هل يقبل الله عبادة الظلمة وأعوانهم؟!

هو سؤال ابن الواقع، يحياه الناس، ويكثر طرحه، يطرحه الظالم والمظلوم في آن واحد، فالظالم وأعوانه يطرحونه بينهم وبين أنفسهم، وربما سألوا بعض شيوخهم عندما يجلس أحدهم على مائدة الإفطار.
![]() |
عصام تليمة*
هو سؤال ابن الواقع، يحياه الناس، ويكثر طرحه، يطرحه الظالم والمظلوم في آن واحد، فالظالم وأعوانه يطرحونه بينهم وبين أنفسهم، وربما سألوا بعض شيوخهم عندما يجلس أحدهم على مائدة الإفطار، ويرفع يده قائلا: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله. فهل يثق بينه وبين ربه أن الأجر قد ثبت، وأنه قد صام فعلا لله، وتقبل الله منه هذا الصوم؟ وهو ظالم مستبد، يقهر الناس، ويملأ بهم سجونه، ويسفك الدماء بلا تورع، هل يثق أن صيامه وجوعه في النهار يكفيه لرفع يده لله بالدعاء بالقبول والرضا مع ما يفعل؟
والمظلوم نفسه يسأل: هل الإسلام يقبل هذا الفصام النكد بين العبادة والسلوك، وهذا التناقض العجيب بين أن تكون قاتلا ومغتصبا، ومنتهكا لحدود الله، وأنت تصوم، فاهماً بذلك أنك قد أديت ما عليك من حق الله؟ وهل الإسلام كدين يقبل بهذه القسمة، ويقبل بأن يكفي لكل ظالم قاتل، متجاوز للحدود، ومعه من عاونوه على هذا الظلم، من مسؤولين وجنود، هل يكفيهم ساعات من النهار يصومونها؟ أو ركعات لله يقومونها؟ وهل تكفر عنهم ذلك، وتجعلهم من المقبولين؟ وهل ذهاب قاتل أو ظالم لأداء العمرة، أو الحج، يكفر عنه ذنوبه، وكيف نوفق بين ربط الإسلام بين ثمرة العبادة وهي الخلق والسلوك، وبين نصوص تبين المغفرة لمن حج، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من حج ولم يرفث رجع كيوم ولدته أمه” ألم يقل صلى الله عليه وسلم: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة”، وكيف نجمع بين تحريم الله للقتل وتوعده للقاتل بعذاب في الدنيا والآخرة، بقوله: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذابا عظيما) النساء: 93.
ونجيب عن هذه الإشكالات فنقول: أولاً: إن مسألة قبول الله لعبادة فرد أو عدم قبوله، أمر اختص الله عز وجل به نفسه فقط، ولا يملك أحد الحكم على عبادة أحد بالقبول أو الرفض، هذا من حيث العبادة وحدها.
ثانياً: ليس معنى أداء العبادة قبولها، بل معنى أداء العبادة سقوط أدائها عن من قام بها، فمن صلى ولم يخشع في صلاته، سقط عنه أداء الفرض، لكن هل تقبل الله منه؟ إن شرط قبول الصلاة الخشوع، وأداء ما افترضه الله على العبد من فروض، لا تصح الصلاة إلا بها، فقد تصح صلاة الإنسان شكلاً، لكنها لا تصح جوهراً، وكذلك الصيام، وسائر العبادات.
ثالثاً: ربط الإسلام برباط وثيق بين العبادة وثمرتها، وهي الأخلاق والسلوك، فقد يصوم إنسان ظالم في هذا الحر الشديد ما يقرب من (18) ساعة، ولكنه صيام غير مقبول، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش”، وهو الصائم الظالم لنفسه والناس، باقتراف الجرائم، وقد يصلي الإنسان لكن صلاته لا تقبل، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله عن رب العزة: “إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرا على معصيتي، وقطع نهاره في ذكري، ورحم المسكين، وابن السبيل، والأرملة، ورحم المصاب” فهل رحم الظلمة المسكين، وابن السبيل والأرملة والمصاب؟! وهل كانت العبادة سبيلا لتواضعهم، وعدم الاستطالة على الخلق؟! وذكر الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حال امرأة تكثر من الصلاة والصيام والعبادة، إلا أنها تؤذي جيرانها، فقال: هي في النار. فلم تنفعها عبادتها لأنها لم تكن مقرونة بسلوك يعزز إيمانها بالله، وحسن عبادتها له.
وإذا كان الدعاء عبادة بين العبد وربه، فإن الله تعالى لا يقبلها من قلب امتلأ بالحقد والكره للناس، والتخطيط لإيذائهم، مهما تقرب من عمل ودعاء، فأساس قبول الدعاء القلب الذي لا يظلم، يقول صلى الله عليه وسلم: “واعلموا أن الله لا يقبل الدعاء من قلب غافل لاه”. وهل هناك أكثر غفلة من الظلم، وغفلة الظالم أنه بمأمن من عقاب الله؟!
رابعاً: العبادة حق الله عز وجل، أما المغفرة من الله للإنسان، فالله عز وجل قد يغفر لظالم أخطاءه في حق الله، كتقصير في الصلاة، أو العبادة، وهذا متروك لمشيئة الله وحده، يقول تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء: 48، أما حقوق العباد من ظلم بكل ألوانه، أو الحقوق بكل مستوياتها، فمغفرتها مرهونة بعفو المظلوم، أو صاحب الحق، هذا من حيث الحقوق التي هي خالصة للعبد، لكن هناك حقوقا بين الله والعبد والمجتمع، كالاغتصاب مثلاً، فلا تملك المغتصبة أن تعفو، ولا يملك ولي المغتصبة أن يعفو، فهذا حد يجب تطبيقه، كي ينال المغتصب مغفرة الله له، وهكذا سائر الحقوق المشتركة بين الله والعباد.
خامساً: قد يكون الظالم ممن يؤدي العبادة، ويحرص عليها، ومكتبه ليل نهار يتلو فيه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد آيات الذكر الحكيم، وقراء آخرون، لكن هذه التلاوة والعبادة لا تكون حاجزا بينك وبين النار بظلمك للناس، يقول صلى الله عليه وسلم: “دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض” فكم من مسجون ترك حتى الموت بلا علاج؟ هل يكفي السجان صيام رمضان، وصدقة الفطر، وعمرة العشر الأواخر من رمضان؟ وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هنا أن حبس هرة كانت كفيلة وحدها بإدخال من حبسها النار.
قد يقول سائل: أليس الله هو الغفور الرحيم، لماذا تسددها في وجوه الظلمة؟ وأقول: يا عزيزي الظالم ومن يؤيده، إن الرحمن الرحيم هو نفسه العدل الجبار المنتقم، وهو من ذكر الرحمة مقرونة بالعقاب، حتى لا يضلك الشيطان ويخدعك، بأنك بمأمن من عقابه، قال تعالى: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) الحجر: 50،49 وهو من قال: (غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب) غافر: 3. يا عزيزي إنه الله، مالك الملك، ومحرم الظلم، ولا يقبل بظلم في كونه دون عقاب.
ليس هدفي إغلاق باب الرحمة أمام الظلمة، بل هي دعوة صادقة ليتوبوا إلى الله توبة نصوحا، إن أراداوا قبولا لطاعتهم، وباب التوبة مفتوح، وشروطها معروفة.
________________
*من علماء الأزهر
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه