عبده مغربي يكتب: تفاصيل خفية بقضية “فتاة المول” المصرية

الأزمة علي سطحيتها التي بدت عليها كشفت الكثير من الأمور التي تحكم وتتحكم في الكثير من توجهات البرامج والفضائيات في مصر، وكشفت إلي جوار ذلك أيضاً قدرة مواقع التواصل الاجتماعي. يتبع

 *عبده مغربي

انشغل الرأي العام في مصر قبل أيام بـ (هاشتاج #موتي يا ريهام) الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي حتي وصل عدد المتفاعلين معه  إلي عدة ملايين بعد ساعات قليلة من إطلاقه علي خلفية استضافة إعلامية مصرية لـ”فتاة المول” التي تعرضت لتحرش لفظي ومعنوي من متحرش وصل به التجاوز أن صفعها علي وجهها لأنها رفضت التجاوب معه وهو يطاردها في أحد “المولات” الكبرى بالقاهرة.
وحينما انتشر مقطع الاعتداء علي الفتاة بـ”اليوتيوب” ومواقع التواصل الاجتماعي قامت هذه “الإعلامية”  التي تدعي ريهام باستضافة هذه الفتاة في برنامجها علي فضائية النهار المملوكة لرجل الإعلانات في مصر علاء الكعكي، وأثناء ظهور “فتاة المول” في البرنامج تركت هاتفها مع طاقم الإعداد خارج الأستوديو، وبعد الحلقة خرجت “فتاة المول” تتهم “الإعلامية” بأنها مارست عليها ضغوطاً في الحلقة تتبنى فيه موقفاً ضدها لصالح المتحرش، فكان رد هذه “الإعلامية”  في الحلقة التالية أن عرضت صوراً خاصة بلحظات المرح لـ “فتاة المول” علي شاشة برنامجها  كدلالة  مباشرة أو غير مباشرة من وجهة نظرها علي أن المتحرش كان لدية المبررات الكافية للتحرش انطلاقاُ مما أذاعته من صور أرادت أن ترسم بها سلوكاً معيناً للفتاة استناداً إلى لقطات مرح مصورة علي هاتفها.
فكان أن قام المدون المصري وائل عباس بإطلاق هاشتاج #موتي_يا_ريهام الذي تفاعلت معه الملايين ضد “الإعلامية” التي انتهكت خصوصية الفتاة، وعرضت صوراَ خاصة قالت الفتاة بعدها إن طاقم إعداد البرنامج قد نسخوها من هاتفها الجوال الذي سلمته لهم أثناء التصوير.
فكان أن تفاعل الإعلامي الساخر باسم يوسف مع القضية، وقال إن الرد الأنسب علي هذه الفضيحة التي تم فيها السطو علي الصور الخاصة لـ”فتاة المول” ثم عرض هذه الصور علي البرنامج من دون إذنها هو مقاطعة الشركات التي ترعي هذا البرنامج، وتزايدت موجة التفاعل حتي طالب البعض بمقاطعة  ليس فقط الشركات المعلنة علي البرنامج الأزمة بل بمقاطعة جميع الشركات المعلنة علي فضائية “النهار” الأمر الذي اضطرت معه هذه الشركات وأمام التفاعل الجماهيري المتزايد أن تعلن الواحدة منها تلو الأخرى سحب رعايتها للبرنامج؛ فكان أن اضطرت القناة إلى إيقاف هذا البرنامج والاعتذار للمشاهدين حتي لا تمتد الحملة من مجرد الهجوم علي برنامج إلي الهجوم علي القناة بكاملها.

أثناء الأزمة في فضائية النهار، وفي محاولة من القناة لوقف طوفان الخسائر دخل علي الخط إعلامي آخر يدعي خالد صلاح وأراد في برنامج “آخر النهار” الذي يتقاسم تقديمه  مع زملاء آخرين علي نفس الفضائية أن يستضيف الإعلامية صاحبة الأزمة لكي ينقذها وينقذ القناة من ورطتها مع الشركات المعلنة ومع المشاهدين، وخرجت إشارات من برنامج خالد صلاح تعلن  استضافته الإعلامية صاحبة الأزمة لشرح وجهة نظرها للمشاهدين، في محاولة لإنقاذها من الخسائر التي لحقت بها وببرنامجها وبالقناة جراء انسحاب الشركات المعلنة من رعايتها للبرنامج وربما القناة إن تزايدت الحملة الشعبية، فكان أن قامت الجماهير الإليكترونية بتعديل مطالبها بأنها ستقاطع الشركات المعلنة إن هي وضعت إعلاناتها في هذا البرنامج الذي سيستضيف هذه الإعلامية، وقيل إن بعض هذه الدعوات كان وراءها رجل الإعلانات المنافس إيهاب طلعت الذي يتنافس في سوق الإعلانات مع صاحب قناة النهار علاء الكحكي.

المطرقة والسندان
العلاقة التنافسية بين الاثنين الكحكي وطلعت أوقعت  الإعلامي خالد صلاح بين المطرقة والسندان، مطرقة علاء الكحكي الذي يعمل خالد صلاح عنده وعلي فضائيته النهار، وأراد  بعد مشاورات بينهما أن ينقذا ما يمكن إنقاذه من  نصيبهما في كعكة الإعلانات المصرية الذي اهتز بسبب حادثة “فتاة المول”، وسندان إيهاب طلعت صاحب شركة الإعلانات التي لها حق الامتياز لموقع اليوم السابع الإليكتروني الإخباري الذي يترأس  خالد صلاح تحريره ويمتلك حصة فيه.

وقد تصور البعض أن دافع خالد صلاح في استضافته الإعلامية صاحبة الأزمة هو دافع مهني يمنح فيه زميلته في النهار  فرصة الدفاع عن نفسها أمام المشاهد الذي هب ضدها، بينما الأصل في الموقف وخروجها معه هو ترتيبات اقتصادية بحتة لإنقاذها وإنقاذ القناة من حملة المقاطعة التي يمكن أن تدفع الشركات المعلنة إلى سحب إعلاناتها من القناة، وأمام الصراع الناعم بين قطبي سوق الإعلانات في مصر الكعكي وطلعت والذي وقع تحت عجلاته رئيس تحرير موقع اليوم السابع جاءت الفكرة بأن خروجه مع الإعلامية صاحبة الأزمة سيتسبب في مزيد من الاحتقان تجاه قناة النهار فاقتنع علاء الكعكي بالرأي وخرج خالد صلاح من تحت عجلات الصراع الذي تورط فيه، فهو لا يريد أن يظهر بموقف المساند لعلاء الكعكي  صاحب قناة النهار التي يقدم برنامجه علي شاشاتها في مواجهة خصمه في السوق إيهاب طلعت صاحب الامتياز الإعلاني لموقعه الإليكتروني الذي وجد في الأزمة فرصته لتوجيه جزء من السوق لصالح شركته.

ومن جهة أخري فإن خالد صلاح لا يريد أن يظهر بموقف المتخاذل عن مساندة الكعكي وهو الموقف الذي اتخذه الإعلامي محمود سعد الذي رفض أن تظهر معه الإعلامية صاحبة الأزمة، واضطر كأوسط الحلول إلي أن يترك اليوم المخصص له في برنامج آخر النهار إلي خالد صلاح ليتولى المهمة، مهمة تجميل وجه الإعلامية صاحبة الأزمة، وتجميل وجه القناة، وهذه الخيوط الخفية  في هذه المعركة ما كان يمكن لها أن تتكشف لو لم يقم الإعلامي باسم يوسف بتطوير الهجوم الإليكتروني من مجرد #موتي_يا_ريهام إلى موقف واضح ومباشر من الشركات التي تساند الإعلام المشبوه في مصر.

الأزمة علي سطحيتها التي بدت عليها كشفت الكثير من الأمور التي تحكم وتتحكم في الكثير من توجهات البرامج والفضائيات في مصر، وكشفت إلي جوار ذلك  أيضاً قدرة مواقع التواصل الاجتماعي علي التأثير والتوجيه في الواقع  السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعد أن تراجع دورها إلي حد بعيد عن النقطة التي كانت عليها في الأعوام السابقة وكانت عاملاً مؤثراً في تحركات الجماهير.
______________
*كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه