“عمر عبد الرحمن”.. محاولة الإجابة على الأسئلة الحائرة

لم يرحل الشيخ عمرعبد الرحمن، شيخ الجماعة الإسلامية بمصر، قبل أن يترك للأمة ميراثا زاخرامن الكتابات والخطب والمواقف المناهضة للطغاة

 كما جاء الاستقبال الجماهيري الحاشد لجثمانه ليمثل إضافة جديدة لهذا السجل الحافل كما يمثل صفعة لكل خصوم الشيخ وكل الحملات الدعائية التي ظلت طوال العقود تنال منه وتشوه دعوته وأفكاره وتصوره بصور بعيدة كل البعد عن شخصه المفعم بالإيمان والتقوى والزهد فضلا عن الصلابة في الحق والدفاع الدائم عن المظلومين.

ماذا تبقي من الشيخ؟

هكذا رحل الشيخ لكن بقيت دعوته لمكافحة الطغيان والاستبداد وتأكيده على عدم الاستسلام للظلم والقمع حتى أصبح رمزا ملهما لكل المظلومين كما كان رمزا لمكافحة الحكام الظلمة.. رحل الشيخ لكن بقيت دعوته لإعادة الاعتبار لمؤسسة الأزهر لم تمس بل تتجدد بعد وفاته؛ فقد كان يلح على عدم التسليم بعملية الاختطاف الجارية للأزهر من قبل السلطات التي دأبت على استخدامه لمصالحها وامتهانه بكل السبل..

لقد رحل الشيخ لكن بقيت دعوته لمناصرة القضية الفلسطينية ورفضه لكامب ديفيد ورفض كل سياسات الخضوع والخنوع أمام الكيان الصهيوني المتغطرس والتي أصبحت نهجا ثابتا لحكام مصر..

رحل الشيخ وبقيت دعوته لمناصرة الفقراء والمطحونين وتحريضهم على استخلاص حقوقهم من السلطات الفاسدة..

 رحل الشيخ وبقيت دعوته لملاحقة الفساد والمفسدين وكشف عمليات النهب المنظم لثروات الشعوب؛ وقد كان الشيخ أول من طالب منذ عام 1991 بمحاكمة المخلوع حسني مبارك على المليارات التي نهبها من قوت الشعب الكادح وأكتنزها في البنوك العالمية..

رحل الشيخ وبقيت دعوته لمكافحة التكفير والغلو في الدين وتحريم العدوان على غير المسلمين فله العديد من الفتاوى بخصوص حقوق وحصانة أقباط مصر وأمان السياح والتجار الأجانب وفتاواه بخصوص ما توجبه التأشيرة على المسلم الذي يدخل بها بلاد غير المسلمين.

لماذا سمحت السلطة بالحشد؟

ولما رحل الشيخ أبت حياته الزاخرة بالمواقف الملتهبة أن تتركه يغادر بهدوء فقد جاءت جنازته المهيبة الحاشدة ليطرح من خلالها البعض تساؤلا مفاده: كيف سمحت السلطات التي كانت تعادي الشيخ لهذا الحشد الكبير أن يودعه لما لذلك من دلالات تتناقض مع سلوك الحكومات المتعاقبة تجاه الشيخ؟

والحقيقة أن لذلك عدة أسباب اهمها:

أولا: لم تكن السلطات تتوقع أن تحتشد كل هذه الجموع في جنازة الشيخ وخاصة أنه قد قضى أخر ثلاثين عاما من عمره خارج البلاد قضى منها 24 عاما داخل زنزانة انفرادية منقطع الصلة عن العالم فضلا عن الشارع المصري ولهذا تركت الجنازة على طبيعتها فمن غير المتوقع أن يحضرها أحد عدا بعض أنصار الشيخ في الوجه البحري.

ثانيا: كان من الطبيعي أن تتصور السلطات أنها قد نجحت في تشويه صورة الرجل بل والتيار الإسلامي كله في ضوء الحملات الإعلامية الموجهة والمكثفة وخاصة فيما بعد انقلاب 3 يوليو وهو ما يستلزم حصارا محكما يحول بين الجماهير والالتحام بالجنازة.

ثالثا: لم يكن هناك داع لأن تبالغ السلطات في معاداة الجماعة الإسلامية وخاصة وهي تعلم المكانة التي يحظى بها الشيخ لدى كل صفوفها وكوادرها.

رابعا: كما أرادت السلطات أن تقول – وهذا هو بيت القصيد- أنها ليست في خصومة مع الجماعة الإسلامية وإنما الخصومة هي بين الجماعة وتلك الحشود وبين الولايات المتحدة الأمريكية فهي التي اعتقلت الشيخ حتى استشهد في سجونها وأن النظام هو وحده الذي يعرف كيف يستوعب هذه التيارات المتشددة وأنه يقوم في ذلك بجهد ضخم يجب أن يكافأ عليه!! وهذا تقليد اعتاد عليه النظام المصري وأسست له أجهزة الأمن منذ عصر مبارك؛ حيث تقوم بتسويق أنه ليس بينها وبين الحركات الإسلامية خصومة مباشرة وإنما فقط لأنها تدافع عن الغرب وهي فلسفة تترجم وتتناغم مع رؤية بعض المنظرين الاستراتيجيين في الغرب الذين يعتبرون: “أن الإسلام والحركات الإسلامية هي الخصم وأن الدول العربية التقليدية هي خط الدفاع الأول عن الغرب في مواجهتها” وهي فلسفة تعظم من مكانة نظم الاستبداد وتبرر وتشرعن استمرار حكمها في بلادنا وترفع من قيمتها وفق معطيات النظام الدولي الحالي.

التعويض عن الحبس

لكن اللافت والأهم في المشهد هو ما أرادت أن تقوله تلك الحشود التي أرادت أن ترد الاعتبار للشيخ الذي ظل وحيدا في زنزانة مظلمة مدة 24 عاما وكأنها أرادت أن تعوضه عن ذلك الحبس الانفرادي الطويل..

لقد أرادت الحشود أن تقول إنها ترفض المعايير الأمريكية للإرهاب والتي يمكنها أن تقذف الناس بالباطل وأنها لا تعتبر الشيخ إرهابيا حتى لو كانت الولايات المتحدة قد رأته كذلك. وإذا كان المحلفون قد أدانوه فإن الشعب المصري قد برأه..

 أرادت الحشود أن تقول: إن الحصار الإعلامي والأمني المفروض على التيار الإسلامي هو حصار ظالم ويجب كسره وإن الاعلام الزائف والذي يضخ دعاية معادية للتيار الإسلامي على مدار الساعة يجب أن يعرف حجمه..

 أرادت الحشود أن تقول: إن شعب مصر بفطرته النقية لازال يقدر علماء الأزهر الصادقين ويحترمهم وليس العلماء الزائفين الذين يؤيدون الباطل ويقفون مع الظالم ويبررون سياساته.. أرادت الحشود أن تقول إن الشعب لازال متمسكا بدينه محبا لأهله برغم حملات صده عن ذلك وليس كما يروج النظام من أنه يتجه للإلحاد!!

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه