الثابت والمتغير في العلاقات الألمانية – المصرية

كان من أكثر اهتمامات الرئيس المعزول مرسي خلال زيارة ألمانيا لقائه بالجالية المصرية المقيمة هناك دون تميز، فالمعارضون قبل المؤيدين، وحرص علي الاستماع لهم دون أي تحفظ.

 

صلاح سليمان*

 وقفت ألمانيا موقفا ثابتا مؤيدا للثورة المصرية منذ بداية اندلاعها في 25 يناير وحتى الإطاحة  بالرئيس الأسبق محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب انتخاباً ديمقراطيا في البلاد.

ومع تولي الجنرال السيسي مقاليد السلطة في 8 يونيو 2014  بدا الموقف الألماني يأخذ شكلا متحفظا في تأييد النظام الجديد وسط وصف إعلامي ألماني لما حدث بالإنقلاب العسكري، مما دفع الدبلوماسية الألمانية إلى مطالبة مصر في أكثر من مناسبة بالحفاظ علي المسار الديمقراطي في البلاد، والعمل علي تلبية مطالب الشعب  التي طالب بها في ثورة 25 يناير. 

كانت ألمانيا مهتمة اهتماما فائقا بالثورة المصرية أثناء فعاليتها، وكانت الصحف والمواقع الإلكترونية الألمانية تنقل الحدث دقيقة بدقيقة، وبلغ تأثر بعض الصحف  بإصرار وعزيمة الشباب المصري على التغيير، أن أعلنت عن تضامنها مع مطالب المصريين في الحرية والديمقراطية ، وعنونت” مانشتات ” باللغة العربية مثل “الحرية” أو “الثورة” وغيرها، وهي سابقة لم تحدث في الصحافة الألمانية من قبل.

في تلك الأثناء كانت الدبلوماسية الألمانية نشطة هى الأخرى في تأييد الثورة، فعلى الصعيد الرسمي قام وزير الخارجية السابق غيدو فيسترفله بزيارة المتظاهرين المحتشدين في ميدان التحرير في القاهرة وأعرب لهم عن تضامن الدولة الألمانية مع مطالبهم المشروعة في الحياة الديمقراطية والحرية، وهتف المتظاهرون “تحيا ألمانيا، تحيا مصر”. وعاد “فيسترفيله” ليواصل تصريحاته قائلا : إن التغيرات التي تجتاح المنطقة لن تنجح إلا إذا نجحت مصر أولاً ، وقد وعد حينها بمساعدة الثورة المصرية وفعلا تم الاتفاق على شطب 240 مليون يورو من الديون المصرية لألمانيا كمساهمة وضمان في  استمرار المسار الديمقراطي في البلاد.

الاهتمام الألماني
هذا الاهتمام الألماني بمصر يأتي انطلاقا من أهميتها كأكبر دولة عربية ، ودورها كعامل استقرار أساسي في المنطقة الملتهبة، بل ودورها أيضا كشريك أساسي للتجارة مع ألمانيا، فهي تأتي في المرتبة الثالثة بعد السعودية والجزائر في حجم التبادل التجاري معها، وجميع الشركات الألمانية الكبري لديها فروع أو مكاتب تمثيل في مصر.

ووفقا لتقارير وزارة الخارجية الألمانية فإن ألمانيا هي ثالث دولة بعد الولايات المتحدة والصين في تصدير السلع إلى مصر، ومن المعروف أيضا أن ألمانيا قدمت مساعدات تنموية إلى مصر وصلت إلى خمسة مليارات يورو علي مدار الخمسين عاما الماضية وفي نهاية عام 2011 قدمت 112 مليون يورو لدعم الطاقات المتجددة. 

السياسة المصرية تجاه إسرائيل والعلاقات المستقرة بينهما هي أيضا من أولويات السياسة الألمانية مع مصر، وهذا الملف  تحديدا قد يسبق ملف الديمقراطية، وقد يكون هو أحد أهم الأسباب التي تمنع ألمانيا من الضغط علي مصر بشكل قوي في الوقت الحالي رغم الانتقادات الألمانية التي توجه إلى ملف حقوق الإنسان في مصر.

مرسي في ألمانيا
في 30 يناير 2013 زار الرئيس الأسبق مرسي برلين كأول رئيس منتخب بعد ثورة يناير التي نجحت في الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك، واستقبلت برلين الرئيس السابق آنذاك بحفاوة، تشجيعا للمسار الديمقراطي في مصر، وتأييداً لخيارات الشعب المصري في اختياره لرئيسه، وكان مرسي وقتها يسير في اتجاه بناء علاقات أقوي مع ألمانيا الدولة الأهم في أوروبا، وصرح أثناء الزيارة لصحيفة  فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج قائلا: ” بأنه يأمل أن يصبح الدور الألماني في مصر والشرق الأوسط أكبر من ذلك بكثير.

كان من أكثر اهتمامات مرسي في هذه الزيارة لقائه بالجالية المصرية المقيمة في البلاد دون تميز، والمعارضون قبل المؤيدين، وحرص علي الاستماع لهم دون أي تحفظ، ولم يبدي أي ضجر أو ضيق من الحوار معهم لأنه كان يعرف قيمة المصريين في الخارج كما قال، وحاول أن يبث فيهم روح الثقة عندما قال إن الجالية المصرية هي أكبر ثاني جالية في العالم بعد السعوديين تمتلك أموالا، وقال : لقد حول المصريون في عام 2012 أكثر من 19 مليار دولار داخل مصر، وراهن مرسي علي المصريين وقال إن بإمكان 12 مليون مصري في الخارج ادخار 30 مليار دولار إلى مصر.

 وأتذكر أنه عندما بدأ الحوار مع أبناء الجالية المصرية أن انتقدته بشدة باحثة مصرية تعمل في ألمانيا، وقالت  له: إنك لم تدع شباب الثورة للحوار، وهناك تغييب لدور الشباب بعد الثورة وإنهم أصبحوا بلا وزن،  لم ينفعل وتركها حتي قالت ما تريد، ثم سأله ضيف آخر متي نزلت آخر مرة ميدان التحرير؟ وأين تطهير الإعلام ؟ وقالت سيدة: لماذا أنت متمسك بالإخوان المسلمين؟

كان يجيب علي الأسئلة  بكل هدوء ودون أي انفعال، وكان حريصا علي الإشادة بالمصريين في غربتهم وناقش معهم مشاكلهم في وقت مفتوح غير محدد بمساحة زمنية.

الصحافة الألمانية
علاقة الصحافة الألمانية بالأحداث المصرية بشكل عام هى  علاقة تحكمها المهنية، وهي تصف ما يحدث علي أرض الواقع دون الدخول طرفا في معارك مصر الداخلية، لذلك نجدها تصف ما يحدث بكل واقعية فقد وصفت الإطاحة بمرسي بالانقلاب العسكري، ومازال هذا هو التعبير المتداول حتي الآن، والنظام الجديد في مصر يبذل قصاري جهده من أجل تغير هذه الصورة، لكنه لم ينجح في ذلك حتي الآن.

لهذا السبب كانت فرحة الإدارة المصرية كبيرة بدعوة ميركل التي وجهتها إلى السيسي لزيارة ألمانيا لأن مصر كنت تأمل في استغلال الزيارة لفرض الأمر الواقع علي ألمانيا، لكن الفرحة لم تطل طويلا فقد رفض رئيس البرلمان الألماني “نوربرت لامرت” مقابلة السيسي موجها في ذات الوقت انتقادات حادة لملف حقوق الإنسان في مصر.

المستشارة الألمانية لم تعترض علي انتقادات رئيس البرلمان، ولم تدافع عن نفسها أمام انتقادات حزب الخضر بشأن دعوتها للسيسي ، فهي غير معنية بالشأن الداخلي والصراعات الداخلية المصرية قدر اهتمامها ببحث الاهتمامات المشتركة بين البلدين، وأهم ملفاته هو الاستقرار في مصر لآنها تري أن المحافظة علي استقرار مصر هو أمر يهم ألمانيا والاتحاد الأوروبي كله، فألمانيا كانت وما زالت تنظر إلى الضفة الجنوبية من المتوسط علي أنها بعد استراتيجي لأمنها القومي، وكان رادولف  شاربنخ  وزير الدفاع الألماني الأسبق يكرر هذه العبارة في المنتديات، فعدم الاستقرار في دول شمال المتوسط سيشكل بالتأكيد قلاقل في الدول الأوروبية أهمها الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط والتي تسبب صداعا كبيرا لألمانيا.

____________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه