الجديد في الازمة الإيرانية الأمريكية 2019

ومع انتخاب دونالد ترمب، تصاعدت مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة من إيران، وخلال السنة الأولى انسحب الرئيس الأمريكي من الاتفاق تاركاً الاتفاق يواجه مصيراً مجهولاً.

 

تشكل الازمة السياسية بين إيران والولايات المتحدة في العام 2019 فصلاً جديداً في كتاب العلاقات بين البلدين والذي تراوح بين العداء والمواجهة. هذا الفصل تشكل في أساسه مستندا الى المشهد السياسي الأمريكي الداخلي المرتبط بالانتخابات الرئاسية للعام 2016. حيث أن المرشح الانتخابي آنذاك والرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة دونالد ترمب قد استند في حملته الانتخابية الى فكرة أن الولايات المتحدة في ظل باراك أوباما لم تكن أمة عظيمة ولا قوة كبرى، معتبراً أن توقيع الاتفاق مع إيران عامل مهم في تراجع القوة الأمريكية، من هنا أطلق حملته ضد الاتفاق النووي معتبراً ذلك الاتفاق أنه الأسوأ وأنه سينسحب منه إن أصبح رئيساً. لقد شكًل الاتفاق النووي الإيراني مكوناً مهما من حملة ترمب الانتخابية، كما أنه جمعه مع أطراف توافقت معه على اعتبار الاتفاق النووي خطيئة كبرى، ومن تلك كانت إسرائيل والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة.  بهذا الشكل استكمل ترمب صياغة موقفه من إيران بغض النظر عن التزام الدولة الأمريكية بالاتفاق النووي، وبهذا الشكل خاض معركته الانتخابية حتى فاز.

ومع انتخاب دونالد ترمب، تصاعدت مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة من إيران، وخلال السنة الأولى انسحب الرئيسالأمريكي من الاتفاق تاركاً الاتفاق يواجه مصيراً مجهولاً.

الملف الايراني

يعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق بمثابة موت بطيئ للاتفاق، حيث أن ما بقي من دول تقول انها ملتزمة بالاتفاق مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين لديه القليل لتوفره لإيران لا سيما إنهاء حالة القلق على مستقبل النظام السياسي الإيراني والتي كان توقيع الاتفاق بمثابة ضمانة دولية بالنسبة لإيران. لقد أعاد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي واشنطن وطهران الى مربع العداء والمواجهة والذي كانت طهران تعتقد أنها غادرته بعد الاتفاق النووي في صيف 2015.

لقد ساهم الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني الى نقل مستوى الجد لحول إيران وسياساتها الإقليمية الى مستوى جديد، هذا المستوى أعاد مقولة أن سياسة إيران في الشرق الأوسط تعادل في ثقلها مسألة البرنامج النووي وكذلك البرنامج الصاروخي، لكن هذا المستوى ما لبث أن تراجع بعد أشهر من الانسحاب الأمريكي ليتم التركيز على فكرة الاتفاق الجديد الذي يمكن أن يحدث في ظل إدارة ترمب والذي يمكن أن يحقق للرئيس نقطة تفوق تبقيه في البيت الأبيض لرئاسة ثانية.

لقد تعامل الرئيس الأمريكي مع الملف الإيراني بعيداً عن المؤسسات السياسية كالكونغرس وكذلك دون الاستناد الى دعم إعلامي كما هي عادة الإدارات الأمريكية عند اتخاذ قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية، مثل هذا الامر جعل مسألة الانسحاب تبدو وكأنها من الرئيس موجهاً وزراءه لاتخاذ اللازم لتنفيذ وعوده الانتخابية. لقد لوحظ وجود انتقادات إعلامية لقرار الرئيس واعتبار ذلك يؤثر على صورة الولايات المتحدة الأمريكية وكسبها مزيدا من الخصوم. وهنا لا يمكن فصل ذلك من سياق الانسحاب من اتفاقيات مهمة كاتفاقية باريس للتغير المناخي وعزل واشنطن نفسها عن السياق العالمي الذي ينادي بضرورة الحفاظ على البيئة والتعامل مع التغير المناخي بوصفه خطراً محدقاً على البشرية كلها.

فرصة ذهبية

لقد بقي الديمقراطيون عند موقفهم أن الاتفاق النووي مع إيران كان فرصة ذهبية لضبط برنامج إيران النووي والحد من دورها الإقليمي، وهو الامر الذي يعتبرونه انجازاً كبيراً لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وعليه فقد تعزز الانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين ولاسيما مع البيت الأبيض. ومع عودة الأغلبية للديمقراطيين في مجلس النواب، أصبح الديمقراطيون في وضع سياسي أفضل لوضع مزيد من الضغوط على الرئيس ترمب بما فيها مساءلته برلمانياً.

لم يكن هذا الفصل في العلاقات الأمريكية الإيرانية مؤثراً في علاقات البلدين، لكنه فرض دينامية جديدة في المنطقة مرتبطة بتحالفات كل طرف. فما ترتب على منع إيران من تصدير نفطها فرض واقعاً جديداً غير آمن مرتبطا بالناقلات التي تمر في مضيق هرمز. وقد انعكس ذلك في استهداف الناقلات سواء في مضيق هرمز أو البحر الأحمر، وكذلك الهجمات على المرافق النفطية السعودية بما في ذلك شركة أرامكو. مثل هذا التطور نقل ملف المواجهة بين البلدين الى مربع المواجهة الإقليمية، حيث حضر الصراع في اليمن والمواجهة غير المباشرة بين طهران والرياض هنا، كما حضر الحوثيون عبر استعمال الطائرات المسيرة التي قيل إنها وراء استهداف الناقلات النفطية في مضيق هرمز. مثل هذه التطورات أظهرت مدى ضعف المنطقة وهشاشتها سياسياً، الأمر الذي يعيد حالة عدم الاستقرار السياسي والتهديدات المترتبة عليه وتأثيراتها على الاستقرار الاقتصادي والتنمية في المنطقة.

سيناريوهات

إن الفصل الجديد في العلاقات الأمريكيةالإيرانية مفتوح على ثلاثة سيناريوهات أساسية:

الأول: إبقاء حالة المواجهة وتطورها الى أنواع من المواجهة العسكرية غير المباشرة عبر الوكلاء واللاعبين غير الحكوميين.

الثاني: التوصل الى نوع من التوافق يتعلق بمراجعة الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في العام 2015 وذلك بناء على توافقات مشتركة يقبل بها الطرفان، مثل هذا الامر يبدو غير بعيد بالنظر الى حاجة الرئيس لإنجازات تعزز من فرصها في البقاء في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية، كما أن إيران تريد مثل هذا التواق لتخفيف الضغوط الاقتصادية عليها. وكذلك لترسخ القناعة أن ما يقدمه حلفاؤها مثل الصين وروسيا لا يكفي لتخفيف تلك الضغوط الاقتصادية.  يعرف الطرفان أنه ليس من السهل أن يحسم معركته بالضربة القاضية وأن أي انتصار سياسي إنما سيحدث عبر تجميع النقاط ومحاولة إقناع قاعدته السياسية بها.

الثالث: تغير في المشهد السياسي الأمريكي يأتي برئيس جديد في الغالب ديمقراطي، وهو الامر الذي يعزز من فرصة عودة الولايات المتحدة للاتفاق أو العمل على تطوير اتفاق جديد وهو الأمر الذي عليه شبه توافق بين واشنطن وعواصم أوربية.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه