عبد القادر عبد اللي يكتب: إيران تخسر الانتخابات التركية

الطريف بالأمر أن رؤساء الأحزاب السياسية التركية بعد الانتخابات أعلنوا احترامهم للإرادة الشعبية، واعترفوا بها، ولكن الإعلام التابع لإيران يروج لتزوير هذه الإرادة. يتبع

*عبد القادر عبد اللي
 
لاشك أن دولاً كثيرة في منطقتنا والعالم كانت تترقب نتائج الانتخابات التركية، وتعوّل كثيراً عليها، واعتبرها غالبية المراقبين في العالم “انتخابات مصيرية”، وهي بالفعل كذلك؛ ولكن إيران من خلال وسائل إعلامها، وخاصة العربية منها أكثر دول العالم اهتماماً بهذه الانتخابات، ونتائجها.

لأن إيران تعتبر أن ثلاثَ دول فقط بقيت في المنطقة عائقاً أمام مشروعها الإمبراطوري هي قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا تحت حكم العدالة والتنمية، وبالتالي فإن خسارة هذا الحزب الانتخابات بالنسبة إليها قضية مصيرية أيضاً، وتعول على سقوط العدالة والتنمية بالانتصار على الشعب السوري أكثر ما تعوّل على حرسها الثوري ومليشياتها الطائفية التي جلبتها من كل الأصقاع والطائرات الروسية التي تقاتل على أرض سورية.

لهذا السبب خاضت إيران حرباً إعلامية حامية الوطيس ضد حزب العدالة والتنمية في الفترة التي سبقت الانتخابات التركية، وبالتوازي مع هذه الحرب تقرّبت أكثر من القوى الكردية واليسارية التركية، وسربت مرات عديدة أنها تقدم لها الدعم، وخاصة لحزب العمال الكردستاني دون أن تنفي هذه القوى تلقيها لهذا الدعم. ولكي تجد لنفسها مبرراً بتقديم هذا الدعم، وانسجاماً مع شعارها الجديد “الموت لآل سعود” الذي حل محل “الموت لأمريكا”، روّجت بأن المملكة العربية السعودية تنفق “المليارات” من أجل نجاح العدالة والتنمية.

الانقسام السياسي التركي
بات الانقسام السياسي التركي على درجة كبيرة من الحدة لا تقل عن حدة الصراع الدائر في المنطقة العربية، فهناك تيار يمين الوسط الذي يتمثل في حزب العدالة والتنمية من جهة، وتيار يجمع تكتلين سياسيين كبيرين هما حزب الشعب الجمهوري الذي يدعي “الاشتراكية الديمقراطية العلمانية”، والتحالف الكردي-اليساري المتمثل في حزب الشعوب الديمقراطية من جهة أخرى، إضافة إلى تيار حزب الحركة القومية اليميني الرافض للاصطفاف مع أحد هذين التيارين. على الرغم من إبراز “حزب الشعب الجمهوري” علمانيته؛ ولكنه لا يعتبر التحالف مع قوى إسلامية سنيّة مثل “جماعة فتح الله غولان” يتناقض مع علمانيته، ولا يجد الإمام الفقيه في “الدولة الإسلامية” تهديداً للعلمانية، على الرغم من فتواه بأن “العلمانيين خدم الاستكبار والصهيونية”، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيران، لا تجد هذا النوع من العلمانية يمس ما تسميه “نظام الحكم الإسلامي”.

دخلت تركيا انتخابات الإعادة، أو الانتخابات المبكرة في أوضاع حرجة جداً. هناك الحرب المعلنة مع حزب العمال الكردستاني، وإرهاب داعش، وعمليات حزب وحركة التحرر الشعبي الثوري، إضافة إلى فقدان حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية لأول مرة في انتخابات السابع من يونيو/ حزيران منذ عام 2002. وقد اعتبرت القوى المعادية لحزب العدالة والتنمية أو المنافسة له هذه الظروف خطوة أولى على طريق إنهاء هذا الحزب. ولا شك أن إيران أهم القوى المنافسة والمعادية لحكم العدالة والتنمية في تركيا.

كان الطموح الإيراني هو فشل العدالة والتنمية بتشكيل حكومة بمفرده للمرة الثانية؛ ولكن على أن يحظى حزب الشعب الجمهوري بأكثر من ثلاثين بالمائة، وحزب الشعوب الديمقراطي على خمسة عشر بالمائة، وهكذا يمكن أن تجلب هذه النسبة بحسب قانون الانتخاب أكثر من نصف عدد المقاعد البرلمانية بواحد، وهي النسبة الضرورية لتشكيل حكومة. وقد صدرت استطلاعات رأي عام كثيرة أعطت لحزب الشعب الجمهوري 31%-32%، ولحزب الشعوب الديمقراطي 14%، بمعنى آخر شكلت حكومة خارج حزب العدالة والتنمية.

من جهة أخرى طُرح ما سمي “الحزب الخامس”، وهو الادعاء بأن انقساماً سيحدث في حزب العدالة التنمية بعد خسارته للمرة الثانية، وسينتج عنه حزبين صغيرين في البرلمان التركي، وكُتب عن سيناريو تشكيل حكومة من أحزاب المعارضة مع أحد هذين الحزبين الذي سيكون “غير أردوغاني” بحسب هذه الجهات.

جاءت نتيجة الانتخابات التركية معاكسة لكل هذه السيناريوهات، وحصل حزب العدالة والتنمية على أغلبية مريحة جداً في البرلمان، فاجأت حتى قيادات هذا الحزب، ولعل الاحتفالات التي عاشتها شوارع ليلة الانتخابات التركية بفوز العدالة والتنمية فريدة بشكلها، ولم تشهدها من قبل.

الإعلام التابع لإيران
لقد رسخت في تركيا بعض التقاليد الديمقراطية، فلكل حزب مشارك بالانتخابات ممثل عنه يراقب سيرها من ألفها إلى يائها، وبما أن هناك ستة عشر حزباً سياسياً مشاركاً في هذه الانتخابات، فهذا يعني وجود ستة عشر مراقبا لكل صندوق، إضافة إلى مراقبة المنظمات الدولية، ولهذا لا تستطيع الأحزاب المشاركة بالانتخابات أن تدعي التزوير أو التلاعب بالنتائج.

إضافة إلى أن نسب التصويت تقدم دليلاً قوياً على قناعة المواطن بجدوى صوته، ومن هذه الناحية يعتبر الشعب التركي من أكثر الشعوب في العالم تمسكاً بحقه الانتخابي، فقد زادت نسبة المشاركين في هذه الانتخابات عن ستة وثمانين بالمائة، فلو كان هناك شك لدى هؤلاء المصوتين بأن أصواتهم ستزور فلماذا يذهبون إلى الصناديق؟

الطريف بالأمر أن رؤساء الأحزاب السياسية التركية بعد الانتخابات أعلنوا احترامهم للإرادة الشعبية، واعترفوا بها، ولكن الإعلام التابع لإيران يروج لتزوير هذه الإرادة، هذا الخطاب بالطبع غير موجه للمواطن التركي، بل موجه إلى شعوبنا العربية، من أجل أن يقولوا: “لا فرق بين الديمقراطية الأسد أو السيسي وديمقراطية أردوغان!” ومع الأسف أن هناك كثيرا من البسطاء يصدقون هذا الكلام.

من يرصد وسائل الإعلام الممولة إيرانياً والتي تدور في الفلك الإيراني يبدو له أن إيران هي التي خسرت الانتخابات، وليس حزب الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي والحركة القومية.
__________________
*كاتب سوري متخصص في الشأن التركي

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه