أحمد هو الشيخ أحمد

ومن لجنرال لجنرال لجنرال ظل الشعب المصري متمسكاً بدور المخدوع المغلوب على أمره

 

 إلى قارئ هذا المقال… تحمّل كلماتي المرتبكة فهي غوص بلا أي وسائل أمان في أعماق مأساة وطن لا نهاية لها.

«أحمد هو الشيخ أحمد» مثل مصري عبقري يشير إلى معان عديدة منها اليأس من شخص، وفقدان الرجاء في أي تغيير، وعدم الثقة، وغالبا ما يستخدمه أهل بر مصر في حالة الصدمة في نتيجة توقعوها من شخص أو جماعة أو نظام، وهو المثل الذي يدل أيضا على ثبات قيمة سلبية أو حال متردِ. هذا المثل يتكرر في مصر عند كل انتخابات برلمانية أو رئاسية، وغالبا ما ينعكس على نسبة المشاركة الفعلية في الانتخابات التي هي في أرقامها الحقيقية غير الرسمية تمثل نسباً شديدة التدني، وذلك بصرف النظر عن الفئات المشاركة من أهل الحاجة والعوز أو الواقعين تحت ضغوط أو أصحاب المصلحة والمستفيدين من أهل الحسنة المخفية ومناسبات الرزق والسبوبة. ربما يفسر البعض بأن هذه الحالة المصرية تعكس سلبية شعب وطباع جماعة رديئة، ولكن الواقع التاريخي وتجارب المصريين مع الحكام وأولي الأمر تجارب مريرة ومؤلمة، فالمواطن مصري لم يشاهد يوما حلوا منذ عشرات السنين فيما يتعلق بحريته سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الثقافي وحتى على مستوى العدالة الاجتماعية، فهو ليس ابناً لآماله وطموحاته ورغباته بقدر ما هو عبد لأقدار فرضها الاستبداد والقهر والظلم والفساد. مناسبات كثيرة انتظر فيها الشعب المسكين الرجاء من الشيخ أحمد ليتحرر من بطش الأحمد، وفي نهاية كل رحلة صبر يكتشف أن الشيخ أحمد هو نفسه أحمد.

  • ديمقراطية الدبابات

 في عام 1952 كان الشعب يعاني الفقر والتهميش والإحساس بمهانة العبودية تحت حكم أسرة محمد علي، وعندما ظهرت ملامح الفرج والثورة على يد الشيخ أحمد الذي جاء محمولاً على مدفع دبابة عسكرية، يحمل شعارات وطنية مؤثرة، وهي التي استمدها من جهاد الشعب بالدم طوال سنوات مضت فاستولى عليها أحمد ونسجها وصنع منها ثوبا عسكريا فاخراً جعل منه الأمل في الخلاص، وامتطى موكب الجماهير وجهادهم ليصبح القائد المخلص ويلتف حوله منتظروا الخلاص. وكانت المبادئ الستة للثورة أهمها إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وبدأ الشيخ أحمد الحياة الديمقراطية بإلغاء الأحزاب وعسكرة النقابات ومطاردة ليس فقط المعارضين له بل أي رؤية مدنية لا تتقاطع مع رؤية أصحاب الزي العسكري، فكانت السجون والقتل والتشريد، ولا أنكر أن الشيخ أحمد كانت له إنجازاته على المستوى التنموي والتحرر الوطني خاصة في هذه الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وانهيار نظام الهيمنة الاستعمارية العسكرية، وكان هذا التحرر بمثابة نقل الهيمنة العسكرية من محتل دولي إلى محتل محلي، وهو المنطق الذي استند عليه الشعب الطيب في قبول القهر المحلي باعتباره نصرا وتحررا من المستعمر الأجنبي، وظل الشعب المسكين متحملا قهر الشيخ الجنرال أحمد تحت دعاوى ضريبة التحرر والاستقلال والتنمية وطوال الوقت كان الشيخ الجنرال يفرض على الشعب والوطن معارك محاطة بالحماس والأغاني والشعارات الوطنية، فيدور في مضمار لا نهاية له ويفقد الإحساس بأي قهر أو ظلم أو استبداد، حتى في حالة النكسة التي أصابت البلد بعد هزيمة 5 يونيه 1967 أمام إسرائيل، التف الشعب حول الشيخ الجنرال باعتباره المخلص لهم من هذه الهزيمة التي تسبب فيها هو ذاته وأصبح الشيخ الجنرال هو القاتل وهو القاضي وهو الجلاد، واكتشف الشعب أن أحمد هو الشيخ أحمد. وبدلا من أن يحاسب الشعب المصدوم المسؤولين عن هزيمة الوطن قام مدفوعا باليأس وقلة الحيلة وغنى لكبيرهم «قم للشعب وبدد يأسه… واذكر غده واطرح أمسه… قم وادفعنا بعد النكسة… وارفع هامة هذا الشعب ابق فأنت حبيب الشعب». وتحول الطموح إلى أمنية في مجرد البقاء في ظل أحمد أو الشيخ أحمد وفي النهاية «ظل مستبد ولا ظل مستعمر».

  • من نقرة لحفرة

 وعندما ظهرت ضرورات التغيير من الخارج بفعل تطور العالم الخارجي، وأصبح نظام فاشية الحزب الواحد غير مرغوب في العالم تخيل الشعب مرة أخرى أن الخلاص جاء محمولاً على رياح الغرب، وبدلاً من أن يُنصب من بين فئاته قائداً للمرحلة الجديدة سار مرة أخرى وراء جنرال آخر ارتدى ثوب الشيخ أحمد، وغيَّر هيئته الخارجية، لتتناسب مع المرحلة الجديدة، ونشر أوهام التعددية والديمقراطية دون محتوى، وابتلع الشعب المسكين الطعم مرة أخرى، ولم يتغير حال الوطن، وظل محكوماً بسلطة الـ99.9 في المئة في ثوب ديمقراطي وهمي، وتتصاعد أزمات الشعب المسكين ليجد نفسه خارجاً من «نقرة ليقع في حفرة»، وتحت شعارات السلام والحرية والتقدم والانفتاح والازدهار والعلم والإيمان هيمنت الصهيونية على مقدرات البلاد، وعادت السجون والمعتقلات مرة أخرى ليكتشف الشعب المسكين أنه لم يفقد حريته فقط، وإنما أرضه واستقلاله، وانتُهكت وطنيته، ليدرك مرة أخرى أن أحمد هو الشيخ أحمد.

  • دبورة ونسر وكاب

ومن جنرال لجنرال لجنرال ظل الشعب المصري متمسكاً بدور المخدوع المغلوب على أمره، وفي كل مرحلة تزداد صفات الخادع سوءاً، حتى وصلنا إلى من يجوز عليه دعاء «اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا» واستحق لقب صاحب الوجه السافر، حتى إنه لم يكلف نفسه عناء البحث عن ملامح تميزه ومفردات يستتر وراءها ويمارس خديعته وارتداءه ثوب الشيخ أحمد، وأقصى ما فعله هو الاستعانة بمفردات وأدوات الجنرالات السابقين رغم اختلاف محتواها ومعانيها بالنسبة للزمن. وأعادت الإذاعة أغاني الجنرلات السابقين وكأنها أسطوانة مشروخة، ورغم ذلك تميز الجنرال الأخير بقدرته على الإفساد والتدمير والانهيار وربما الخيانة بخطوات متسارعة ووجه سافر دون البحث عن ذريعة أو مبرر. الخلاصة أنه مهما حدثت متغيرات وتطورات عالمية ودولية سيظل الشعب المصري واقعاً في نفس الأزمة ونفس الخديعة وحاملا للعنة «سيزيف» فما أن يكتشف أن أحمد هو الشيخ أحمد حتى يسارع في البحث عن أحمد آخر يخدعه، وستظل هذه حالة مستمرة طالما يتحكم في مقدرات الأمور «دبورة ونسر وكاب».

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه