إدلب إلى أين؟

“مستر جون. إلى أين تمضي إدلب؟”.
“إلى الإبادة، إن لم يرحل هؤلاء المتطرفون، لقد اتفق العالم على تجميعهم في إدلب”.
مقطع من حوار بين جون كيري قبل رحيله وبين رياض نعسان آغا، أذاعه في تسجيل صوتي. رداً على سؤال وجّه إليه عن مصير إدلب.

من أجل القضاء على حفنة من المتطرفين لا يرى العالم ضيراً في إبادة مئات الآلاف من المدنيين من أبناء الشّعب السّوري، فمصطلح “حاضنة الإرهاب” الذي كرّسه المجرم بشار الأسد تمَّ تبنيه عالمياً ليتمكن العالم من التّلاعب على ضميره ـ إن كان له ضمير بالأصل ـ فحاضنة الإرهاب مجرمة مثلها مثل الإرهابيين تماماً، هذا يريح ضمائرهم المجرمة وكأنّ آلاف التونسيين والمصريين والخليجيين والشيشانيين والأوربيين من مواليد محافظة إدلب، فإلى أين تسير إدلب اليوم أمام هذا الواقع المفروض؟

ما يراه المعارضون:

بات واضحاً جداً أنّ العالم لن يسمح بنشوء أيّة إمارة إسلامية وبات واضحاً أيضاً اتفاق العالم على إبادة أيّة إمارة، فعلها في أفغانستان وفي الصومال وغيرهما. واستطاع العالم أن يزج بما لديه من متطرفين في سوريا وكان هذا واضحاً من بداية الثورة، النّظام يعرف تماماً توجهات العالم هذه فعمل على محاولة حشر كلّ معارضيه في إدلب ليقول للعالم هؤلاء هم المتطرفون الإسلاميون قد جمعتهم لكم في إدلب، كذلك استطاعت جبهة النصرة ضمن تحالفات معينة وتواطؤات كثيرة أن تهيمن بنسبة كبيرة على الساحة الإدلبية.

بعد أيام قليلة سينتهي تحرير الرقة من الدواعش، وبغض النّظر عن بنية الفصائل المقاتلة هناك فإن أمر القيادة الأمريكية للمعركة لاشكّ فيه، وستتوجه هذه القوات إلى هدف آخر (دير الزور أو إدلب) الصحافة الغربية تقوم بالإيحاء أنّ الهدف التّالي هو دير الزور فقد كثر ذكر دير الزور كثيراً في الإعلام الغربي وهذا سيجعل المتطرفين الإسلاميين أمام خيار التوجه إلى إدلب ظناً منهم أنّ المعركة في دير الزور، وبالفعل فقد وصل الكثير منهم إلى إدلب عائدين إلى حضن “النصرة” الفصيل الأم وقد بدا واضحاً وجود تيارين داخل جبهة النصرة (المتشددين ـ المميّعين). إذن الأمور تسير تماماً كما يُخطّط الثعلب الغربي وعلى الأغلب سيكون الهدف التّالي هو إدلب وليس دير الزور، ذلك أنّ معركة دير الزور قد تكون الأصعب بسبب عمقها الاستراتيجي مع الأنبار ولذلك لن يغامر المُخطط الأمريكي بهذه المعركة الآن.
بعد هذه المقدمة يبرز أمامنا سؤال وجودي تماماً. ما الذي يمكن عمله كي تتجنب محافظة إدلب هذا المصير (الإبادة)؟

يعتقد معظمُ النّاشطين المدنيين في المحافظة أنّ الحلّ الوحيد داخل إدلب حصراً. ويعتقدون أنّ قادتها في الصّفين الأوّل والثاني بعيدون تماماً عن هذا الوعي وربما هم من ساعد النّظام والعالم للوصول بالمحافظة إلى هذه المرحلة وفي أوّل مواجهة سيذوبون من السّاحة ويغيبون عن المشهد عائدين إلى مواقعهم الأصلية. ولو أنّ جبهة النّصرة تمتلك شيئاً من المصداقية مع ما تدعيه من تدين لتركت السّاحة حقناً لدماء النّاس، أمّا وأنّها ماضية في غيها فقد بقي الحل محصوراً بشرفاء إدلب من المقاتلين وبأهالي إدلب المدنيين ويترتب عليهم العمل سريعاً على محاصرة هؤلاء المتطرفين على الأقل مدنياً بعد أن فقد الأمل بالجانب العسكري الذي دمّرته النّصرة وجند الأقصى خلال السّنوات الثلاث الأخيرة، ويمكن أن يكون هذا الحصار فعّالاً من خلال المظاهرات الشّعبية المستمرة ضدّهم ومن خلال إبراز الوجه المدني في المجالس المحلية والتّخلي عن الشّعارات الدينية والطائفية التي تستعدي العالم على المحافظة وأهلها، ومن خلال التحشيد الإعلامي الفعّال لإبراز الوجه المدني من جهة ونبذ التّطرف وفضح الممارسات المشينة للمتطرفين.
إنّ الوقت ليس في صالح المحافظة بكلّ تأكيد، ومن يظنّ أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه متوهماً بأنّ العالم سيسمح بدويلة سنية فهو شريك بالدّماء التي ستسفح ضمن حرب الإبادة المقررة والقادمة بكلّ تأكيد إن لم يبادر أبناء المحافظة بالعمل على إطفاء فتيل اشتعالها.

الأيدي الخفية:

وعى الناشطون أخيراً أنّه من الخطأ التعويل على الدّاعمين، فقد بان لكلّ ذي نظر دورهم القذر في تفتيت الثورة، ومساهماتهم الفعالة في الثورات المضادة التي نشأت في سوريا، اليوم تتبدى بكلّ جلاء حكمة المثل القائل (ما حك جلدك مثل ظفرك) فهل سيجلس أبناء المحافظة في بيوتهم بانتظار الفوسفور الحارق من طيران التّحالف وروسيا والنظام؟ أم سيكون لهم كلام آخر؟ خاصة وأنّ معظم أبناء المحافظة قد بدؤوا يعايشون بأنفسهم الفساد المستشري بين قادة هذه الفصائل المهيمنة بسبب تسلطهم على أرزاق النّاس فمدينة مثل سراقب على سبيل المثال تعيش حالة عطش وندرة في المياه بسبب خلاف الفصائل على توزيع الكهرباء عدا عن الغلاء الفاحش والتحكم بحيوات الناس، وجبهة النصرة تريد كلّ شيء لنفسها بدءاً بالحفوضات ومستلزمات الأطفال التي صادرتها في سرمدا مروراً بسيارات الطحين وتهريب القمح وليس انتهاء بإدارة الكهرباء، على ألا ننسى تفكيك سكة الحديد والمحطة الحرارية وسرقة كلّ المال العام وأحياناً الخاص. لقد بات الكلّ يشعر أنّ الواقع الجديد بحاجة لثورات وليس ثورة واحدة. وإن لم يتحرك أبناء المحافظة قاطبة على وجه السرعة لدرء خطر الإبادة الذي بدأ يلوح في الأفق فعليهم انتظار حزمة جديدة من المجازر قتلاً وتشريداً وتهجيراً، وستكون الحزمة هذه المرة الأشد إيلاماً ووقعاً على الشّعب السّوري خلال السّنوات السّت الماضية.

مع ذلك…

أودّ أن أقول كلمة لوزير الثقافة السابق في عهد بشّار الأسد والسفير في عهد حافظ ومدير هيئة الإذاعة والتلفزيون قبل ذلك الباحث والمؤلف والسيناريست الكاتب والمذيع والمعارض المفاوض في جينيف رياض نعسان آغا..

عزيزي رياض ابن إدلب الذي لم يهتم بوجودها يوماً سوى باحتفالية واحدة في ذكرى وفاة كاتبها حسيب كيالي أثناء وزارته والذي أهّله لها ولكلّ المناصب التي شغلها كونه بعثياً شريفاً..

قوى التحالف الدولي، وأمريكا تحديداً ليست بحاجة إلى شمّاعة لتبيد إدلب، الإبادة قادمة في حال أرادت أمريكا ذلك حتّى وإن كانت الحجة رفع علم الثورة فوق بيت أبيك الشيخ أو فوق بيت أبي المحامي اللذان ماتا قبل أن يريا حكم بشّار ولم يكونا من زلم حافظ يوماً.. ولهذا السّبب تحديداً ستباد إدلب ليقتل الأحرار الذين نفوا إليها.. أحرار الوعر والزبداني وداريا ودوما والقابون “هل هؤلاء يشكّلون جبهة النصرة؟”.. هؤلاء من يريد النّظام بمساعدة الدول العظمى إبادتهم لتبقى سوريا خالصة لوجه الأسد وإسرائيل.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه