محاكمات مرسي بين الواقع والمشروعية

إن تغيير المسار من المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة إلى خارطة طريق للعسكر جرى في غيبة القانون وبعد تعطيل الدستور الذي يحكم التصرفات في الفترة من 30 يونيو إلى 3 يوليو 2013

منتصر الزيات*

 
تدخل محاكمات الرئيس محمد مرسي وطاقمه الرئاسي مرحلة حاسمة باقترابها من النهاية على الأقل في الجزء الأول منها , فقد اقتربت مرافعات الدفاع من نهايتها بما يقتضي دخول المحاكم التي تتناول قضاياه إلى المداولة تمهيدا لإصدار الأحكام.

وغني عن البيان القول إن المراحل التالية أكثر أهمية والتي تتعلق بالطعن على هذه الأحكام فيما لو اشتملت على الإدانة، ونظر محكمة النقض للطعون، وفي حالة قبولها ستعاد المحاكمة أمام هيئات قضائية جديدة تختلف عن التي نظرت جولتها الأولى.

سيناريو المحاكمة:
يبقى سيناريو محاكمات القرن التي حاكمت المخلوع مبارك، وأركان نظامه هو الأقرب والماثل في الأذهان عند المقارنة بين الحدثين الكبيرين، فمصر تحاكم أخر فراعنتها قبل الانقلاب وتحاكم أيضا أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير.

لكن المقاربة ليست حاضرة فمصر التي حاكمت مبارك نفذت ذلك بعناية، فأجهزة مبارك هي التي قامت بكل التفاصيل التي تضمن النتيجة التي عايشناها لحظة بلحظة ونتوقع النهاية الحزينة على النحو الذي جرت به.

وتلك الأجهزة أخفت أدلة وغيبت شهودا فاعلين، وحاكمت الرجل على وقائع جرت بعد قيام الشعب بثورته ضده بينما الأقرب للمنطق ومقتضيات العدالة أن تتم المحاكمة على جرائم وقعت طوال فترة حكمه سواء كانت جنائية، أو سياسية بينما نشطت تلك الأجهزة في تحصيل كل أدلة الثبوت والإدانة ضد الرئيس محمد مرسي وجمعت شهود زور حتى تسئ إلى المركز القانوني للرجل.

شرعية المحاكمة وعدم مشروعيتها :
وقد تمسك الرئيس محمد مرسي منذ ظهر لأول مرة أمام محكمة جنايات القاهرة التي تحاكمه فيما سمي “قضية الاتحادية” ببطلان محاكمته وعدم مشروعيتها , وهو الأمر الذي سار عليه دفاعه في كل مسارات المحاكمة باعتبار أن الدستور الذي كان نافذا حتى الثالث من يوليو 2013 حدد حالات محاكمة رئيس الجمهورية ووفقا للمادة 152 منه على أنه: “يحاكم رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضوية أقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام، وإذا قام بأحدهم مانع حل محله من يليه فى الأقدمية”.

بينما يرى أخرون أن الحالة الوحيدة التي يمكن أن تفيد مرسي ودفاعه بعدم اختصاص المحكمة هي موقف المحكمة مما حدث في 30 يونيو فإذا لم تعتبره ثورة يمكن في هذه الحالة أن تعتبر مرسي رئيسا ومن ثم تقضي بقبول الدفع بعدم الاختصاص وهو احتمال صعب الرجحان

سيناريو المحاكمة وحقيقة الاتهامات :
قدمت النيابة العامة حتى الآن ثلاث قرارات اتهام أحالت بهم أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير إلى المحاكمة فاتهمته أولا بالاشتراك بالتحريض مع أخرين على قتل الحسيني أبو ضيف وأخر الذين وصفتهم بالتظاهر السلمي أمام قصر الاتحادية، واتهمته ثانيا بالهروب من سجن وادي النطرون يوم 29 يناير 2011 والاشتراك مع أخرين منهم حركة حماس الفلسطينية، وحزب الله الشيعي والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالتحريض على اقتحام السجون، ووقائع القتل التي صاحبت فتح السجون، وتهريب المسجونين، وإشاعة الفوضى في البلاد، واتهمته ثالثا بالتخابر مع منظمة وجهة أجنبية هي حركة حماس الفلسطينية، والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين والمساس بوحدة الدولة وسلامة أراضيها .

وكان اللافت أن النيابة العامة استندت في خيط رفيع يجمع بين القضايا الثلاثة باعتبار أن هناك مؤامرة كونية جرت منذ 25 يناير 2011 لهز استقرار المنطقة وتقسيم العالم العربي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وشارك في تنفيذها حركة حماس وحزب الله وإيران والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

واستعير هنا نصا من الأوراق ما ينقل القارئ لمعايشة ما يجري في تلك المحاكمات ” إن اقتحام سجن وادي النطرون ما هو إلا حلقة ضيقة في مخطط أوسع أعدته جماعة الاخوان المسلمين داخل البلاد بتوجيهات من التنظيم الدولي الإخواني بالتنسيق مع حركة حماس وحزب الله الايراني، ودولتي ايران وقطر وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية .. وبدأت خيوط المؤامرة الاخوانية مع الإدارة الامريكية خلال عام 2005 في أعقاب اعلان وزيرة الخارجية الامريكية لصحيفة الواشنطن بوست على الفوضى الخلاقة، وهو الأمر الذي توافق مع رغبة التنظيم الدولي الإخواني في السيطرة على الحكم بمشاركة التنظيمات والدول السابقة الإشارة إليها سلفا , حيث بدأ هذا المخطط باستثمار حالة السخط والغضب الشعبي على النظام القائم أنداك , وحال اتخاذ الجماعة قرارها بقلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة “.

جاءت التسريبات على غير موعد لتؤكد حجم التآمر على الرجل الأسير بينما هو لا حول له ولا قوة, وأن الحقيقة التي باتت لا تقبل إثبات العكس أن رئيس الجمهورية المنتخب تم اختطافه دون أمر قضائي مسبب, وأن ما جرى يوم 30 يونيو لا يوفر حصانة لكل الإجراءات التي وقعت بحقه، وأن تغيير المسار من المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة إلى خارطة طريق للعسكر جرى في غيبة القانون وبعد تعطيل الدستور الذي يحكم كل التصرفات في الفترة من 30 يونيو إلى 3 يوليو 2013

أنطق الله اللواء ممدوح شاهين الحق في غير مقطع من مقاطع التسريب الأول الذي تعلق باحتجاز الرئيس ” كل اللي حصل من 30 يونيو لغاية محاكمة الرئيس حيبقى باطل” وعبثا حاولت النيابة العامة منع طرح أمر التسريبات على الهيئات القضائية التي تنظر محاكمة الرئيس لكن الأمر بقي وأصبحت تلك التسريبات أحد أهم الأدلة المطروحة عليها ويقتضي الموقف حسمها بحكم يعالج الشكل قبل الموضوع , فإذا بدا في الأفق مدي ركاكة الأدلة يبقي الشكل فاضحا في تلفيق أسس المحاكمة.
 وتبقي سمعة القضاء المصري على المحك

_______________

* كاتب – ومحام مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه