حتي التصوف لم يخلو من عبث أجهزة المخابرات

عبده مغربي*

 
أن يَغطٌس بحيث لا يُري منه شيء ، وقال  : “طُلُم” ،  و “طُلُم” هي كلمة دارجة في صعيد مصر ،  تُعبِر عن صوت الحجر لحظة سقوطه في الماء، وبهذه الكلمة “طُلُم”  وصف الإمام أحمد أبو الحسن  رحمه الله  المُريد عندما يدخل إلي حال التصوف الحق، يسقط من حوله، إلي حولٍ آخر، كمثل حجر سقط في الماء فلا يُري منه شيء ، ينفصل عن العالم الحسي، إلي فضاء الروح .
والمتصوف علي هذه الحال يٌفتَرض أنه منعزل عن الدنيا بملذاتها، إلي لذة الوصال بالمحبوب ، وللمتصوفة أحوال وأحوال ، فمنهم من هو هائم بالله، ومن هو هائم برسول الله ، ومن هو هائم بأهل الله ، وفي الله ولله وعلي الله تتقلب أمورهم من حالٍ إلي حال .
 هكذا كان حال أهل التصوف، قبل أن تُعكر صفوهم أطماع الدنيا وزينتها، وقبل أن يصبحوا – وهم التجمع الأكبر في مصر – هدفاً لأجهزة الاستخبارات العالمية ، التي بدأت تعبث في وجدان المتصوفة  حتى أفقدتهم  أجمل ما في التصوف من صفات؛ أفقدتهم “زهده وروحانيته ” .
    قبل ثلاثة أسابيع تقريبا جمع لقاء بين الدكتور سعد الدين إبراهيم رئيس مركز بن خلدون ، والشيخ علاء ماضي أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية، وهو لقاء ترجم الحال التي وصل إليها التصوف والصوفية  بمصر حينما تلون نهجهم باللون السياسي ، بكل ما تحمله السياسية من تقلبات وأغراض لا يمكن أن يستقيم معها حال المتصوف الحق .
  والشيخ علاء ماضي أبو العزايم ، شيخ الطريقة العزمية ، رجل ٌ حارت فيه العقول ، فهو الصوفي الذي أسس أول حزب سياسي للصوفية  في مصر، ثم تبين بعد ذلك أنه حزب للشيعة ، قبل أن يستقل به الجيولوجي الشهير إبراهيم زهران  صاحب قضية وقف تصدير الغاز لإسرائيل  ، ليصبح حزباً علمانياً ،  ثلاثة يتصارعون على حزب التحرير ، الشيخ أبو العزايم  وسماه حزب التحرير الصوفي ، والثاني الدكتور راسم النفيس وسماه حزب التحرير الشيعي ، والأخير الذي تعترف به الدولة المصرية، وسماه حزب التحرير المصري ، مجرداً من أي وصف ديني .
  وقد نشأ هذا الحزب في أعقاب ثورة 25 يناير ، وسعي أبو العزايم لأن يعتبره حزباً للصوفية بعد أن أصبح للسلفيين حزب، وللإخوان المسلمين حزب ، وسعي الدكتور راسم النفيس لأن يجعله حزباً للشيعة وفق نفس الرؤية ، لكن الدكتور زهران  استقل به من الاثنين واختار له النهج العلماني .
  اشتعل الصراع بين ” الشيخ ” علاء أبو العزايم ، والدكتور أحمد  راسم النفيس ، والجيولوجي إبراهيم زهران حول من له الأحقية في هذا الحزب، وهو صراع دائر حتي اللحظة في المحكمة الإدارية العليا ، صراع تراقبه السفارة الإيرانية في مصر كون أن السفير هادي مجتبي صديق مقرب للثلاثة ، “راسم”  و “علاء ” و” زهران”  .. “راسم ” بصفته واحد من أهم منظري الشيعة في مصر، و”علاء”  بصفته المتصوف الذي أبحر بالتصوف إلي شاطئ التشيع ، و” زهران ” صاحب أشهر قضية انتهت بوقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل وهو بذلك قريب من النهج الإيراني في سياسته المعادية لإسرائيل .
بحثت عن العلاقة التي جمعت الثلاثة في حزب واحد ” حزب التحرير” قبل أن يتنازعوا  قيادته ، فاكتشفت أن “سماحة الشيخ علاء ” كما يلقبه أتباعه ، هو في الأساس جيولوجي وكان موظفاً في الهيئة العامة للبترول قبل أن يقدم استقالته  احتجاجا علي نقله من الاستكشاف ، بعد معلومات عن تسريب قاعدة بيانات الهيئة للشركات الخاصة، إذن الجيولوجيا هي التي جمعت في السابق بين زهران والشيخ علاء ، وهي التي كانت سبباً في الجمع بينهما مرة أخري عندما تعاونا علي تأسيس حزب “التحرير” . وقد جمع التشيع بين علاء وراسم النفيس ، فكان حضور السفير الإيراني طبيعياً لكل فعاليات الحزب ، حتي أن حزب التحرير بوضعيته هذه كان سبباً في أن يتعرض اللواء مراد موافي لموقف محرج جداً ، حينما تمت دعوته من الشيخ علاء بوصفة رئيساً لحزب التحرير إلي حفل إفطار في شهر رمضان ، وقبل أن يصل رئيس الاستخبارات المصري السابق إلي منزله بعد انتهاء الحفل  كانت صورته جنباً إلي جنب مع السفير الإيراني هادي مجتبي علي طاولة الإفطار قد انتشرت علي شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت ، وهي صورة قيل وقتها أنه دُفعت  فيها مئة ألف دولار مكافأة ، وعرضت الرجل لموقف محرج مع الدولة. 
لقد أفسدت السياسة التصوف ، أفسدته في الصراع الذي دار بين علاء أبو العزايم والدكتور عبد الهادي القصبي للفوز برئاسة المجلس الأعلى للطرق الصوفية ، ووصل إلي حد المحاكم أيضاً ، قبل أن ينتصر فيه القصبي بدعم ملموس من الدولة  علي أبو العزايم الذي قيل أن سفرياته المتعددة إلي إيران وأمريكا كانت سبباً في تخوفات لدي الدولة من أن يستقل بموقع سياسي أو ديني فيها ، سواء المجلس الأعلى للطرق الصوفية ، أو الحزب السياسي ،  نعم لقد أفسدت السياسة التصوف ، أفسدته حينما أراد له أبو العزايم أن يدخل حلبة الصراع السياسي ، حتي أصبح المٌريد السالك طريقاً إلي الله ، يحول وجهته ويسلك طريق الدنيا ، وأفسدت أجهزة الاستخبارات التصوف في مصر حينما دخلت فرنسا علي الخط  ودشنت باريس  ما سمي بـ ” الاتحاد العالمي للطرق الصوفية ” في أغسطس 2013 ، رغم أنه لم يكن أكثر من مجرد تجمع صغير من أتباع أبو العزايم في مصر ومنهم “الشيخ الشبراوي ” ، حيث  سافروا إلي باريس  لهذا الغرض ، علي الرغم من أن باريس لم يذكر لنا التاريخ أنها كانت قبلة في يوم من الأيام  لأحد مشايخ التصوف الأوائل ، سافروا برعاية غامضة من الحكومة الفرنسية ، رعاية طرحت العديد من الأسئلة حول الجهة التي مولت السفر والإقامة ، والجهة التي تكفلت شراء مقر لهذا الإتحاد في باريس ، ثم تأسيس مقر له في القاهرة الجديدة ، وهي مبالغ بملايين الدولارات ، لا يعرف طبيعة ولا هوية الجهة ولا الأهداف الحقيقية  وراء تأسيس هذا الكيان ” العالمي ” الذي خلا من العالمية تماماً بعدما تبين أنه لم تشارك فيه ولا طريقة صوفية  واحدة  سواء من المملكة المغربية أو الجزائر أو موريتانيا أو ليبيا ، أو أي من دول إفريقيا أو أسيا ، لم يكن سوي تجمع بسيط  في باريس لعدد من أتباع أبو العزايم بمصر .

_______________

*كاتب وصحفي مصري 

 

 

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه