أزمة الصحافة الحكومية

                               

اعتمد الجنرال المصري قبل أيام قانون الهيئة الوطنية للصحافة، والتي تتولى الإشراف على المؤسسات الصحفية القومية أي الحكومية، والتي تصدر عنها 66 جريدة ومجلة، متنوعة الدورية ما بين اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية، بخلاف عدد آخر من المواقع الإلكترونية.

وهى المؤسسات الصحفية التي تم تأميمها بالستينيات من القرن الماضي، وظلت خاضعة لهيمنة الدولة من خلال الحزب الواحد المسمى الاتحاد الاشتراكي العربي، ثم تلا ذلك تبعيتها لمجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة عام 1980، وظل هذا المجلس مهيمنا عليها عند صدور قانون آخر للصحافة عام 1996، حتى صدر عام 2016 قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، الذى استبدله بالهيئة الوطنية للصحافة.

وبعد أن كانت النصوص القانونية للهيئة الوطنية للصحافة، تمثل الباب الثالث بقانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام عام 2016، صدر القانون 179 لسنة 2018 في السابع والعشرين من أغسطس الماضي، باسم قانون الهيئة الوطنية للصحافة ليتضمن كل المواد الخاصة بها، بالإضافة الى المواد المتعلقة بالمؤسسات الصحفية القومية التي كانت موجودة بالقانون 96 لسنة 1996 الخاص بسلطة الصحافة.

ومنذ عام 1980 وحتى الآن ورغم تعدد قوانين الصحافة الخاصة بالصحف القومية – الحكومية – فقد استمرت هيمنة الدولة عليها من خلال غلبة ممثلي الحكومة ضمن تشكيل الجهة المشرفة عليها، سواء كانت المجلس الأعلى للصحافة أو الهيئة الوطنية للصحافة.

ونفس الهيمنة الحكومية على تشكيل المجالس التي تنظم عمل تلك المؤسسات الصحفية القومية، وهى الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة ومجالس التحرير. بل لقد زادت حصة ممثلي الحكومة بالجمعيات العمومية، والتي كانت 57 % عام 1980 للمعينين مقابل 43 % للمنتخبين، لتصبح النسبة 65 % للمعينين مقابل 35 % للمنتخبين بالقانون الأخير الصادر منذ أيام.

هيمنة حكومية بالجهات المشرفة

ومر تشكيل الجهة المشرفة على الصحافة الحكومية بعدة مراحل، حيث تضمن تشكيل المجلس الأعلى للصحافة عام 1980 كل رؤساء مجالس إدارة المؤسسات الصحفية القومية، ورؤساء تحرير الصحف القومية، ورؤساء تحرير الصحف الحزبية ونقيب الصحفيين، ورئيس هيئة الاستعلامات ورئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورئيس نقابة العاملين بالصحافة ورئيس اتحاد الكتاب، واثنين من المشتغلين بالقانون وعدد من الشخصيات العامة لا يزيد عن الأعضاء السابقين يختارهم مجلس الشورى.

لكن هذا العدد تقلص جزئيا عام 1996 ليقتصر على رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية، ورؤساء تحرير الصحف الحزبية ونقيب الصحفيين وأربعة من النقباء السابقين، ورئيس نقابة العاملين بالصحافة وأربعة من النقباء السابقين، وإثنين من أساتذة الصحافة وإثنين من المشتغلين بالقانون، وعدد من الشخصيات العامة ليصل الإجمالي الى حوالي خمسين عضوا.

لكن العدد تقلص بالهيئة الوطنية للصحافة التي حلت محل المجلس الأعلى للصحافة عام 2016 الى 13 عضوا فقط، ثم تقص العدد الى تسعة أعضاء بالقانون الصادر قبل أيام، ليشمل رئيسا للهيئة يختاره رئيس الجمهورية، ونائبا لرئيس مجلس الدولة وممثلا لوزارة المالية واثنين تختارهم نقابة الصحفيين، واثنين من ذوي الخبرة والشخصيات العامة وممثل لنقابة العاملين بالصحافة وعضو يرشحه مكتب مجلس النواب لتظل الغالبية للمعينين.

وبعد أن كانت مدة المجلس الأعلى للصحافة أربع سنوات منذ عام 1980، واستمرت كذلك مع الهيئة الوطنية للصحافة التي ظهر قانونها عام 2016 وتشكلت في أبريل 2017، لكن المدة تقلصت الى ثلاث سنوات بالقانون الأخير.

  توزيع منخفض وإعلانات قليلة

ورغم تشابه مهام تلك المجالس إلا أن القانون الأخير قد تضمن مهمة دمج المؤسسات الصحفية، ودمج وإلغاء الإصدارات الصحفية داخل المؤسسة الواحدة، والذي يمثل أحد الحلول المطروحة فى ضوء الخسارة شبه الجماعية لإصدارات تلك المؤسسات خاصة المجلات، وكذلك أنيط به مهمة شراء الورق اللازم لطباعة الصحف والمجلات المملوكة للدولة.

وفى ضوء تزايد القيود على وسائل الاعلام بمرحلة ما بعد الثالث من يوليو 2013، فقد تراجع توزيع تلك الصحف وأصبح أكثرها لا يصل الى المائة ألف نسخة يوميا، فيما عدا الأعداد الأسبوعية التي تزيد عن ذلك، كما انه من النادر أن يصل توزيع أي مجلة الى ألف نسخة.

مما انعكس على الإقبال الإعلاني عليها والذي تأثر كذلك بحالة الركود بالأسواق، مما أدى لتحول كل المؤسسات الى الخسارة، وقيام وزارة المالية بتقديم الدعم لصرف المرتبات الشهرية فى معظمها وكذلك ما يتم صرفه من حوافز.

ومنذ عام 1980 وهناك جمعية عمومية لكل مؤسسة صحفية قومية، كان تشكيلها من 35 عضوا برئاسة رئيس مجلس الإدارة، منهم 20 عضوا بالتعيين و15 عضوا بالانتخاب، بواقع خمسة أعضاء عن الصحفيين وخمسة عن الإداريين وخمسة عن العمال، وظل الأمر كذلك حتى الانتخابات التي تمت في أكتوبر 2014.

 لكن القانون الذي صدر قبل أيام قلص العدد الى 17 عضوا، يرأسهم رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وعضوية ثلاثة من أعضاء الهيئة الوطنية للصحافة وسبعة خبراء من خارج المؤسسة، ليقتصر عدد المنتخبين على ستة أعضاء فقط منهم إثنان عن الصحفيين وإثنان عن الإداريين وإثنان عن العمال.

وبعد أن كانت مدة الجمعية العمومية أربع سنوات تقلصت مؤخرا الى ثلاث سنوات، مع تشابه مهمتها الخاصة بالنظر في الموازنة التقديرية للمؤسسة وتقارير مجلس الإدارة.

حياد واستقلال مزعوم للمؤسسات

وفى عام 1980 كان مجلس إدارة المؤسسة الصحفية القومية يتكون من 15 عضوا، بواقع رئيس يختاره مجلس الشورى وثمانية أعضاء يختارهم مجلس الشورى منهم أربعة على الأقل من داخل المؤسسة، وستة بالانتخاب بواقع اثنين عن الصحفيين واثنين عن الإداريين وإثنين عن العمال.

وفى عام 1996 تقلص العدد الى 13 عضوا، رئيس يعينه مجلس الشورى وستة معينين يختارهم مجلس الشورى وستة منتخبين يمثلون الصحفيين والإداريين والعمال، واستمر ذلك في القانون الأخير لكنه أناط برئيس مجلس الإدارة الذي تعينه الهيئة الوطنية للصحافة، اختيار الستة المعينين من الخبرات المتنوعة الاقتصادية والمالية. وبعد أن ظلت مدة مجلس الإدارة أربع سنوات فقد تقلصت مؤخرا الى ثلاث سنوات.

ومنذ عام 1980 وهناك نص على تشكيل مجلس تحرير برئاسة رئيس التحرير، وخمسة أعضاء على الأقل لوضع وتنفيذ السياسة التحريرية للجريدة، واستمر ذلك مع قانون 1996 والقانون الأخير، كما ظلت مدته منذ 1980 وحتى القانون الأخير ثلاث سنوات.

وهكذا تشابهت قوانين الصحافة والمواد الخاصة بالصحف القومية منذ 1980 وحتى القانون الأخير، حيث نصت جميعها على انشاء صندوق لدعم للصحف وإن كانت التسمية مؤخرا قد تحولت الى صندوق لتنمية المؤسسات الصحفية، وسمحت القوانين المتتالية للمؤسسات بإنشاء شركات.

 وبتحديد سن التقاعد للعاملين 60 عاما والسماح بالمد للبعض سنة بسنة حتى 65 عاما، وإصدار تقارير سنوية يتم رفعها لرئيس الجمهورية والبرلمان. وتولى جهاز المحاسبات مراجعة الميزانيات، وسريان قانون الكسب غير المشروع على العاملين بالمؤسسات.

كما تشابهت في النصوص التي تشير الى حرية المؤسسات الصحفية واستقلالها، والتي أشار إليها القانون الأخير بالمادة 29 منه بأن ” المؤسسات الصحفية القومية مستقلة ومحايدة، وتعبر عن كافة الآراء والاتجاهات والمصالح الاجتماعية بما يضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام “.

وهو أمر مغاير للواقع تماما في ضوء تبنيهها لوجهة النظر الرسمية بشكل صارخ، وهجومها الضاري على المعارضين للنظام الحاكم، رغم أن إتاحة قدر من الحرية يعد أحد عوامل خروجها من عثرتها المالية، لكن الأمر وصل الى حد مطالبة جانب من العاملين بها، الحكومة بدفع قيمة الأرباح السنوية لتلك المؤسسات رغم خسارتها الجماعية، بمبرر أنها متفرغة للدفاع عن النظام ولابد أن تحصل على مقابل مادي لتلك المهمة. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه