“الوراق والبزرميط”!

كان الجنرال السيسي ينطق بهذه الكلمات وبجواره رئيس وزرائه الحالي شريف إسماعيل يدون كلامه في الأوراق التي بين يديه.

” هناك جزر في النيل غير مسموح بتواجد أحد عليها، وطبقا للقانون من المفترض ألا يسكنها أحد فهي إما محميات وإما من غير المسموح بوجود أحد عليها، وهناك  إحدى الجزر بنهر النيل  تبلغ مساحتها أكثر من ١٢٥٠ فدانا، وابتدت العشوائيات تبقى جواها وناس تبني، وتقول لي بعد كده اعمل لي محطات صرف ومحطات معالجة “.

كان الجنرال السيسي ينطق بهذه الكلمات وبجواره رئيس وزرائه الحالي شريف إسماعيل يدون كلامه في الأوراق التي بين يديه، وعن شماله رئيس وزرائه السابق إبراهيم محلب الذى يهز رأسه مؤيدا وموافقا على ما يقوله أثناء مؤتمر «إزالة التعديات على أملاك الدولة» للجنرال مع بعض وزرائه ومحافظيه في السابع من يونيو/حزيران من هذا العام .

إشارة البدء

وظهر وكأنه أعطى إشارة البدء لمعركة تحرير الجزر، فصدر بعدها بأيام قرار لرئيس الوزراء شريف إسماعيل باستبعاد 17 جزيرة من تطبيق قرار رئيس الوزراء رقم (1969) لعام 1998 والذي كانت تعتبر جزيرة وراق العرب بموجبه محمية طبيعية، فضلًا عن وضع خطة لتطوير الجزيرة وتحويلها إلى منطقة استثمارية.

وظهر وكأن جزيرة وراق العرب التي تقع بمنطقة الوراق بمحافظة الجيزة هي المقصودة بكلام السيسي حيث تبلغ مساحتها حوالي 1600 فدان تقريباً، وفي قول آخر 1400 فدان، وحسب  رئيس هيئة المساحة فإن مساحة الجزيرة 1325 فدانًا،  ومن أراد الزيادة فليزد، وقديما قالوا البحر يحب الزيادة، فلن تجد في المحروسة اهتماما بالأرقام، بل العكس فقد يزيد أحدهم في الأرقام من عنده وتجد من يعجب به ويصفق له لأن الزيادة خير .

كلام ” بزرميط “

ولأننا نعيش في دولة غير متناسقة لا في الأرقام ولا في التصريحات الحكومية وغير الحكومية  بمعنى دولة ” بزرميط ” وهى  مشتقة من كلمة ” pizzar ” بالفرنسية وهى بمعنى غير متناسق، نجد أن عدد الجزر الواقعة في نهر النيل مرة 155 جزيرة، وأخرى حسب تقارير معهد بحوث النيل 128 جزيرة فقط، أما الهيئة العامة للمساحة فتذكر أنها 181 جزيرة، ومعهد بحوث الأراضي والمياه قدرها بحوالي 209 جزر، ووزارة الموارد المائية ذكرت أنها 197 جزيرة.

أما الخبراء فقدروا عدد الجزر بحوالي 300جزيرة، وقالوا إن الحكومة أصدرت هذا الرقم لتغطي على تعدي رجال الأعمال على مجموعة من الجزر الصغيرة.

وحسب  السجلات الحكومة الرسمية التي قدرت عدد الجزر النيلية بـ144 جزيرة فإن مساحتها تبلغ حوالى 37 ألف و150 فدانا، أي ما يعادل 160 كيلو مترا .

واستمرارا لحالة الدولة الـ”بزرميط” قامت قوات من الجيش والشرطة باقتحام جزيرة الوراق، وهدم بعض المباني، وتصدى لهم سكان الجزيرة، وأسفر ذلك عن إصابة العشرات من الأهالي واستشهاد شاب منهم، ليختلط على عقولنا ونظرنا المشهد كما اختلط من قبل في مذبحة رابعة والنهضة، هل هذه قوات مصرية أم أنها قوات صهيونية تتعامل مع إخوتنا وتهجرهم من أرضهم بالقوة؟

عقب انتشار خبر التعدي على أهالي جزيرة الوراق في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الإخبارية، مع تعتيم شامل للفضائيات المصرية وشيطنة معروفة للأهالي واتهام مكرر ومحفوظ بأن الإخوان هم من يقف وراء التحريض، جاءت تصريحات المسؤولين في المساء وعلى برامج التوك شو تحاول شيطنة الأهالي واتهامهم بأنهم تعدوا على أراضي الدولة ورجال الشرطة، ويقومون بالصرف في مياه النيل، وأنهم أطلقوا الرصاص على القوة التي كانت تعمل على إزالة التعديات ما أدى لإصابة العديد من أفراد وضباط الشرطة .

تصريحات عشوائية

كل ما سبق يبدو معتادا منذ الـ 30  من يونيو/حزيران 2013 ولكن الغريب هو عدم التنسيق بين المسؤولين فبدت تصريحاتهم كلها “بزرميط” فمرة يقول اللواء علاء هراس، نائب محافظ الجيزة : “إن جزيرة الوراق لها جهات ولاية، وإن المحافظة لم تُصدر بيانًا تقول فيه إن الجزيرة تابعة بالكامل للدولة أو تخص الدولة، أو أنكرت ملكية بعض الأهالي لمنازلهم”.

و قال محافظ الجيزة  اللواء كمال الدالي “سننفذ 700 قرار إزالة بجزيرة الوراق دون استثناءات”، ويأتي الرقم مختلفا عما ذكره الدكتور عبدالمنعم البنا، وزير الزراعة واستصلاح الاراضي حيث قال في تصريح له  إن عدد حالات التعدي تبلغ  439 حالة تعد من أهالي جزيرة الوراق على أراض تابعة للوزارة .

ويدخل على الخط في سلسلة البيانات وزير الأوقاف حيث قال في بيان الوزارة “إن استعادة حق الدولة واجب شرعي ووطني !!” .

وهكذا تفرق دم الجزيرة بين القبائل، أقصد الوزارات والهيئات، فمحافظ الجيزة التابعة له الجزيرة يقول إن عدد السكان في الجزيرة 90 ألف نسمة، ومسؤولون آخرون يقولون 60 ألف فقط، ويستمر التخبط فتارة يؤكدون أنه لا نية لتهجير الأهالي من الجزيرة طالما يمتلكون الأراضي والمباني ولديهم أوضاع مقننة، وتارة يقولون إن هناك طرق استثمار للجزيرة بالتنسيق مع ممولين من رجال أعمال وهو ما كشفته بعض الرسومات التخطيطية التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أحداث الجزيرة حيث وجد أن  الرسومات قامت بها شركة إماراتية سنغافورية  تسمى “آر إس بى” وشركة “كيوب” للاستشارات الهندسية ومقرها القاهرة .

تهجير قسرى

إذاً ظهر الهدف وهو بيع الجزر وخاصة الوراق لموقعها المميز ونحن بما لنا من سابق خبرة في بيع الجزر بعد ” تيران وصنافير” فما المانع أن نستمر في البيع ، وهذه المرة نرضى الشريك الإماراتي حتى لا يظن أنه بعيد عن العين ، بل هو في القلب وسيأخذ جزيرة في قلب القاهرة الكبرى يستثمرها كما يشاء .

أعتقد أن ما يحدث تهجير قسري من دون رغبة الأهالي، والقرار مخالف للدستور الحالي، لأن المادة 63 من دستور 2014 تنص على أنه “يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم” والمادة الدستورية واضحة وصريحة في موضوع حظر التهجير، حتى لو رفض شخص واحد فقط، كما أن المادة لم تتحدث تماما عن التعويض، وبالتالي فإن القرار لا يقل جرما عن الإرهاب.

والتهجير القسري بدأ من مدينتي رفح والشيخ زويد ووصل لمدينة العريش وفى تهجير أهالي سيناء المستفيد المعروف لدينا هو الكيان الصهيوني، وعندما بدأ تهجير سكان رفح والشيخ زويد بدأ الإعلام في شيطنة أهالي سيناء واشتغل على نغمة أن للتهجير فوائد عديدة وسنقضى على الإرهاب ونمنع “بتوع حماس” ونغلق الأنفاق ودارت دورة الإعلام الكاذبة حتى تم تهجير الأهالي ومعظمهم لم يتلق تعويضا حتى الآن، حيث التعويض لمن لديه علاقات أمنية.

ولكن يبقى السؤال هل بتهجير أهالي رفح والشيخ زويد وبعض مناطق العريش انتهى الإرهاب وانتهت العمليات الإرهابية؟ الإجابة واضحة حتى أيام قليلة وهي أن وتيرة الإرهاب زادت ووصلت إلى محافظات مصرية داخل الوادي ولم تعد قاصرة على سيناء فقط .

ترى هل التهجير القسري لأهالي الوراق سيمنع الدولة من إقامة محطات صرف وكهرباء للمستثمرين الجدد؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه