“إمارة الدندراوية” في صعيد مصر

المسافة بين “عاصمة الإمارة” وقريتي الصغيرة “نجع الشيخ عبيد” في أقصي صعيد مصر، قصيرة جداً، لكن ما أبعدها المسافة التي تفصلني عن حقيقتهم، عن تاريخهم، عن نظام الحكم في دولتهم.

 عبده مغربي*

المسافة بين “عاصمة الإمارة ” و قريتي الصغيرة ” نجع الشيخ عبيد ” في أقصي صعيد مصر، قصيرة جداً ، لكن ما أبعدها المسافة التي تفصلني عن حقيقتهم ، عن تاريخهم ، عن نظام الحكم في  دولتهم ، عن أميرهم الذي أخذ البيعة منهم ، فصار حاكماً لـ ” أكثر من 60  مليوناً ”  من البشر ينتشرون في أربعة أنحاء المعمورة .

عن دولة العمامات البيضاء ، عن “الأسرة  الدندراوية ” أتحدث .. وما أعجبه من حديث.

مُذ كنت صغيراً في قريتي ، التي تنتهج التصوف بحكم منهج الأجداد ، الذي توارثناه لعقود ، كنت وأنا صغير حينما أذهب إلي ” مدينة قنا ” أري أحياناً رهطاً من الرجال يسيرون مع بعضهم البعض في مشهد ملفت للنظر ، يرتدون الملابس الفضفاضة، جلبابهم أبيض، وعمامتهم كذلك، والتي يميزها عن  بقية عمائم أهل الصعيد  أن بها ” هدبة ” تتدلي  علي الكتف ، ما أن تراها ، حتي تعرف أنهم من “الأسرة الدندراوية ” .

التصوف منهج غالب  في  جنوب الصعيد ، وتشعُب الطرق الصوفية ، يضفي تنوعاَ في صورة وشكل أتباعها ، فمن “الشاذلية” أتباع الإمام أبو الحسن الشاذلي ، إلي ” الرفاعية ” أتباع السيد أحمد الرفاعي ، إلي ” الدسوقية ” أتباع السيد إبراهيم الدسوقي ، إلي ” الأحمدية ” أتباع السيد البدوي ، وغيرها من الجماعات الصوفية ، تراهم يختلفون في مظهرهم باختلاف مشربهم الصوفي.

وهذا جعلني أنظر لـ ” الدندراوية ” على أنهم ليسوا أكثر من مجرد ” طريقة  صوفية ”  مثل بقية  “الطرق الصوفية ” حتي فاجأتني الصدفة قبل أيام ، بمستشرقة  إنجليزية ، تزور مصر حالياً ، التقيتها في رحاب الإمام الحسين بمنطقة  الأزهر بالقاهرة الفاطمية، وحكت لي كلاماً جديداَ عن ” الأسرة الدندراوية ” ومنهجهم الفكري الذي تري أنه تجسيداً للإسلام الحضاري ، الذي كان يجب أن يلقي الرعاية من الدول العربية والإسلامية كبديل متطور عن كل “الجماعات الإسلامية ” التي تري أنها أساءت للدين الإسلامي ، واستغربت كثيراً ، كيف لا يتم تدريس ” الوثيقة البيضاء” في الأزهر الشريف ، سألتها : وما هي ” الوثيقة البيضاء؟. ” قالت : “دستور الأسرة الدندراوية”.

قلت ، وهل لهم دستور؟ ، قالت : ولهم  إمارة أيضاً ، إمارة لها أتباع ينتشرون في  إنجلترا ، وأفغانستان ، وباكستان ، وماليزيا ، واليمن ، ولبنان وسوريا ، والمغرب ، وتونس ، والسودان ، وغيرها من البلدان ، ثم أخرجت لي كتاباَ من القطع المتوسط  عنوانه ” الوثيقة البيضاء ” عدد صفحاته 1043 ، مكون من 4 فصول ، الأول تمهيد وتعريف بمنهج ” الأسرة الدندراوية ” والثاني ” الإصلاح والمصلحون ” والثالث ” توصيف الأداء ” والرابع ” التأسيس والأساس “.

ويشرح  في مجمله منهج الأسرة الدندراوية  ” التكوين والكيان ” ، و لشدة ما رأيته من استنكار عند المستشرقة “جوانا ”  من أننا  قصرنا في حق ديننا الإسلامي كون أننا كإعلاميين وصحفيين ، لا نلقي الضوء علي مثل هذه الجماعات ، التي تعطي صورة رائعة عن الإسلام ، فيما ننشط كثيراً بتسليط الضوء علي الجماعات المتطرفة التي تقدم النموذج الأسوأ عن الإسلام ، أثارني حديثها حتي  بحثت عن الكتاب ، واشتريت نسخة منه.

ثم بدأت رحلتي في البحث عن هذه الجماعة ، لأكتشف وأنا الأقرب منها جغرافياً  -حوالي 10 كيلومترات بين قريتي نجع الشيخ عبيد في أبنود بقنا ، وقرية دندرة ، عاصمة الخلافة في ” إمارة  الدندراوية- أنني الأبعد كثيراً عنها مقارنة بالباحثة الإنجليزية  التي تقول أنها أصبحت “دندراوية” ، وأنها في رحلتها القادمة إلي مصر ، ستبايع الأمير هاشم بن الأمير الفضل ، التي تقول أنه أسر القلوب في الصعيد ، حتي بايعه الأقباط الذين انضموا لإمارته، وهم علي دين غير الدين .

سألت عن الأمير هاشم ، وبحثت في شبكة الأنترنت ، وعرفت أنه الأمير الرابع في “إمارة الدندراوية “، التي نشأت علي يد محمد الدندراوي ، الملقب بالسلطان ، والذي يعتبر الجد المعنوي للدندراويين ، مهما اختلفت أنسابهم أو أعراقهم أو جنسياتهم ، وجاء في إحدى الرسائل التعريفية  بالفكر الدندراوي ، بقلم أميرها الأمير الفضل بن العباس ، أن جدهم محمد هو من أحفاد السلطان اليوسف ، من ذرية الشريف إدريس الأول ، مؤسس دولة الأدارسة في المغرب العربي ، وحفيد الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه ، وهي معلومة علي عكس ما يشاع من أنهم أحفاد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

بعد انتقال الأمير الفضل إلي رحاب ربه في شهر يناير 2011 ،  شهدت قرية ” دندرة ” عاصمة إمارتهم ، حفل تنصيب الأمير هاشم ، حاكماً جديداً للإمارة في  27 يونيو من العام 2011  ، بحضور ممثلين عن ساحات الدندراوية في العالم ، وشهدت القرية  البعيدة حضوراَ ملفتاً للانتباه من جنسيات مختلفة من أعضاء ” الأسرة الدندراوية ” التي   أصبح ينتسب إليها مختلف أطياف المجتمع،  بفئاته  المختلفة، ما بين  أساتذة وعمداء كليات ، إلي رجال أعمال ، ورجال برلمان ، ثم  البسطاء الذين انضموا للأسرة وأصبحوا يشكلون تجمعاً ملفتاً  انتشر  في مختلف محافظات الجمهورية ، وعدد من بلدان أوروبا وأسيا ، وبعض الدول الإفريقية ، لكن يبقي مقرهم علي شارع صلاح سالم في القاهرة “كعبة القصاد”  ممن أثارهم الفضول للانضمام إلي  “الأسرة الدندراوية ” ، حيث يتم استقبالهم ، وتوفر لهم “الأسرة ” إقامة شاملة، ودورات تدريبية، للتعريف بمنهجها التنظيمي والفكري ، ليعودوا بعدها إلي بلدانهم ، سفراء دعوة للأسرة الدندراوية  في بلدان العالم التي أتوا منها .

_______________

كاتب وصحفي مصري

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه