر السيد حسن القاياتى فى تصوير حاله بين أفراد المجتمع:
            أنا فى عهد خداع أهله            نفخوا الزق وسموه السمن
            كم عظيم الكبر باد جهله            ظنه الناس على شىء فظن

شعره المعبر عن اعتزازه بكرامته   

كان السيد حسن القاياتى رجلا أبيا يعرف كيف يصون كرامة إنسانيته، فهو حين يشكو الدهر يختم شكواه بقوله:
            بعض ما أشكو وما أكثره            إن مثلى ليس يشكو ما وجد
ويقول السيد حسن القاياتى فى شكوى الدهر وما يقابله هو من رفعة نفسه، وأصالة منبته وإبائه حتى إنه يؤثر الموت على الحياة غير الرضية:
            طالما عاتبت دهرى ولشد            أترى ينصفنى منه أحد
            إن فى صدرى منه لأسى            لو عداه ماء حلمى لوقد
            إن حتفا باكرا فى غبطة            كان خيرا من حياة فى كمد
            كم أمنى للأمانى غدا            ما عسى يرفع من قدرى غد
            بعض ما أشكو وما أكثره            إن مثلى ليس يشكو ما وجد
ويضيق السيد حسن القاياتى بالحياة فيقول:
     ما فى الحياة جديد            سوى القديم المعاد
            سئمت كل قديم            حتى خفوق فوادى
وكان يعبر عن معاناة قلبه من  الحب  :
            أحس فى القلب وقدا            يارب لا كان حبا

شعره السياسي 

حفل شعر السيد حسن القاياتى بكثير من الموضوعات السياسية والقومية، وبخاصة أنه كان من وجوه الحياة العامة فى مصر، وكان رأيه مسموعا ومطلوبا أيضا، وللقاياتى قصائد فى حرب طرابلس، وفى الفتنة  الطائفىية  الدينية  فى  1910 التي لم تلبث أن اختفت بفضل حكمة القادة المصريين .
موقفه من الانقسامات الوطنية 
وصف السيد حسن القاياتى الخلاف بين سعد زغلول باشا وأقرانه فى أعقاب ثورة 1919 فيقول:
            شب الخلاف لظى ، فيا نار اخمدى            وتقسمى يانار وجه الموقد
            سعد وعدلى قد أعدنا فيهما            عهد القطيعة فى المسيح وأحمد
            إن البلاد حياتها أن تعملوا            رأى الجميع وهبة المتوحد
            هيهات ليس بسيد فى نفسه            من ليس فى أوطانه بالسيد

اعتزازه بعروبته 

وللسيد حسن القاياتى شعر فى الحماسة والفدائية والوطنية المتقدة، والقومية والعروبة.
فمن قوله يصور عزة الشرق والعرب:
            غن للدنيا بمجد العرب            ترم عطفيها بزهور الطرب
            أمة العرب أتاحت للهدى            وثبة البيض وهدى الكتب
            إن للحق بيانا إن عدا            منطق الرشد سما فى القضب

ويستنهض السيد حسن القاياتى همة أمم الشرق في موضع آخر فيقول:
            نجاحك رهن بأن تقدمى            فيا أمم الشرق لا تحجمى
            إذا ما كتبتم عقود الحياة            فلا تكتبوها بغير الدم

تأملاته الفلسفية للحياة المعاصرة في قصيدته عصريات 

نشرت مجلة الرسالة في فبراير  ١٩٣٨  للسيد حسن القاياتى قصيدته الجميلة عصريات ، ومن الطريف أن العدد نفسه من مجلة الرسالة تضمن قصيدة بغداد للشاعر على الجارم .
 وفي قصيدة عصريات  يقول السيد حسن القاياتى : 
الكيدُ ما تُعْلِن السَّجَاياَ … والحقدُ ما تضمرُ الطوايا!!
يا عصرُ ما فيك من عَوَادٍ … يا عهدُ ما فيك من خفايا؟؟
ما للثنايا تَرِفُّ بِشْرا … على الجوى يصدَعُ الحنايا؟
لا قُدس العصرُ من أَوَانٍ … تُذَمُّ في حمده التحايا!!
عَلاَمَ نُزْهىَ بفجر علمٍ … كأنه للدجى بقايا؟؟
لدى البغاياَ لنا خلالٌ … وما لنا فتنةُ البغايا!!
نُطالعُ الحفْلَ بالمخازي … يا قُبحُ لا تنظرِ المَرَاياَ
لو شِمْتَ – نُزِّهتَ – ما نُواري … أقمتَ في مرقص العرايا!!
ثم يتحدث السيد حسن القاياتى عن قسوة الخطايا والآثام في عصره ، و كيف أثرت هذه الصفات في نفوس أبناء ذلك العصر فأحالت أخلاقهم إلى أخلاق سلبية : 
إنَّا لَفي الخُلْد من زمانٍ … تُنِيل فِرْدَوْسَهُ الخطايا
جِيلٌ تبَاَهى بلُبِّ حُرٍّ … وظلَّ عبداً لدى العطايا!!
رَغِّبْ وأَوْعِدْ فسوى تحوى … ضمائر الصيد في الهدايا!!
مَن أدَّعى أنهُ طليقٌ … إلام يختال في السبايا؟؟
 ويصل  السيد حسن القاياتى  في هذه القصيدة إلى حالة من اليأس يقول معها إن الراشد الوحيد في عصره هو الموت :  
يا عصرُ ما فيك من فُتُونٍ … لا رشُد فيه سوى المنايا؟؟
سَلِ الأضاليل كيف لاقَتْ … حُنوَّ موسى على الوصايا؟؟
شَقِتَ بالحق فلتَرُمْهُ … بحيث تشقى به القضايا
صباحةُ الحق حجبَّتْهُ … فقَرَّ والحسنَ في الخبايا!!
لا يحسنُ العدلَ من تولَّى … فَغَادَرَ العدلَ في الشكايا
جَزَالةُ الرأي من فؤادي … يطير من فتنةٍ شظاياَ
جاذَبتُ عصري مُنَى سَرِيٍّ … فَعَرْبدَ العصرُ في مُناَياَ
شدا فأشجى بكل وَاهٍ … لبُلبُل العصر مشتكايا
وينتقد السيد حسن القاياتى آلية الديموقراطية المعتمدة على الانتخابات ، فيصفها وصفا فلسفيا ساخرا يقول فيه : إنها سبق إلى الكرامات بالدنايا ، وهو يقول بكل  شجاعة و وضوح  : 
قيل: انتخابٌ. فقلت: سَبْقٌ … إلى الكرامات بالدنايا
وَقيعةٌ والخنا قِسيٌّ … وهدنة والنُّهى رمايا
هَوَى الكراسيِّ والغواني … أسىً تَغَنَّتْ به الضحايا
حديث ندْبٍ لناخبيه … شكاة آسٍ إلى البلايا
سُرىً تُباعُ القلوبُ فيه … سوافر الهون أو نقايا
من شام فالنقد والتَّهادِي … أو شَمَّ فاللحم والقلايا
صِلْنِي بدينارك المرجَّى … أَهَبْكَ خيرَ الورى مَزَاياَ
لعيني النبل حين أغزو … قُوَى مباريَّ في سرايا
مشوا إلى الكيد في الغواني … فلا سراةٌ ولا سَرَايا
شكا من الجوع فاشتكاني … مُرَفَّهُ العيش في حمايا
للخبز دون الجلال تُسْبَى … فَوَاتِنُ المال والصفايا
بكى عدوي إلى صَفيِّي … فردَّه الدمعُ من عِدَايا
ضَعْفٌ ترامى عليه ضعفٌ … كالغيد مالت على الحشايا
لَدَى العشايا حمدت رأياً … فسَلْهُ ما أنتَ في الغدايا؟؟
سَماَ بِطِفل الجلال شعبٌ … ثَوَى بمْعِله في الزَّوايا
سمَاَ وما لَقَّنوهُ حرْفاً … كوثبة الميْت إن تحايا!!
و يفيض السيد حسن القاياتى في الحديث عن معاناته النفسية والعقلية مما يسميه أو يصفه بأنه عصر سيادة الأندال وهو يطرح تساؤلاته بكل استنكار فيقول : 
من سوّد النذل في الأعالي … فَهَدَّ للحفرة الثنايا؟؟
هي السجايا فحيثُ جارت … تَرَقَّبْ الجور في القضايا
هَوَى بيانٌ كما تَلاشَى … تبسُّمُ الدّلِّ في الثنايا!!
بيان هادٍ غذته آيٌ … من المثاني فرق آيا
يراعةٌ صُرِّفَتْ جماَلاً … كما يشق اليراع نايا
يا سقطة والفنون ليلٌ … كسقطة الشمس في العشايا
إن عزَّني بالنجاح نذْلٌ … فرُبّ لكعاء في الحظايا
أَدَلَّ شعْبٌ على فتَاهُ … ليضحك المجد من فتايا!!
على قطيعٍ سَرَى غبيُّ … بلغتَ يا راكب المطايا
بالعلم فليصحب الليالي … من صَاحَبَ القَفْرَ بالرّوايا
و ينتقد السيد حسن القاياتى عصره لأنه هو العصر الذي يمشي فيه الجلال طائعا إلى أهل الجهالة على غير ما كان يتوقع هو : 
تَبّاً لعصر الجلال يمشي … لسُدّة الجهل في الرعايا 
يا مُنصف اللُّبِّ كم أجارِي … بصبيةٍ ألَّبت صبَاَيا؟؟
أنصف بوزني ومن يُباري … فلا هواهُ ولا هَوَايا
باعد سجاياه من خلالي … وقس حجاه على حجايا
من اعتلى والهدي حُلاه … شأَوْتُهُ والهدي حُلايا
العزُّ في النفس، رُبَّ وَغْدٍ … بجده تشرف البرايا
وَيْحَ الأمانيّ كم تُعادِي … حلو الأمانيِّ والسجايا؟؟
إني وللحمد ما أعانيّ … كالبدر في ظلمة سُرَاياَ
بَرٌّ إذا حَفَّتِ العوادي … تَنَهَّدَ الناسُ من حشايا
أصُدُّ والحظ يبتغيني … أقول باسمي دعا سوايا
الحُرُّ يمشي إلى المساعي … كمشية النحل في الخلايا
نموذج من وصف القاياتي في قصيدته : الحسن المبتذل 
لقد أبدعَ الْحُسنُ حتى مَلكْ … وَرَقَّ لَهُ الطُّهْرُ حتى هلكْ!!
تَسَامَى إلى الغيدِ كلُّ الْعُيون … كأَنَّ الجمال بدا من فلكْ
مَضَى الْجَهْلُ يَقْرِي غَوِىَّ الْجَمَالْ … كضيفِ الجراثيم عند الحلكْ
بَنَاتُ الْهوى ما بناتُ الهوَى … حَلِيٌّ يُبَاعُ وَلاَ يَمْتَلَكْ!!
بِمَنْ أَنزل السحرَ سحرَ الجفونِ … بعينيكَ يا بدرُ مَنْ أَنزلكْ؟!
تُبيحُ الغريرةَ بذلَ الضنين … فتحنُو عليك بما ليس لكْ
سَلِ الْغُصْنَ مَالَتْ بِهِ الْمُصْيِبَاُت … أَلمْ تأْسَ للزَّيْغِ إذ مَيَّلَكْ؟!
فَدَيْتُكَ يَا غُصْنُ أَنَّي هَويتَ … وَباللهِ يا زهرُ مَنْ أَذْبلكْ؟!
إذا قمتَ يا وردُ في العابثين … تلهَّى ببذلك مَنْ قَبَّلَكْ. . .
إذا فُجِعت حُرَّةٌ في العفاف … فقيلَ: البغيُّ لطُهْرِ الْمَلَكْ!
هُوَ الْحُسْنُ يُلْثَمُ لَثمَ الْكؤوس … ويؤْكل بالعذل أو يُعْتلَكْ
أعصرُ الْهَوَى مَثُلَتْكََ الْفَتَاةُ … فَمَالُكَ تُزْرِي بِمَنْ مَثُلَكْ؟!
إذا كنتَ يا نبتُ صُنْعَ الزَّمانْ … تَبَنَّاكَ لِلْغَيِّ أو عَدَّلَكْ
يَذُمُّ الغَوِيُّ سَبايا الغواة، … نَبِيَّ الطهارة مَنْ أَرْسَلَكْ؟!
أَتبكي عَلَى الْحُسنِ إذ يَسْتَبِيكَ … وَتُنْحِى عَلَى الْحُسْنَ إِذْنَوَّ لَكْ؟!
بِوُدِّكَ أَنَّ الْهَوَى كالْهَوَاءِ … تَرِفُّ بِهِ الرُّوحَ أَنَّى سَلَكْ!
أَبِيحَ الْهَوَى فاستباحَ الَقلوبَ … تباركْتَ يا حُسْنُ ما أَعْدَلَكْْ؟!
جمالَ الأَبِيَّاتِ كم تَسْتَطِيلُ … تَحنَّنْ رَعَاكَ الذي عَدَّلَكْ!
بنفسِيَ ما أجمل التائهات … وإن قلتُ: يا وَصْلُ ما أجملك!
شكاةُ الخرائد أَسْرُ الحجال … فِدَاؤك يا حُسْنُ مَنْ عَطَّلَكْ!
إذ مُلِكَ الْحُسْنُ هَدَّ الْفؤادَ … مَلالاً ويا طيبه إنْ مَلكْ!!

نموذج من تأملاته الفلسفية 

ومن شعر السيد حسن القاياتى في وصف الحياة و أماجد الأحياء هذه القصيدة السلسة الموحية بالصفاء والسعادة  
تلك المسرات جاءتنا على قدر     وباعث الأنس وافانا على الأثر
في ليلة كليالي القدر زاهرة     تزهو بجبهة هذا الدهر كالطرر
وصبح إقبالها بالعزِّ لاح لنا     في نور إشراقه يغني عن الغرر
وهذه من عيون العصر خيرتها     تتيه عجباً بما تحويه من حور
مواسم صرن أعياداً لبهجتها     وحسن رونقها في هذه العصر
فيها لذي العزّة القعساء مكرمة     بما حوى من قضاء الحظّ والوطر
ذاك الكريم كريم الأصل فاخره     نسل الأماجد في بدو وفي حضر
أنعمْ به حُسن الأخلاق طيبها     وخلقه كنسيم الروض في السحر
شهم ذكي فصيح ماهر ذربٌ     ندبٌ بليغٌ بديعٌ جيّدُ الفكر
وشاعر بمعاني الشعر ينظمها     من الفرائد في عقد من الدرر
وعالم بفنون في اللّغات بها     يمتاز حقّاً بحسن السير والسير
من بيت بيّهم العالي الذرى شرفا     فانزل بحيهم الحامي من الخطر
لا زال حظّهم يسمو وحفظهم     من حادث الدهر في أمن من الضير
ونجلهم بمجالي الأنس متكىء     من السرور على عالٍ من السرر
ما قام داعي الهنا يوماً يؤرخه     عز القران بدا للشمس والقمر

نقد عباس خضر لقصيدته اجتماعيات 

 وصف الاستاذ عباس خضر هذه القصيدة بأنها قصيدة قديمة تردد مجالس الأدب بعض أبياتها كقوله:  
كأن وساما يعتلي صدر جاهل … جنى من الأزهار يحمله قبر!!
ويرى الاستاذ عباس خضر أن هذه القصيدة  – كسائر شعر حسن القاياتي – نبيلة الأغراض، مركزة المعاني، وكثيراً ما أغار على معانيها لصوص الشعر كأن صاحبها قد أنهبها. . تضيق ألفاظها بمعانيها، فبعض المعاني يعوزه البسط في التأدية مثل قوله:
حبيب إلى الإنسان كل طريفة … ولو بات في أثناء بردته البدر
فهو في حاجة إلى أن يبين بأن الملازم ممل ولو كان البدر.
و يقول الاستاذ عباس خضر إن أكثر المعاني في هذه القصيدة  يؤديها اللفظ بإيجاز بليغ كقوله:
شمائل غر أصبحت وهي سؤدد … ويانعة الأثمار أولها زهر
ويصف الاستاذ عباس خضر الشاعر القاياتي بأنه عميق الفكرة، دقيق الالتفات، ولعل هذا هو الذي يجعله ضنيناً بالبسط، فهو يرى أنه أبان بتأديته المعاني بذلك الإيجاز، فالزيادة حشو، وهو يعلو في أسلوبه مترفعاً بالجزالة عن السهولة والتبذل، أنظر إلى قوله:
أًشَفُّ وصال الغانيات ملاحة … تُلهِّيك بالحسناء ليس لها مهر
فأنك وأنا إذا أردنا أن نعلم ما يقول لابد أن نشحذ الذهن لينفذ إلى عمقه، وهناك نقف على معناه، يقول: ملاحة الحسناء التي لا تتزوجها فلا تدفع لها مهراً أشهى وصال الغانيات وأشده قتلاً للكلف المدلَّه. 
كذلك يصف الاستاذ عباس خضر الشاعر القاياتي بأنه شاعر مجدد،  من المجددين الحقيقيين لا الذين يرددون كلمة التجديد، ويتحلون بمضغها، فهذه قصيدته قل أن تجد فيها معنى من المعاني العامة، فأكثرها مشابه من خواص المعاني التي لم يسبق إليها كقوله:
 كأن وساماً يعتلي صدر جاهل … جنىّ من الأزهار يحمله قبر!
وقوله:
تطالعنا تحت البراقع أوجه … حسان كما يغري دُجُنَّته الفجر
ويشير الاستاذ عباس خضر إلى أن الشاعر القاياتي تناول في القصيدة بعض النواحي الاجتماعية بالنعي والنقد المر كقوله يصف المجالس والمجتمعات:
مجالس حفل بالقبيح كأنها … مغاني بغايا ملؤها الفحش والهجر
إلى أن يقول في ذلك:
تحياتهم سب الجدود فكاهة … وكم نيل فيمن يشتهون فتى برر
سباب تهاداه الثغور بواسما … كأن الذي أهداه بينهم عطر!
وأنه  صور نوازعه وأحاسيسه في القصيدة تصويراً بارعاً صادقاً في أبيات تدل على نبل خلقه، وتصور ميول نفسه، قال:
إلى الله أشكو أنني لست واجدا … سوى لذة من دون تحصيلها العهر
أشف وصال الغنيات ملاحة … تلهيك بالحسناء ليس لها مهر
إذا أمكنت من ريقها الخمر صاح بي … نذير الهدى: ما أنت والخمر
أمر بها في الكأس حمراء عذبة … فأحسبها جمراً وفي كبدي جمر
ويأخذ  الاستاذ عباس خضر على  الشاعر القاياتي في البيت الأخير قوله :  أنه يمر بالكأس حمراء عذبة، فإذا كان يشهدها حمراء فكيف علم عذوبتها؟! و هو يردف فيقول إنه قد يباح للشاعر أن يتردد ويتناقض في قصائد من شعره لاختلاف الظروف التي تحيط بمشاعره، فان للشاعر من ذلك ما ليس للعالم الباحث؛ ولكن لا يجوز له أن يتردد أو يتناقض في قصيدة واحدة، فكيف يجمع شاعرنا بين قوله:
كفى ضيعة للحسن خدر يصونه … أرى الطيب كل الطيب أن يهتك الخدر
وقوله:
كناسكم يأيها الغيد أنني … ضمنت لكم أن ينهب اللؤلؤ النثر
هو العار فليقن الحياء وإنه … لكالنحر للعشاق أن يكشف النحر
ولهذا السبب يقرر الاستاذ عباس خضر أن  في قول القاياتي في البيت التالي مغالطة: 
يقولون إن الراح للفكر صيقل … وربك ما في الراح عقل ولا فكر
فإن خلو الراح من العقل والفكر لا يمنع من أن تصقل الفكر، وهناك كثير من الأشياء تصقل الفكر وليس لها عقل ولا فكر. 
نموذج من إخوانياته : تحية لعبد الوهاب عزام 
أرسل الأستاذ السيد حسن القاياتي إلى الدكتور عبد الوهاب عزام هذين البيتين على أثر قراءته كتاب “رحلات”: 
طعنت لتصلح لب المقيم … وعدت لتكتب رأي الحكيم
بيانك والشرق أغلاهما … جمال الجديد ونبل القديم
اعتزاز أقرانه به 
وصف  الشيخ عبد العزيز البشرى السيد حسن القاياتى فقال:
«كان القاياتى يأنف من أن يرائى الناس ويباديهم بما لا يراه حقا، وهو غنى عن رضى الناس بالحق والباطل، هذا إلى أنه رجل رقيق الحس، مهذب العاطفة، جميل منزع النفس، فهو أجل محلا من أن يكذب على عواطفه، ويفترى على ما يجول فى صدره من نوازع الوجدان».
وكتب الوزير محمد نجيب الغرابلى رسالة إلى صديقه السيد حسن القاياتى فقال:
أخى حسن :
            لئن تشأ فالحياة برق            وإن تشأ فالحياة دهر
            وإن تشأ فالحياة خير            وإن تشأ فالحياة شر
            وإن ترد فالزمان حلو            وإن ترد فالزمان مر
            العيش كالبحر فيه مد            ويعقب المد فيه جزر
            وكل ضيق إلى انفراج            وكل عسر يليه يسر

شهادة للأستاذ سيد قطب

روى الأستاذ سيد قطب أن السيد حسن القاياتى عرض على الإذاعة المصرية مجموعة أشعاره كي  تقرأ منها ما تشاء  دون أن ينال عنها أجرا ،  لأنه مكتف بما عنده وليس من ذوي الأطماع المادية، فلم يعره أحد اهتماماً في الوقت الذي يأتون فيه بكل من يعرف القراءة من محبيهم ليقدم (قراءة أدبية) أي يقرأ في كتاب من كتب الأدب! فأصبح في الإذاعة نوع آخر من القراء إلى جانب قراء القرآن الكريم مع الفارق فيما يقرأ وفي أن الأخيرين يمتازون بالقراءات السبع!

ذكرياته الشخصية 

تحدث السيد حسن القاياتى عن نفسه فقال:
«كنت لأول عهدى بالحياة، ثم لأول عهدى بالتعليم والثقافة، مفرط الانزواء والامتناع عن المجتمعات، حتى المنزلية منها، منعكفا على القراءة، حتى لا أكاد أغادر المنزل بل الحجرة مرة فى كل ثلاثة أيام، وأننى تلوت أكثر ما يعرفه الأدباء من أمهات الكتب، إذ أنا وليد فى المكتب، فما أكاد أقرأ اليوم كتاب أدب إلا معادا مكرورا».
وتحدث  أيضا عن نفسه فقال:
«بنيت على خلق محض من الحرية وكراهية للتقيد، يتمرد على الأنظمة اليومية، واحتمال القاعدة المرددة، والأسلوب المتحد إلا ما كان من ناحية الاتفاق والفطرية، وربما كان لإفراط الملالة عندى والسأم، عمل فى هذه الفوضى والاسترسال».

معركته الطريفة مع الدكتور زكي مبارك 

في عدد الرسالة ٢٣ أغسطس ١٩٤٣ كتب الشاعر حسن القاياتي يهاجم الدكتور زكي مبارك فقال : 
” إلى الدكتور زكي مبارك

” قالوا لي يا دكتور إنك تريد أن تهجم على  حسن القاياتي  الأديب الذي خلقته الظروف، ورفعته السياسة، وجاملته الأدباء بقدر ما لبيته القديم في النفوس. وألاعيب  مصطفى القاياتي في السياسة . وأنت يا سيدي الدكتور قد آذيتني أعنف الإيذاء يوم نشرت مقالك عن السهرات الأدبية في رمضان في جريدة  البلاغ  حيث قلت: إن البيت القاياتي قد خلا من الرائد. وعاف مجلسه الأديب. ولم يبقى فيه إلا وجه السيد  حسن  أبقاه الله! وهي غمزة أعرفها منك يا دكتور وأحتسبها عليك، وأجازيك عليها جزاء من أخلص للأدب، وامتزجت نفسه به طوال أربعين عاماً بين شاعر يدرسه، أو بحث شائق في اللغة يكتبه. . . ثم ماذا؟ ثم يكون حظه من ناشئة البيان منتكساً، وقلمه بين تلاميذه منكسراً، وأدبه بين الأدباء ضعيفاً. . . مما جعل الدكتور تحدثه نفسه بالهجوم عليه، والنيل منه!
” لك الله يا دكتور مبارك! 
” فلقد كنت أود أن تكون ألاعيبك بين ناشئة الأدب فتحملهم على احترامك بالشدة، وتروضهم على مطالعة أدبك بالعنف. . . خير لك من أن تهاجم رجلاً قد هاجم شوقي وحافظ في عنفوان أدبهما، وضخامة شخصيهما، وخلود اسميهما، دون أن يتطاولا عليه ما تطاولت، أو ينالا من شخصه ما نلت. . . 
” إن اللغة العربية يا دكتور لم تجد لها حصناً منيعاً من سنوات عديدة إلا الدار  القاياتية ، ولن تجد من يذود عن حماها إلا القلم  القاياتي  العتيد؟! فسل نفسك يا دكتور يوم أن كنت صديقاً وراوية للسيد مصطفى أن حسن القاياتي لن تنال قلمه هذه الترهات، ولن تؤثر في نفسه هذه الصراعات العنيفة التي ترسلها دون أن تذكر الدار القاياتية، ومجدها القديم في اللغة، وحاضرها الجديد في البيان. . .؟! 
” تذكر كل هذا يا دكتور. وقد أعددت لكتابك الفريد “النثر الفني” عشرين مقالاً أرجو أن يتسع صدر الرسالة فتنشر لي هذه المحاولات الجريئة في النقد، دون أن تجامل محمد عبد السلام مبارك علها تظهر للناس الكاتب الأول والشاعر الأول زكي مبارك؛ ولكن بعد أن أسمع منه على صفحات الرسالة الزهراء كلمة الحق. . . والحق أحق أن يتبع. . .؟!
رد الدكتور زكي مبارك على الشاعر حسن القاياتي
و ما كان من الدكتور زكي مبارك وهو المعروف بحدة طبعه وسهولة استثارته  وحبه للمعارك ، إلا أن رد على السيد حسن القاياتي في العدد التالي مباشرة من المجلة (عدد الرسالة ٢٣ أغسطس ١٩٤٣)  فقال : 
” إلى السيد حسن القاياتي

” قرأت خطابك إلي فوجدته دون ما يحسن صدوره عنك، وإلا فكيف جاز لك التوهم بأني أقول فيك ما دونته بقلمك نقلاً عن أراجيف المرجفين؟
” أنا أقول إنك أديب خلقته الظروف، وألاعيب مصطفى القاياتي في السياسة؟ هذا الكلام لا يقوله من يعرفك، كما أعرفك، وهو أيضاً كلام لا يقوله صديق في صديق، وأنت تعرف جيداً أني لا أقبل إيذاء أصدقائي بمثل ما نقل إليك، ولا بأيسر مما نقل إليك، فأقطع ألسنة الدساسين، واحفظ ما بيننا من العهود. احفظ أنت، أما أنا فكما عهدت، ولن أتحول ولن أخون
” ثم تطلب إلى أن أسأل نفسي عن الصلات التي كانت بيني وبين الدار القاياتية، وأنا أوجه مثل هذا السؤال إليك، فما أظنكم عرفتم رجلاً أصدق مني، ولا أحسبك تنسى أنني أديت للشيخ مصطفى جميلاً يفوق الوصف ويفوق الجزاء، وهو جميل سجلته أنت بقلمك في مجلة الكشكول سنة 1924 بإمضاء (العقوق) يوم كان إيذاء الشيخ مصطفى من هواك. أينا أوفي لذكرى هذا الرجل: أنا أم أنت؟”
” لو نطق التاريخ الأدبي لقال إني لم أكن راوية يوم عرفت داركم، وإنما كنت أستاذاً يساعد على خدمة أدبية تعرفها الجامعة المصرية، يوم اختارت الشيخ القاياتي خلفاً للشيخ المهدي” 
” وتقول: إنك أعددت عشرين مقالاً في نقد كتاب (النثر الفني) وأنك ستنشرها في الرسالة إن ضمنت أنها لا تجاملني، وأنك تنتظر مني كلمة الحق ، وأقول إن الرسالة لا تجامل أحداً، فقدم إليها في نقدي ما تريد. ثم أقول إن هذه الكلمة هي كلمة الحق، فانقضها إن كنت تطيق
” وجاء في كلامك أن لي في الأدب ألاعيب وترهات، فمتى كان ذلك؟ أنا يا صديقي لا ألهو في الأدب ولا ألعب، فجد الأدب جد وهزله جد، ولا يصدر عن قلمي إلا ما يرضاه وجداني
” أما بعد فهذا ما تقرأ لا ما تسمع، فخذ عني ما تقرأ ودع ما تسمع، فما أذكر أني حادثت أحداً بالقاهرة منذ شهور طوال، ولا أذكر أنك خطرت في بالي قبل أن تنقل إلى (الرسالة) خصامك العنيف، يا أعز الخصماء
” أنا ما أسأت إليك، وإنما أسأت أنت إلى نفسك بكسلك. ومع هذا تقول إن اللغة العربية لن تجد من يذود عن حماها غير قلمك، ونحن نعرف طاقتك في البيان
” توكل على الله وانفض الغبار عن نفسك المكسال، فقد تصبح ولك مثلي ترهات وألاعيب. وليس من العسير جداً أن تكون في منزلة الكاتب الأول والشاعر الأول.
تعقيب الشاعر القاياتي على رد د. زكي مبارك عليه 
و ما كان من السيد حسن القاياتي إلا أن رد على الدكتور زكي مبارك  مباشرة في العدد التالي من الرسالة ٦ سبتمبر ١٩٤٣: 
” إلى الدكتور زكي مبارك

” قرأت بإعجاب خطابك الأسيف الذي تواضعت “الرسالة” فنشرته لك، وهي بعد – تعرف القاياتي الذي لا يود أن يحاط اسمه بهذا السياج الباهت من الدعاية الكاذبة. ويقحم اسمه بين الأسماء الشاعرة.  إن القلم القاياتي يا دكتور نسيج وحده تعرفه الأسواق الأدبية الحرة يوم يكون في مصر للقلم الكبير أسواق. . . تجزي المحسن وتلفظ المسيء
” القاياتي أيها الناس نظم الشعر وكثير من أدبائنا الذين تطنطن الصحف بذكرهم اليوم أسماء لا يحلو ترديدها إلا على ألسن اللوات في الحارة. والأتراب في القرية!!
“القاياتي شاعر من شعراء المدرسة القديمة التي تلقى فيها الدكتور أول درس في اللغة وأخر درس في البيان : وليس يضير الشاعر أن يسلك به النشء هذا المسلك الذي لا يحمده الأدب. ولا تسيغه أثلات الأقلام.
” إن الأدب يا دكتور ليس كلاماً ترجعه الصحافة كل يوم ويطالعه النشء كل ساعة. وليست الصحف التي تملأها بالصحف التي تروق الذين نحب أن تكون واسطة عقدهم (الأدب حساس) لا يزنه إلا الحس المرهف. ولا يفيد إلا المشاعر الحية. ولا يعرف النقد إلا الحساسية في الأدب ، أخال فلاناً لا أراني الله شخصه. وقد زكته نقابة الصحافة في قاهرة الفاطمي بأنه أمي متسول. ثم يكون بعد اللتيا والتي من هيئة النقابة. وواحد الصحافة. وزعيم الأغلبية.
”  لك الله يا بلد المعز. فقد جعلت دهماء الأدب يحكمون هذا الحكم الأعرج على جماعة الأدب في الشرق ويزنون الناس بغير ميزان فتخاطبهم صعاليك الصحافة وتجهلهم الأخلاق المريضة وليس بكثير على الدكتور مبارك أن يرميني بالكسل والكسل الهازئ حتى تنجح قضيته الخلابة ويروق منطقة الساخر.
” أجل أنا لا أريد أن أكثر يا دكتور. وفي كل يوم لي مقطوعة ستكون الشاهد لي يوم يحتاج الأدباء إلى شهود ترفعهم إلى درجات المجد وترقى بهم إلى السماء
إن ديواني يا (دكتور) يكلم الناس من أربعين عاماً. . . وأنت بعد ما تزال حدثاً تكلم الناس بلسان الحكائين وتحدثهم بمنطق الأطفال. ثم ماذا؟ ثم تكون لي ثروة شعرية تحت يدي تقع في مجلدات ضخمة غير ديواني الناشئ وباكورتي من نصف قرن. ثم هذه الكلمات العريضة التي اعترف بها البيان. وخلدتها الصحافة. وانتفع بها شيوخ الأدب. وكانت دروساً ألقيت في مدارس البيان. (القاياتي) يا دكتور مبارك لا يعجبه هذا الأسلوب الخادع. فهو أعرف بطوايا قلمك. وخفايا نفسك ولقد توكل على الله يا ولدي العزيز قبل أن يعرفك. وكان قلمه من بين الأقلام المتوكلة عليه سبحانه فانتفع ونفع وجاهد في سبيل الأدب وخدمة اللغة وسيجاهد إلى أن يقضي الله عليه بالفناء والرسالة التي تقول عنها. أنها لا تجامل أحداً – أعتب عليها هذا العتب البريء – فأقول: أنها تجامل كثيراً أدباء عرفتهم الصحافة لهم حاضر في الأدب يحاول الشباب أن يهدمه بالحق. وللحق – ولكنها تطوي رسائله طياً وفي هذا موت للشباب. وحياة للمصانعة الخاتلة ورب رسالة شابة خير من جهاد شيخ يتوكأ على عصا الشهرة ويمشي على سراج خافت ولقد صدق الله إذ يقول:
“تبت يداً أبي ولهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلَى ناراً ذات لَهبٍ.”  . .!!!
الرد الثاني للدكتور زكي مبارك على الشاعر حسن القاياتي 
 وقد نشره الدكتور زكي مبارك في مجلة الرسالة في ٢٠ سبتمبر ١٩٤٣ تحت عنوان :” ترفق بنفسك يا صديقي ” وفيه يقول : 
” رأى قراء الرسالة أن السيد حسن القاياتي عاداني من غير موجب للعداء، وساق إلي ألفاظاً لا تصدر عن صديق، مع أني لم أسئ إليه في سر ولا علانية. وكانت حجته أن ناساً حدثوه أني قلت فيه كيت وكيت، وهو يعرف أني أبالغ في إكرام أصدقائي، وأني لا أتعرض لأعدائي بكلمة مؤذية، إلا إن حاربتهم في الجهر لا في الخفاء”
” والآن، ماذا يريد السيد حسن القاياتي؟ أيريد أن أجزيه إثماً بإثم، وعدوانا بعدوان؟ أنا حاضر وفي يدي قلمي، ولكني لا أشترك في حرب يكون فيها الغالب أسوأ حالاً من المغلوب، فترفق بنفسك يا صديقي، واذكر عهوداً يذكرها كرام الرجال
“تقول إنك كنت شاعراً كبيراً يوم كنت أنا طفلاً يلعب، فما قيمة هذه الحجة يا عضو المجمع اللغوي، كما ذيلت اسمك؟ هل كان يجب أن أسبقك إلى الدنيا لأسبقك إلى الأدب؟ وماذا أفدت أنت من سبقك اللطيف بحكم شهادة الميلاد؟ وماذا أفادت جهودك الشعرية في نصف قرن، وأنت الذي صرحت بأن باكورتك ظهرت قبل نصف قرن، يا عجوزاً سبقني إلى الوجود؟ اترك هذه الحجة الواهية، إن كنت تريد الحجاج .
”  ثم ماذا؟ ثم طاب لك أن تتحداني وتتحدى الأستاذ العقاد بكلمتين جارحتين، وهذا ظلم منك، فالعقاد يملك في محاسبتك ما لا أملك، لأنه ليس لك بصديق، فهو لا يبالي تجريحك، ولا يؤذيه أن تبيت معصوب الجبين ، أما أنا فأتردد ألف مرة قبل أن أصوب رمحي إلى صدرك، وقد يرضيني أن أسكت عنك، لأنجو من محاسبة الضمير على إيذاء الصديق.
” أتقول إنك أعظم مني؟ هو ذلك يا أخي! أيؤذيك أن أكون أشهر منك؟ إن كان ذلك فأنا أخلع الشهرة عليك! خذ هذه الشهرة، خذها، فقد آذتني أعنف الإيذاء. وما رأيك في الصديق الذي يجازف بصداقة دامت عشرين سنة أو تزيد؟ ما رأيك فيمن يشتم أخاه في مجلة مثل الرسالة وهو يعلم قيمة صوتها في الشرق؟ لقد ظهر السر في إخفاقك، وهو أنك رجل بلا قلب ، إن كان لك بعد اليوم حياة أدبية فهي من صنع يدي، فأنا الذي أغضبتك على كسلك، وأنا الذي رفعت النقاب عن قلبك العقوق، ولن أتركك أو تصير أديباً يعتز بحاضره لا بماضيه، فما يعتز بالماضي غير الفانين هل تذكر هذا الجميل؟ لقد سويت من قبلك ناساً فجحدوا جميلي وادعوا أنهم نظرائي، فكن أنت خاتم الأوفياء يا عقوق” .

وفاته 

توفى السيد حسن القاياتى  بعد مرضه بالقلب فى ليلة الثلاثاء الثانى والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1957.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه