محمد منير يكتب: سائق توك توك .. سائق مدرعة.. “كلنا ضحايا”

محمد منير*

 
عيار طائش لكن تأثيره كان أكثر من أى عيار مقصود.. كيف؟
سائق توك توك فى فقرة تزيد عن الثلاث دقائق بقليل ومن خلال برنامج فضائى رسمى، وفى تعليق مع مذيع رسمى ،  يشرح بانفعال صادق وبكلمات منظمة، يراها البعض مؤلمة، معاناةَ المصريين وآلامهم، ويكشف بحروف وكلمات مدروسة مدى الانهيار الذى وصلت له مصر.
تلقف الرأى العام المصرى المتعطش لكلمة حق تعبر عن أزمته الكلمات وتداولها ليس فقط عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وإنما أيضا من خلال الأسلوب الشعبى القديم وأقصد “الانتشار بالحكى”..
ما ذكرته عن مدى تفاعل الرأى العام مع كلمات السائق الفصيح، ليس هو مربط الفرس، وليس هو السبب الرئيسى وراء الزلازل الذى ضرب المجتمع بعد كلمات “التكتكى  الفصيح”، فالتعبير عن الآلام والمعاناة بالفصاحة هى حالة مصرية منذ فجر التاريخ كما ورد لنا خلال بردية “الفلاح الفصيح”، والتى تروى قصة الفلاح “خن-انوب”، والذى عبر بكلمات فصيحة حفظها التاريخ عن مدى معاناته من ظلم حاكم المقاطعة “رينسى بن ميرو” فى الفترة مابين    2181 ,2160 ق م
المصريون كلهم بحكم المعاناة اليومية، يمتلكون القدرة على التعبير عن آلامهم بفصاحة، ولكن المشكلة كانت سلوك القائمين على إعلام النظام والنظام نفسه تجاه كلمات “التكتى”، ورد فعل الرأى العام عليه! فورًا قامت المحطة التى نقلت الحوار بحذفه، وكيلت الاتهامات الجاهزة للتكتكى بالأخونة والعمالة والاندساس من أجل تشويه الوطن، وبالصدفة المعتادة يواجه الوطن حدثا جللا يحتم على أفراد الشعب التغاضى عن معاناتهم ومشاكلهم من أجل المصلحة العليا التى دائما ما تفرضها عليهم الصدفة غير البحتة، عندما يبدأون أى تصعيد احتجاجى مؤثر، أو عندما يكون النظام مأزومًا.
وتلقف الإعلاميون الرسميون، الصدفة، ودون أن يديروا وجوههم، بغباء غير مسبوق تجاه النية التى حدثت الصدفة من أجلها، وأنشأوا “هاشتاج”  على موقع فيس بوك عنوانه “خريج مدرعة” فى مواجهة الـ”هاشتاج” الذى أنشأه المصريون قبلها بساعات وعنوانه “خريج توك توك”!!
استغل الإعلاميون الرسميون معاناة الضحايا وتاجروا بدماء الشهداء وتفاصيل مشاكلهم، ليحولوهم إلى فرق متصارعة متفرقة، هذا من أبناء التكاتك، وهذا من أبناء المدرعات، بينما الجميع ضحايا.
شهداء سيناء من شباب الطبقات الفقيرة، والذين لم تتعد أعمارهم الـ25 عاما، ضحايا نظام أحمق فاسد أضعف الأمة وأنهك جيشها فى تدابير ومؤامرات ليس لها هدف سوى توطيد حكم الفساد وحماية الدولة العميقة المستغلة.
سائق التوك توك ومشجعوه ضحايا الاستغلال والتهميش والفقر والجوع.. بالأمس القريب سائق تاكسى حرق نفسه فى الإسكندرية وهو يصرخ  “مش لاقي آكل.. فين السيسي” هو ضحية الانهيار الاقتصادى حتى لو كان مجرما تائبا كما وصفه إعلاميو السيسى.
شهداء مركب رشيد الذين غرقوا وهم يهربون من ويلات وطن لم يجدوا فيه مجرد الأمل فى حياة بسيطة كريمة هم ضحايا الاستغلال واحتكار رجال الاعمال وصناع القرار السياسى.
الضحايا فى وطننا كثر.. ضحايا الفساد،  ضحايا الإهمال، ضحايا المرض، ضحايا الجوع، ضحايا فقدان الأمل، ضحايا الجهل.. كلنا فى هذا الوطن ضحايا، وسنظل ضحايا حتى نثور على الظلم نحن أيضا مسئولون.

_____________________

*كاتب وصحفي مصري
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه