ماذا تريد السلطة الغاشمة؟

 

(1) س: ماذا يريدون؟

ماذا تريد سلطات القمع من نجيب سرور وعادل صبري ومحمود دياب وهشام جعفر وناجي العلي

من أمل دنقل ومحمود حسين وابن حنبل ويحيى القزاز ومهران السيد

من علاء عبد الفتاح وصلاح جاهين وليليان داود وعصام نبيل

من الحلاج ومحمد هاشم والشيخ إمام وشهدي عطية

من على قنديل ويسري فودة وحمزة نمرة

من ياسر المناوهلي وأحمد ناجي ورائف بدوي

من صنع الله إبراهيم ومظفر النواب وأشرف فياض

من سمير قصير ومعصوم مرزوق ومصطفى طيبة وفيكتور خارا ونصر أبوزيد؟

ماذا تريد من أحاديث الشباب على المقاهي وتغريدات تويتر وحوارات فيس بوك؟

ماذا تريد السلطة من المثقف؟ ماذا تريد السلطة من غير المثقفين؟ ماذا تريد السلطة من المعارضين؟ ماذا تريد السلطة من الناس/ كل الناس؟ ماذا تريد من كل إنسان لم يطمح لأكثر من حياة كريمة وكلمة حرة؟

(2) ج: البحث عن إجابة

عندما تجدون أكثر من إجابة متناقضة لسؤال واضح، فاعلموا أن في الأمر خدعة، فهناك الكثير من الوعود الزائفة التي لا تكلف المخادع أكثر من ترديد الأكاذيب الناعمة عن الرخاء والبناء والأمن والبلاد التي يجب أن نحميها ونبنيها لتصير “أد الدنيا”، بينما الصورة الواقعية البائسة، ترسمها أمام أعين العالم مصائر الناس تحت حكم الديكتاتوريات وتسلط أنظمة القمع، وتقد لنا إجابة مريرة على السؤال.

إنهم يريدون:

الصمت؟ الجنون؟ الفقر؟ الانعزال؟ الاكتئاب؟ السجن؟ الفرار؟ الانتحار؟ التــ……؟

(3) لست وحدك

أعتقد أن لدى كل منا إجابة طويلة مشحونة بالأدلة والمشاهدات والتجارب والأمثلة، وحتى لا تتحول الاختلافات بين إجاباتنا الفردية إلى ذرائع للاختلاف حول أسماء وافعال وأهداف سلطات القمع، فكرت في تعميم الإجابة، وفكرت في البدء بالتنازل عن رايي الشخصي فيما تريده وتفعله الديكتاتوريات والأنظمة القمعية ضد الكلام وضد الإبداع وضد الحياة، ولم أجد افضل من إجابة تشارلز بوكوفسكي، الشاعر الملعون الذي كتب قصيدتين، أجاب فيهما عن سؤال: ماذا تريد السلطات الغاشمة من المثقفين والمبدعين والأحرار، وكيف آلت مصائر الكثيرين منهم، القصيدة الأولى تناولت الفئات الخائنة التي مسختها السلطة وجعلت منها خدماً في بلاطها، ويسميهم بوكوفسكي «الكلاب المسعورة إلى المجد»، والقصيدة الثانية كانت بالعنوان نفسه الذي بدأنه به المقال والسؤال: «هذا ما يريدون»

كل ما أرجوه منكم فقط هو استبدال أسماء المبدعين الأجانب بأي أسماء تحضر في ذاكرتكم، أو بأسمائكم أنتم، فالمثقف الحر هنا هو المثقف الحر في أي مكان، والسلطة الغبية الغاشمة هنا، هي السلطة الغبية الغاشمة في أي مكان، وليس مهماً أن تعرف فاييخو أو حسن حسين أو بوروزو أو شوكان، أو آرتو أو جمال عبد الفتاح، أو بيتهوفن، أو ماهينور لتعرف ماذا فعلت بهم السلطة وماذا تريد منا؟

(4) إجابة بوكوفسكي:

هذا ما يريدونه:

أن يكتب فاييخو عن الوحدة، وهو يموت جوعاً

أن ترفض عاهرة أُذن فان جوخ (المقطوعة)

أن يبجر رامبو إلى أفريقيا بحثا عن الثروة، فيصاب بسفلس لا علاج له

أن يصبح بيتهوفن أصم

أن يُعرَض إزرا باوند في قفص عبر الشوارع

أن يتجرع توماس شاترتون سم الفئران.

أن ينزف هيمنغواي مخه في كوب من عصير البرتقال

أن يقطع باسكال شرايين معصمه في البانيو

أن يُعاقر أنتونين آرتو الجنون

أن يُصلب دوستويفسكي على جدار

أن يقفز ستيفن كرين على رفاص قارب

أن يُقتل لوركا برصاص القوات الإسبانية على قارعة الطريق

أن يُلقِي جون بيريمان بنفسه من فوق جسر

أن يطلق ويليام بوروز الرصاص على زوجته

وأن يذبحها ميللر بسكين

 

هذا مايريدون.

هذا بعضٌ مما يريدون:

استعراض ملعون/ على لوحةُ إعلانات مضاءة وسط الجحيم.

هذا ما تريده عصابةُ الحقراء/ هذا ما يريده الأغبياء/ العاجزون عن التعبير/ المتبلدون/ المملون/ المغرمون بالكرنفالات والفُرجة.

 

(5)

المصائر الكابوسية لم تعد تخص كاتباً عنيداً يعارض، ولا ناشطاً سياسيا يتحدى الشرطة وهيبة السلطة، ولا أفراداً وجماعات تواصل الصراع على الحكم مع نظام يزعم حماية الدولة من خطر المؤامرات، المصائر الكابوسية وصلت إليكم في عمق حياتكم، داخل بيوتكم، وداخل نفوسكم، ويليام بروزو تم استنساخه في التجمع ليقتل أسرته وينتحر، ولوركا يتم تصفيته في أكتوبر والعاشر من رمضان وفي الطرقات أيضاً، وجون بريمان يلقي بأولاده في نهر سلسيل قبل أن يلقي بنفسه في جحيم اليأس والمتهة والضياع

إنهم يريدون لنا الصمت/ الجنون/ الفقر/ الانعزال/ الاكتئاب/ السجن/ الفرار/ الانتحار.

إنهم لا يريدون ذلك وفقط، بل يدفعوننا إليه بقوة.

يمكنكم أن تنظروا للنتائج، لتعرفوا أن كل واحد فيكم ضحية محتملة للسلطة الغاشمة، ربما تتصور أنك بعيد عن هذا الانتحار الاجتماعي، لكن الحقيقة أنك فقط في ترتيب متأخر في طابور الذاهبين إلى حتفهم ضائعين.

فانتبهوا واخرجوا من طوابير الذل والذبح.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه