موسم الهجوم على الشعراوي!!

 

” كفانا من الدست – إناء الطعام – الحامض مغرفة “، كان هذا هو رد إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، تم سؤاله إن كان يقبل من جديد تولي منصب وزير الأوقاف!

فقد كان الرجل زاهداً في المناصب، وقد تفرغ تماما لمهمته الكبرى وهى الدعوة، وتفسير القرآن الكريم، الذي بلغ من تواضعه حد أن وصف تفسيره بـ “الخواطر” ليس أكثر.

ومن هنا تكمن المشكلة، فالرجل الذي أوقف نفسه على هذه المهمة، كان له تأثيره الكبير، بالشكل الذي موضوعا للهجوم من خصوم دعوته، فلا تكاد تتوقف حملة عليه، حتى تبدأ حملة أخرى

وقد بدأ الهجوم مؤخراً بواسطة مذيعة غير محترفة، ودخيلة على مهنة التقديم التلفزيوني، وقد رمت الشيخ الجليل بالتطرف مما دفع محبي الشيخ لانتقادها، ومن ثم بدأت موجة جديدة من الهجوم على الرجل وكان ما قالته المذيعة المبتدئة هو كلمة السر المتفق عليها للبدء في عملية الهجوم.  

ليس قديساً

الشيخ الشعراوي ليس قديسا ولا نبيا ومن الطبيعي أن ينتقده العلماء فى بعض آرائه وهذا شيئ طبيعي، ولكن الغريب أن مدعي الثقافة في تناقض واضح كادوا أن يعلقوا المشانق للكاتب والروائي أحمد مراد لأنهم فهموا من كلامه خطأ أنه ينتقد الروائي والأديب الراحل نجيب محفوظ عندما قال إن رواياته لا تتناسب مع العصر، في حين أنهم اعتبروا أن نقد الشعراوي ووصفه بالتطرف والإرهاب حرية تعبير ولا يجب تقديس الأشخاص!! 

 لم يكن الهجوم على الشيخ الشعراوي وليد اليوم، ولم يكن الشيخ مشغولا بفكرة الصراع والزج باسمه مع كبار الكتاب والمبدعين، ولكن كان لتوفيق الحكيم وزكي نجيب ويوسف إدريس معه معركة بدأت بما كتبه توفيق حكيم بمقالاته: “حديثي مع الله”، وسرعان ما تغير عنوان الحكيم إلى “حديثي إلى الله”، بعد رد الشيخ الشعراوي على الحكيم بأن كل ما ينقل عن الله حديثًا لم يقله الله فله الويل.  

ولم تنتهِ مواجهات الشيخ مع الحكيم، إلا وواجه القاص يوسف إدريس والذي ألصق بالشيخ اسم “راسبوتين المسلم”، وجاء المقال في صحيفة الأهرام تحت عنوان “عفوا يا مولانا”، والذي أثار غضب الملايين من محبي الشعراوي لدرجة أن وزير الثقافة آنذاك الدكتور أحمد هيكل قال إن هذا الكلام ساقط، وأكد على أن الشيخ مفخرة لمصر، وقد تراجع يوسف إدريس عما كتبه، وكتب اعتذارا عنه.

الشيخ وهدم الدولة!!  

هكذا تعامل المثقفون الكبار مع الشيخ حيث اعتذروا له رغم اختلافهم معه فكريا، ولم يكابروا في الهجوم عليه ويتهمونه بقلة العلم والجهل والتطرف كما فعل مثقفو اليوم، حيث وجدنا رئيس تحرير مجلة مصرية كانت من قبل عريقة أصبحت حاليا لا يقرؤها ولا يسمع عنها أحد، ومع ركوب موجة الهجوم قام بوضع صورة المذيعة المبتدئة على غلافها وكتب مقالا طويلا دافع عنها بعد وصفها الشيخ الشعراوي بالمتطرف، وقال إن التاريخ لم يحاسب الشعراوى بعد ولو أقمنا محكمة تاريخية عادلة للشيخ لكان حكم التاريخ ضده.  

تلك كانت كلمات رئيس التحرير الذي دخل على الخط وأراد بهجومه على الشيخ لفت الأنظار إليه وإلى مجلته التي لا تباع ولا يقبل عليها القراء ، وطالما يريد هذا المهاجم محاكمة الشعراوي فليعرف جزءا من تاريخ الشيخ ومواقفه ثم يترك الأمر للناس لكى تحاكمه مع التأكيد أن الشيخ ليس مقدسا ولكن أن يتم الهجوم عليه من أشباه المثقفين فتلك مصيبة، والمصيبة الأكبر أن يتهم الرجل الشيخ بأنه أحد أعمدة هدم الدولة المصرية وأحد أزرع الوهابية السعودية فى مصر وذلك لأنه – على حد قوله – صاحب مقترح إنشاء بنك فيصل الإسلامي الممول الرئيسي لكل العمليات الإرهابية التى تمت على أرض مصر!!

كلام رئيس التحرير إياه لا ينم إلا عن جهل بتاريخ الشيخ ومحاولة لتحميل الشيخ مواقف لم يتبناها فى حياته إطلاقا، فالشيخ رغم انضمامه فى بداية حياته للإخوان وكان صديقا للإمام حسن البنا، بل إنه كتب البيان الأول للجماعة، إلا أنه ترك الإخوان وانضم لحزب الوفد عندما كان بيتا للأمة وسرعان ما ترك الوفد وتفرغ للدعوة.

الشعراوي ودولة العسكر

لعب الشعراوي دورا كبيرا في تهيئة المناخ لحرب أكتوبر، وقد أرسله السادات إلى الملك فيصل لإقناعه باستخدام سلاح البترول في الحرب، لأنه كان العالم الأقرب إلى قلب الملك فيصل وعقله وروحه.

لم يكن الشيخ مشغولا يوما ما بالعمل السياسي داخل أي سلطة، فهو الذي نشأ وتربى في حضن المعارضة طوال الوقت، وأخذ على عاتقه أن يبتعد عن السياسة ليتفرغ للدعوة، إلا أن هذا لم يمنع، الرئيس السادات في أن يصر على تعيينه وزيرا للأوقاف.

ولم يستقر الأمر طويلا بالشيخ، حيث بدأ الصدام مبكرا، بسبب تصرفات السادات وبسبب قانون الأحوال الشخصية الذي كان لابد من موافقته عليه، والذي عرف بـ ” قانون جيهان”، ورفضه الشيخ بشدة وخرج من الوزارة وهو رافض لهذا القانون، والذي تم تمريره عن طريق من جاء بعده.

ولم يخش في الحق لومة لائم عندما قال للرئيس المخلوع حسني مبارك “إذا كنت قدرنا فليعنا الله عليك “.

وهذا جزء يسير من مواقف الشيخ الذي صار هدفاً لمن يريدون الشهرة ويبحثون عن موقع في حظيرة المثقفين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه