هل هناك اقتصاد للحب؟

لو انتشر الحب في مصنع أو شركة بين العمال وكانوا في انسجام سيزيد الإنتاج، بعكس الكراهية التي تنشر الأخطاء وتفرغ الأفراد لضرب بعضهم البعض تحت الحزام.. يتبع.

د. أسامة الكرم*
في البداية نتعرف على معنى علم الاقتصاد
 إنه علم تدبير الموارد المحدودة لنحقق أكبر إشباع للحاجات اللانهائية. دائما الموارد محدودة مهما كانت. ودائما التطلعات لانهائية. الإنسان هو محور علم الاقتصاد. منه يبدأ كمنتج وإليه ينتهي كمستهلك. ولو كان هذا الإنسان محباً يختلف عما إذا كان كارهاً. الحب يعد موردا مهما يجب أن نعمل على تنميته، في هذا الزمن أصبح الحب نادرا، وحاجتنا اليه لانهائية. بالحب يمكن أن نتحمل أكثر مصاعب الحياة. بالحب يمكن أن نتغلب على الأمراض ونشفى فتزيد إنتاجية العامل، وتقل نسبة الغياب المرضي وتكاليف العلاج. لو أحببنا الحب يكون دافعا لنا للنجاح، وهنا أيضاً لا نريد النجاح من أجل ذاتنا بل من أجل أن نسعد المحبوب أو أن نعبر عن حبنا له. الحب يمكن أن يكون دافعا وسببا للنجاح في آن واحد.
الحب سبب رئيسي في زيادة الطلب في مواسم محددة مثل عيد الفلانتين، حيث يدفع العالم مليارات على شراء الورود الحمراء والهدايا داخل العلب الحمراء، ويتفنن كل محب في إبراز هدية لمحبوبه.
كما أن هناك مناسبات تتكرر يوميا لكن بصورة فردية حيث أعياد الميلاد والزواج التي يمر بها يوميا المحبين، كلها تدفع لزيادة استهلاك الهدايا والحلويات والنزهات، كلها قابلة للقياس ولا يجب إغفال عنصر مهم كالحب واستبعاد تأثيره من علم الاقتصاد.
لو انتشر الحب في مصنع أو شركة بين العمال وكانوا في انسجام بلا شك الإنتاجية ستزيد، عكس الكراهية التي من خلالها تنتشر الأخطاء والإنتاج التالف ويتفرغ الأفراد لضرب البعض تحت الحزام ورد الضربات وتضيع الإنتاجية .
أيضا العامل الكاره للرئيس أول ما يفكر به هو الانضمام أو تأسيس ما يعرف في علم إدارة الأفراد بالتنظيم السرى داخل المنشأة؛ حيث يعمل على عرقلة التنظيم الرسمي للعمل فيؤدى لإفشال خطط الإنتاج وسوء الإنتاجية
أيضا العامل الذي يعمل في بيئة الكراهية يسهل التقاطه كجاسوس اقتصادي أو جاسوس صناعي يكشف أسرار العمل للمنافسين. 
الكراهية تكلفتها أضخم من الحب، لأنها إحساس غير فطرى، إحساس عكسي مثل حركة الأجسام ضد “جاذبية الأرض” تحتاج إلى قوة إضافية وتستهلك وقوداً أكثر.
تماما مثل ترجيع سلعة اشتريتها من محل المهمة هنا أصعب من شرائها.
فالاقتصاد السلوكي أثبت من خلال عديد من التجارب أن الإنسان يكره الخسارة أكثر من حبه للربح (هذا يعني أن خسارة 100 جنيه تحقق ضررا أكبر في نفس الإنسان من المنفعة التي يحققها ربح 100 جنيه) وهذه الظاهرة أطلقوا عليها تسمية “تجنب الخسارة”.
وهذا يعني أن المرء يكون في العادة مستعداً لتكبد عناء وتكلفة أكبر لتجنب الخسارة من استعداده لتكبد العناء نفسه أو التكلفة في سبيل تحقيق الربح، بل إن علماء الاقتصاد السلوكي يقدرون أن التكلفة التي نستعد لتحملها في سبيل تجنب الخسارة تبلغ ضعف التكلفة التي نستعد لتحملها في سبيل تحقيق الربح.
مثلا نحن لا نفكر في أن نتنازل عن أي من ممتلكاتنا الحالية للحصول على شيء جديد منها، لأننا نعتبر فقدان الشيء الذي بحوزتنا بمثابة الخسارة، بينما الحصول على شيء جديد بمثابة ربح، وعديد من التجارب أثبتت كما سبق أن أثر الخسارة يعادل ضعف أثر الربح تقريبا. لكن الحب يحول هذه القاعدة  إلى قدرة على التخلص من الإحساس بالخسارة فبدلا من تحول المنزل إلى مخزن لأشياء لا حاجة لنا بها، نقدمها للمحتاجين ونحصل على الأجر من الله ونشعر بسعادة العطاء.
الحب شعور طبيعي تكلفته أقل من الكراهية أي أن المكسب تكلفته أقل من تجنب الخسارة أو البخل . وهذا له أثر على قرار الاستثمار  فكراهية الخسارة تجعلنا متخوفين من التجارب الجديدة، سواء في المنتجات أو الخدمات أو التجارب، وذلك خوفاً من ألا تكون ناجحة فـ (نخسر) المبلغ، الذي دفعناه أو استثمرناه فيها والزمن الذي أمضاه لتجربتها. وهذا الخوف من الخسارة يجعلنا في كثير من الأحوال أسرى لعاداتنا. وإذا اكتشفنا أن خوفنا من المخاطرة هو أمر غير منطقي (وإن كان طبيعياً لدى أغلبية البشر) فلعل ذلك يشجعنا على مزيد من التجارب وأخذ مزيد من المغامرات. بالتالي سيؤدى ذلك في النهاية إلى إعاقة التنمية التي تحتاج لاستثمارات جديدة.

_____________________

* كاتب مصري 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه