رفع أسعار الوقود بمصر لن يكون الأخير

 

استيقظ المجتمع المصري صباح الجمعة 5 من يوليو/تموز 2019، على قرار الحكومة برفع أسعار الوقود بنسب تتراوح ما بين 16% و30%، وهو ما يعني موجة تضخمية جديدة تزيد من متاعب الحياة، وبخاصة بعد أن ارتفعت معدلات الفقر بمصر إلى نحو 60% بشهادة البنك الدولي عبر بيانه الصحفي نهاية أبريل/نيسان 2019.

وفي خطوة سريعة عكست التداعيات السلبية لقرار رفع أسعار الوقود، اتخذت المحافظات المصرية قرارا برفع تعريفة المواصلات، سواء فيما بين المحافظات أو داخل كل محافظة، ولن يتوقف الأمر على تعريفة المواصلات فقط، بل سيشمل كافة السلع والخدمات، حيث يمثل النقل قرابة 35% من التكلفة النهائية للسلع في مصر، وبخاصة في ظل غياب شبه تام للخدمات الحكومية أو التعاونية في هذا القطاع.

قرار الحكومة المصرية، يأتي في إطار سعيها للحصول على الشريحة السادسة والأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي، والمقدرة بنحو  ملياري دولار، حتى لا يتكرر ما حدث مع الشريحة الخامس، حيث أجل المجلس التنفيذي لصندوق النقد صرف الشريحة الخامسة في ديسمبر/كانون الأول 2018 بسبب عدم التزام مصر ببعض بنود الاتفاق، وحذف المجلس التنفيذي للصندوق مناقشة الملف المصري من أجندة اجتماعاته أنداك إلى أن تعهدت الحكومة بتنفيذ التزاماتها وعلى هذا الأساس تم صرف الشريحة الخامسة في فبراير/شباط 2019، متأخرة لأكثر من شهرين عن ميعادها.

الزيادة في أسعار الوقود التي حدثت اليوم 5 من يوليو/تموز 2019، لن تكون الأخيرة، بل يُنتظر خلال عام 2019 أن يتم التحرير الكامل لأسعار الوقود، فالتزام مصر مع صندوق النقد في نوفمبر 2016 أن يتم التخلص بصورة كاملة من دعم الوقود خلال 4 سنوات.

فما تضمنته موازنة 2019/2020، والتي دخلت حيز التنفيذ في مطلع يوليو الحالي، تتضمن تخفيضًا في دعم الوقود بنحو 37 مليار جنيه، حيث تم تخفيض مخصصات دعم الوقود من 89 مليار جنيه إلى 52 مليار جنيه، وبالتالي فالمطلوب من الحكومة المصرية أن تتخلص كلية من باقي الدعم والمقدر بنحو 52 مليار خلال الشهور المتبقية من العام 2019.

معاناة الفقراء

سيجد الفقراء أنفسهم أمام التزامات فورية نتيجة رفع أسعار الوقود، من خلال رفع أسعار المواصلات من جهة، ومن جهة أخرى ما يتعلق باستهلاك اسطوانات الغاز للمنازل، التي ارتفع سعرها من 50 جنيها إلى 65 جنيها، أي أن الزيادة تمت بنحو 30%، والأمر نفسه بالنسبة لاستهلاك الغاز في المجال التجاري، حيث تم رفع سعر الاسطوانة من 100 جنيه إلى 130 جنيها.

ونستطيع أن نستنتج بلا معاناة في حسابات معقدة، أن دخول الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، قد انخفضت اليوم بالنسب نفسها لرفع أسعار الوقود، وهو ما يفاقم أزمة الفقر، وأن ما تم منذ شهرين برفع الحد الأدنى للدخول إلى 2000 جنيه، لا يتناسب مع الأعباء الجديدة التي ستتحملها الأسر المصرية نتيجة رفع أسعار الوقود والكهرباء مع أول يوليو/تموز  2019. وإذا كانت الحكومة قد رفعت الحد الأدنى للدخول للعاملين بالحكومة والقطاع العام، فإن هناك 25 مليون عامل آخرين، لم يطبق عليهم هذا القرار لعملهم في القطاع الخاص المنظم وغير المنظم.

ومأساة الطبقة الفقيرة والمتوسطة في مصر أن أبناءها يعيشون ويلات ارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء المعيشية، بينما تحدثهم الحكومة عن زيادة الناتج المحلي، وارتفاع معدل النمو، وانخفاض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي، وكذلك تراجع العجز بالموازنة كنسبة من الناتج، والحقيقة أن كل هذه النسب مجرد تجميل لفشل برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي ركز على الإصلاح المالي والنقدي، وأهمل الإصلاح الانتاجي، فارتفعت الأسعار، وانتشرت البطالة، وزاد الفقر.

ومن العجيب أنه في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة زيادة الإنتاج من الوقود (النفط والغاز) وأن صادراتها من الوقود سوف ترتفع، نجد أن الحكومة تلهب ظهور المواطنين بزيادة أسعار الوقود، وكأن هذا الوقود قد أنتج في بلد أخر، وليس للمصرين الحق في الاستمتاع بموارد بلدهم.

الأعباء على المنتجين

يعد قطاع الإنتاج في مصر أكبر المتضررين من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة بعد توقيع اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، حيث زادت تكلفة التمويل من خلال رفع سعر الفائدة، كما تم رفع أسعار الوقود بشكل كبير، وهو ما أثر على منافسة المنتجات المصرية سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي.

ولذلك زادت معدلات الاستيراد، بعد أن توقفت الكثير من الشركات المصرية عن الإنتاج، ويظهر ذلك من خلال أخر بيانات البنك المركزي عن أداء ميزان المدفوعات عن الفترة (يوليو/تموز 2018 – مارس/آذار 2019) حيث زادت الواردات السلعية غير النفطية، بنحو 4.4 مليار دولار، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، في حين تراجعت الصادرات السلعية في نفس الفترة بنحو 400 مليون دولار.

 ويبرهن على تأثر القطاع الإنتاجي سلبيًا بارتفاع أسعار الوقود، ما ذكرته شعبة الإسمنت في مذكرتها المرفوعة لوزير الصناعة عن المشكلات التي تواجهها الصناعة، ومن بينها ارتفاع تكاليف الوقود، وعلى الرغم من أن جل شركات الإسمنت تستخدم الآن الفحم في توليد الطاقة اللازمة للصناعة بعد ارتفاع أسعار الغاز والسولار بشكل كبير منذ العام 2014، فإن هذ الشركات تعتمد على الفحم المستورد، والذي زاد مؤخرًا بنحو 200%.

وفي ظل هذه الأجواء من استمرار رفع أسعار الوقود، وما يستتبعه من رفع معدلات التضخم، لن يستطيع البنك المركزي خفض أسعار الفائدة في الأجل القصير، وهو ما يعني استمرار معاناة القطاع الإنتاجي في مصر، من ارتفاع أسعار الوقود وارتفاع سعر الفائدة.

العمال الغلابة

ثمة فئة من الشعب المصري تعاني بشكل كبير، وهي العمالة الموسمية والعمالة في القطاع غير المنظم بشكل عام، حيث يعاني هؤلاء من ظروف قاسية في بيئات العمل، ولا تتوفر لهم حماية اجتماعية أو صحية، فضلًا عن أنهم لا يستطيعون مواجهة أعباء المعيشة المرتفعة، وقد تستطيع فئة منهم رفع أجورهم لدى السوق، ولكن الشريحة الكبيرة تضطر تحت وطأة الحاجة إلى القبول بالأجور المتدنية، ومن بين هذه الفئات، الخفراء وعمال المطاعم والمقاهي، وعمال البناء والتشييد، والعمالة الموسمية في قطاع الزراعة.

قد يطمئن السيسي، مستخدما وطأة عصا الأمن الغليظة، لقبول الشارع للقرارات الاقتصادية القاسية التي تفسد على الناس حياتهم، ولكن ليعلم أن غضبة الشارع لن يكون لها ميعاد محدد، ولن يكون للغضب إطار معين، ولكنها ستأتيه من حيث لا يحتسب، وله في تشاوشيسكو في رومانيا وسوهارتو في إندونيسيا عبرة، بل وفي مبارك بمصر خير دليل، وإنا لمنتظرون.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه