ورحل مبارك.. خبر تمنيناه فلما رحل ترحمنا عليه!

فقد جاء خبر وفاة الرجل وقد صار أكثر الناقمين عليه أنداك مترحمون على أيامه، وأصبحنا نوازن بين الشر الذي تمنينا زواله والأشر الذي وقعنا فيه

 

كان من الممكن أن يكون الخبر الذي أعلنه التلفزيون المصري اليوم حول وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كفيلا وحده بأن يهز مصر من شمالها إلى جنوبها فرحا في الغالب أو حزنا أحيانا، بل وأن يكون الخبر في حد ذاته ثورة قبل الثورة، وأن يتصدر كافة وسائل الاعلام العالمية بلا استثناء، لو كان حدث ذلك قبل عشر  سنوات من الآن.

وقتها كان سيعتبر الناس ذلك تغييرا ربانيا – حتى لو كان شكليا – في حكم وصل لمرحلة قصوى من الاستقرار والثبات والتجذر، لدرجة أدرك معها خصومه أنه لا يمكن اسقاطه بفعل عمل شعبي.

وربما فتح هذا الحدث أفاق الأمل لدى الحالمين لخلق مسار ديمقراطي كامل وتداول للسلطة بعدما تاقت نفوس الناس آنداك لأن يسمعوا لـ “ملهم” غيره يقضي على الفساد والمحسوبية والرشوة ويعطي اعتبارا لدولة القانون، كما يحدث في كثير من بلدان العالم المبتلاة بـ “داء الديمقراطية”.

خبر باهت

لكن فيما يبدو أن الله لم يرد للمصريين السعادة، فقد جاء خبر وفاة الرجل وقد صار أكثر الناقمين عليه آنداك مترحمون على أيامه، وأصبحنا نوازن بين الشر الذي تمنينا زواله والأشر الذي وقعنا فيه، والضر الذي كان والأضر الذي أمسى جاثما على صدورنا، وأصبح حال أكثر من يطلق عليهم الأغلبية الصامتة يردد المثل “ما اسخم من ستي إلا سيدي”.

وقد تلقى المصريون الخبر بشيء من الفتور، تماما كما يتلقى أحدهم خبر وفاة شخص يعرفه بشكل سطحي في العمارة أو الشارع الذي يقطن فيها، وقد ساهم في صناعة هذا الفتور تكرار الأخبار التي تداولتها المواقع طيلة السنوات الماضية عن وفاته أو وفاة السيدة زوجته ثم يثبت كذبها.

وكذلك حالة الانشغال التي يعيشها المصريون جراء همومهم الداخلية وغلاء المعيشة لم يترك لهم مجالا للتفكير كثيرا في هذا الحدث الذي لا يغني أو يسمن.      

وفي الواقع كان هناك فقر ولكن لم يكن هناك جوع كما هو الآن، ووجد فساد ولكن كان يوجد تكيف شعبي معه، وكان هناك ظلم ولكن كان معه شيء من ردع بسلطة القانون، وكان للشرطة تغول ولكن كان هناك ما يردعها من قوى مجتمع مدني واعلام ونخب وقضاء فضلا عن أنها كانت تقوم بدور في حفظ الامن في الشارع ولم تكن هي مصدر الفزع لدى الناس كما يحدث حاليا.

كانت المؤسسات مترهلة وفاسدة ومع ذلك حاولت أن تحتفظ بالحد الأدنى من مهام وظيفتها، ولم تهدرها وتقوم بعكسها كما يحدث الان.

 لجأت السلطة آنداك لتغليف مواقفها وإجراءاتها بمبررات تبدو منطقية بدلا من تلك السلطة التي تقوم بتصنيع الخطأ من أجل تبرير الخطيئة التي ستقوم بها.

كانت سلطة مبارك تحاول الظهور بمظهر الديمقراطية بينما تجتهد سلطة السيسي في التدليل على قسوة إجراءاتها القمعية وأنها تنفذ ما تريد دون الحاجة للتبرير ودون أي رادع على الإطلاق، حتى صار الجميع يدرك أن ما تريده السلطة تفعله بأقسى الطرق وأكثرها وحشية.

واحد من الناس

كنت واحدا من الناس الذين انشغلوا كثيرا بصحة مبارك ورأيت في أخبار مرضه قبل ثورة يناير نافذة للتغيير، ولما حدثت الثورة وتنحى الرجل اعتبرت أن أعظم احلامي في الحياة تحققت، وأن شمس الحرية أشرقت على مصر، لدرجة أنني في يوم من غير أيام المظاهرات تعمدت أن أصلي صلاة الشكر بميدان التحرير.

وأسست مع زملاء حركة صغيرة طموحة تحت مسمى “الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك “، استضافتني بسببها معظم الفضائيات المصرية، وأسهبت في تعديد جرائم مبارك حتى ركزت في أحداث التسعينيات الخاصة بقمع الجماعات الإسلامية وما شابها من جرائم حتى بدأ الإعلام ينصرف عني، وقتها شعرت أن من ارتكب تلك الأحداث كان ما زال حاكما وينوي أن يكررها، وقد كررها بشكل أكثر بشاعة وفجاجة.

وقتها خشيت أن يتم تسخيري دون قصد وتسخير الحركة في تحقيق أهداف خاصة بنزاع بين أقطاب السلطة العسكرية الحاكمة، فأعلنت إلغائها.

ولعل القرار الذي اتخذته السلطة بتشييع مبارك في جنازة عسكرية، بزعم كونه أحد كبار قادة القوات المسلحة في حرب أكتوبر لدليل بين أن النظام الحاكم هو النسخة الأكثر قمعا واستهانة باردة الشعب من نظام ثرنا عليه في يناير 2011،

بينما قام نفس هذا النظام بدفن أول وآخر رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر سرا وفي جنح الظلام ودون تحقيق جدي في ملابسات استشهاده.

______

وأقرأ أيضا

أشرف بدر الدين يكتب: عندما قررت ألا أرى حسني مبارك. اضغط هنا

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه