السيسي.. عقدة فريجولي

 

(1) الرجل الذي ..

 حاولت الدخول إلى عقل السيسي والتفكير بطريقته لكنني فشلت، لأنه يتصرف عادة بلا تفكير وبلا طريقة، لذلك لجأت إلى البحث وقراءة الكثير من التجارب الشبيهة، ربما أجد تفسيراً مقبولاً للحالة “الهوس السيساوي” في القبض على النشطاء من مختلف الاتجاهات: يسار.. يمين.. وسط.. فوق.. تحت.. على جنب، هل معقول أن كل هذه التيارات معادية للوطن ويجب حشرها في السجن: عسكر.. شرطة.. قضاء.. إعلاميين.. طلاب.. ليبرال.. إسلاميك.. من غير خالص؟، وكيف وصل السيسي إلى هذه الحالة التي لا يفرق فيها بين حازم عبد العظيم وحازم أبو اسماعيل، ولا بين جمال عبد الفتاح وعلاء عبد الفتاح، ولا بين عبد المنعم أبو الفتوح وسامي عنان، ولا بين وائل عباس واسماعيل الاسكندراني، ولا بين شوكان وهشام جنينة، ولا بين عادل صبري وهيثم محمدين، ولا ولا ولا…؟، لابد أن في الأمر خطة أو خطأ، لابد أن هناك فكرة أو خدعة، لابد أن هناك غرض أو مرض، وهذا ما شغلني عدة أيام، وأريد أن أعرض عليكم ما توصلت إليه، آملاً أن تصبروا وتشاركوني الأسئلة والبحث حتى نصل إلى أصدق نتيجة

(2) توهمات من كهف الطفولة

في مؤتمر للطب النفسي عام 1927 تحدث الطبيبان فيل وكوربون عن اكتشاف متلازمة جديدة وعجيبة، ثم قدما للحضور سيدة في السابعة والعشرين من عمرها، قالوا إنها كانت عاشقة للمسرح، وبدأت السيدة حديثها بالشكوى من مضايقات النجمتين الشهيرتين “سارة برنار” و”اليزابيث روبين”، فالأولى تلاحقها في كل مكان بعد أن اختطفت أقاربها وصديقاتها، وسرعان ماقلدتها الثانية واحتلت مكان جارتها المقربة، وتمشي وراءها في كل مكان، وأضافت المريضة بحدة: “ذات يوم ضقت بتصرفات روبين فاستوقفتها في الشارع وانهلت عليها بالضرب، وإثر ذلك تم إيداعي في إحدى المصحات بإيعاز من النجمتين الشهيرتين اللتين كانتا تتنكران في ثياب ممرضات ويجبرنني على ممارسة العادة السرية”، وشرح الطبيبان أعراض المرض الغريب الذي يتخيل فيه المريض ان كل الناس حوله ليسوا إلا شخص واحد يتنكر في شكل الأهل والمعارف ويطارده في كل مكان، ولما سئل الطبيبان عن اسم هذا المرض العجيب، قالوا: لم نحدد له اسماً، لكن يمكن تسميته “توهمات فريجولي”، وضجت قاعة المؤتمر الطبي بالضحك، لأن ليبولدو فريجولي لم يكن إلا ممثل مسرح إيطاليا اشتهر بسرعة التنكر وتقمص شخصيات مختلفة، وارتبط الاسم بحالة التوهم النادرة التي يرى فيها المريض جميع الأشخاص المحيطين في صورة شخص واحد يضايقه ويزعجه، ومن يريد معلومات أكثر يمكنه أن يكتب في محرك بحث غوغل “متلازمة فريجولي” أو “توهم فريجولي”، وسوف يجد معلومات كثيرة ألتقط لكم منها بعض الأعراض الرئيسية التي تظهر على المريض مثل: الاندفاع  والإنكار الدائم والعناد وفقدان الذاكرة وضعف الوعي واضطراب الاحساس بالذات، وهي أعراض استأذنكم في تذكرها وتخيلها بشكل عام.

(3) متلازمة أهل الشر

في زيارته الأولى لنيويورك كرئيس، اجتمع السيسي بالوفد الإعلامي المرافق له، وفي لحظة استرخاء و”انتشاء ذاتي” حكى لهم حكاية عميقة من كهف الطفولة عن “عيال كانوا بيضربوه، ولم يكن يجرؤ على الرد، فقط كان يأخذ نصيبه من الإهانة ثم يقول لهم وسط سخريتهم منه: لما أكبر هبقى أضربكم”.. وكم أتمنى لو  كان فرويد بيننا ليفسر لنا هذا السلوك وأثره على الطفل بعد أن يصير حاكما يمتلك سلطة ويتخذ قرارات، لكن “فرويد” قد يتسبب في منع هذا المقال من النشر، نظرا لتركيزه (فرويد) على الداوفع الجنسية في التحليل النفسي، لذلك لجأت إلى نظريات “جوزيف كابجرا” عالم النفس الفرنسي الفذ الذي أسس لمجموعة أعراض “فقدان الهوية” ومن بينها دراساته لأعراض “اضطراب فريجو” الذي يتوهم فيه المريض أن الناس من حوله شخص واحد، يحبهم كما يحب ذلك الشخص، أو يكرههم كما يكرهه، وإذا سلمنا أن “السيسي يحب عباس”، فإنه حسب تحليل “كابجرا” لابد وأن يحب كل شخص على شاكلة عباس أو يظهر في صورته أو يلتزم بتعليماته (أي يحب العباسيين عموماً)، لكن الأمر يختلف مع غير العباسيين، حيث تنقلب المعاملة تماماً، ومن هنا تتناثر الاسئلة: لماذا يكره السيسي بقية الناس وخاصة من يعارضه؟.. لماذا أقدم على سجن الإخوان وعنان، وأبو اسماعيل وعبد العظيم، ومحمدين وجعفر، وآلاف النشطاء من مختلف المشارب والتوجهات؟، لماذا استخدم مصطلح “أهل الشر” برغم غموضه وعموميته، ولماذا وضع تحته أعدادا كبيرة من المختلفين في أفكارهم وانحيازاتهم؟ وكيف رآهم السيسي في صورة واحدة شريرة؟، ومن أين جاءت هذه الصورة؟

(4) الكل في “عيل” واحد

تنبئنا متلازمة فريجولي ببساطة أن السيسي يرى كل معارضيه في صورة شخص واحد يضايقه ويزعجه وينغص عليه حياته، ويثير ذكرياته المهينة المؤلمة.. ذلك الشخص هو “العيل الذي اعتدى عليه وهو صغير”، ولا سبيل لتخلص السيسي من عار المهانة، ومن أنين الألم ، إلا الانتقام من كل المعارضين في شخص ذلك الولد الشرير الذي لايرى السيسي في وجوه المعارضين إلا صورته

(5) الفصل الأخير قبل الختام

تقول الأسطورة إن المُهان كَبُرَ الآن، ويتوهم أنه قادرٌ على ضرب الجميع من غير أن يصيبه أذى، لكن فرويد له رأي آخر يحكي فيه عن النهايات المأساوية للشخص المُهان حين يسلك طريق الانتقام..

إذن فلنترقب المصير لنعرف من يكون الخاسر في التراجيديا: فرويد أم السيسي؟!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه