مات بشرف ولا عزاء للشبيحة

ما الإخوان إلا ذريعة أما الهدف فمصر القوية القادرة على أخذ مكان القيادة في أمة مضطهدة داخل جسمها سرطان مدمر لا يسمح لها بالتعافي والخروج إلى ضوء الحضارة والتقدم>

 

لو كان للمرء أن يختار نهايته لاختار ميتة شريفة تخلد الذكر وترفع من قدر السلف والخلف، وإني أرى محمد مرسي رئيس مصر الشرعي المنتخب قد حظي بها.

ولعله حظي بالشهادة على نفسه وعلى قومه من حوله ومن بعده. وإني أرى من موته بعد قهره وجيعة لمصر وللعرب ولقضيتهم المركزية، وقد كان أولى بفهم هذا والعمل قوم صموا آذاننا منذ سبعين عاما بحديث التحرير والبناء واتخذوا له وثنا لا يبرحونه فلما آن أوان التحرير والبناء نكصوا على أعقابهم ترهقهم ذلة الخونة فعاشوا بعد مرسى صاغرين.

مصر هدف وليس الإخوان.

ما الإخوان إلا ذريعة أما الهدف فمصر القوية القادرة على أخذ مكان القيادة في أمة مضطهدة داخل جسمها سرطان مدمر لا يسمح لها بالتعافي والخروج إلى ضوء الحضارة والتقدم. مصير مرسي هو مصير كل حاكم وطني ظهر على خريطة الأمة العربية.

سيظل أعداء مرسي والإخوان في الداخل يجادلون في وطنيته ويبحثون عن تبريرات لخيانتهم للتجربة المصرية الديمقراطية الأولى في التاريخ الحديث؛ ولكن تكالب الصهاينة على التجربة ولو بحصرها في شخص مرسي وحزبه الإسلامي أكبر علامة على وطنيته وعلى إخلاصه لشعبه ولأمته.
لقد صم خونة الداخل آذانهم عن صرخته أن لا يترك غزة وحدها وتعرف غزة من نصرها ويعرف العدو من سرب السلاح ومن كسر الأنفاق ومن مول المقاومة في سنة واحدة من حكمه فاكسب أهل فلسطين منعة وقوى شوكتهم فصمدوا بعده.

لقد كان كسر مصر وإذلالها هدف دائم فأعداء مصر والعرب يعرفون ربما أكثر من العرب بل يقينا ثقل مصر ودورها وقتها إذا خاضت معركة تحرير. وهنا يستوي مرسي مع أي احتمال حكم وطني يدفع مصر للقيام بدورها العربي والإنساني.

في جيشان العاطفة على غياب هذا الوعي داخل جيش مصر أو بالأحرى داخل قيادته التي خانت ترتفع الأصوات المقهورة بلعن كل جيش المعونة وتطلق كل ألوان الشتائم والتشكيك ولكن بعد كل جيشان عاطفي تحل لحظة عقل فتظهر الحقيقة لا معركة تحرير بدون مصر وجيشها وشعبها الذي مضغ القهر المر وصبر. نعم مرسي وتجربة عام من الديمقراطية كان قوة لمصر وشعبها وكان فتحا على طريق تحرير نصف العرب وجر النصف الآخر إلى معركة مجد وحرية.

عام الحرية عام القوة

كسالى النقد الديمقراطي أو ثوار الكنبة يحكمون على فترة حكم مرسي كما لو أنها فترة مبارك في حين أنها لم تكمل سنة. حافظ فيها الرجل على سقف من الحرية لم تعرفه مصر في تاريخها وكان هو أول ضحاياها ولكنه احتمل. عام قرأنا بعض مؤشراته في إنتاج غذاء المصريين ورفع مقدراتهم على الاستقلال وكسر التبعية للتمويل الأجنبي بالهبات المذلة.

تبين لنا بعد انكسار التجربة أن الأخونة كانت دعاية مضللة وأن الرجل فتح احتمالات لحكم تشاركي عرض فيه المناصب القيادية على خصومه قبل حزبه. فنكصوا عاملين على هدم التجربة وهدم البلد فوق رؤوسهم قبل رأس مرسي وإخوانه. وقد أفلحوا في الهدم وهم الآن تحت أنقاض مصر لا فوق أهراماتها. ماذا جنوا بعد مرسي؟ لن يملكوا شجاعة النقد الذاتي ولا شجاعة الاعتذار لمصر قبل الاعتذار لمرسي الذي انتهى رجلا شريفا ولم يبدل.

هل كانت سنة مثالية تنزه مرسي وجماعته عن أخطاء السياسة؟ لقد كانت سنة أولى حرية وكانت سنة أولى ديمقراطية وسنة أولى انعتاق لم تسند من نخبتها بل عطلت وحوربت وأطلقت عليها كلاب عاوية من كل أركان الأرض. يحكم التاريخ الآن لمرسي وتجربته ويحكم التاريخ الآن على كل مدني وقف مع العسكر ضد الدولة المدنية، وبرر للعسكر مجزرته التاريخية في حق شعب أعزل.

ما بعد مرسي؟

لم يتغير بموته شيء كثير ولن تحدث ثورة مصرية في الوضع الحالي لأن شروط الانقلاب عليه لا تزال فعالة رغم الرعب في قلب السيسي. فالقوة الغاشمة لا تزال متجمعة في جهة واحدة هي جهة العسكر الخائن ومن نصره منذ البداية. بل نرى أن صفقة القرن تعقد عمليا بوضع جيش مصر خارج معركته القومية التي لن يخوضها بهذه القيادة.

العبث بمقدرات المنطقة لا يزال متواصلا بنفس الوتيرة لعام الانقلاب. بل زاد الضخ الخليجي في تعفين الوضع في أكثر من قطر ومن منطقة. بإمكاننا كتابة آلاف الصفحات عن دور المال الخليجي الفاسد والمفسد ولكن لا أهمية لهذا المال وأصحابه إذا تحركت مصر في اتجاه مرسي أي في اتجاه فلسطين. الصهاينة أكثر من يعرف ذلك لذلك فإن هذا التحرك لن يحدث في المدى المنظور.

هل تقر النخبة المصرية بخطئها القاتل ضد الديمقراطية؟ ليس فيها رجل شجاع يعترف بذلك. إنها نخبة ميتة وتنتظر الدفن وفي غياب نخبة جديدة تنطلق من عام الحرية وتبني عليه لن تتجدد النخبة بل سنقرأ في كل ذكرى خطاب الشماتة في الموت والفرح بنهاية الإخوان الشر المطلق.

مات مرسي موتا لائقا يخزي قتلته. وعاش من عاش بعده ذليلا لا يستنقذ شرفه من ذبابة. لكنها فرصة جيدة لنعرف أعداء الداخل قبل العدو الخارجي الأعداء الذين لا يمكن بناء الديمقراطية معهم. لقد كشف موت مرسي بعد الانقلاب عليه درسا مهما.

توجد معركة في الداخل لتطهير الطريق نحو الحرية والديمقراطية. متى ستنطلق ومن سيطلقها؟ لا داعي لضرب الودع. إن كم الإهانة التي يسلطها العسكر على شعب مصر ستنتج ثورتها.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه