كيف تشاهد وتفهم مباراة لكرة القدم؟ (2)

الناقد الرياضي الدكتور علاء صادق

استعرضنا في الجزء الأول كيفية التحضير لمشاهدة المباراة وكيفية التعرف على مراكز اللاعبين في خط الدفاع.

اليوم ستكون المهمة هي الأصعب في المراقبة لأنك لن تجد الأمر سهلًا لمعرفة توزيع اللاعبين الستة في خطى الوسط والهجوم، والسبب هو سرعة الإيقاع وتبادل المراكز والتحركات المتنوعة وتغيير المحلات بالإضافة للظروف الطارئة التي تجبر لاعبًا على تنفيذ مهام غير موكل بها لأكثر من مرة، كأن تجد اللاعب رأس الحربة (آخر لاعب في الفريق أمام مرمى منافسه) موجودا في منتصف ملعبه يضغط أو يهاجم أو يستخلص الكرة من منافس.

التركيز والدقة والتكرار هو سبيلك الوحيد للتوصل إلى توزيع اللاعبين في المراكز الستة الأمامية وقد تتحول إلى سبعة إذا كان الفريق (مثل الإيطاليين سابقا) يدافع بثلاثة فقط.

الأسهل على المتفرج العادي أو (المبتدئ) أن يركز في الأمر عندما لا تكون الكرة  بحوزة الفريق الذي تريد مراقبته، وعندئذ يلتزم اللاعبون بخطة اللعب في الانتشار للحيلولة دون تقدم منافسيهم أو للسعي لقطع الكرة، ودائمًا تذكر أنك لست متفرغًا لمراقبة الكرة، وإنما توزع اهتمامك ودائرة بصرك الواسعة بين الكرة الموجودة دائمًا في الشاشة وبين مواقع اللاعبين الذين تسعى لمراقبتهم.

أغلب الفرق في العالم الآن تنفذ إحدى طريقتين:

الطريقة الأولى

هذه الطريقة أكثر وضوحًا وسهولة في اكتشافها وتحديدها، ويتوزع فيها ثلاثة لاعبين في وسط الملعب  على هيئة مثلث وليس في خط واحد ويتحركون دائما كمثلث بحيث يوجد لاعبان في قاعدة المثلث الأقرب الى خط مرماهم وثالثهم متقدما نحو مرمى المنافس، وذلك عند فقدان الكرة والبحث عنهما، بينما يدور المثلث في اتجاه أحد جانبي الملعب عندما تذهب الكرة الى ذلك الجانب، ويتغير شكل المثلث تماما لتكون قاعدته في الأمام نحو مرمى المنافس ورأسه لأسفل نحو المرمى الآخر عندما يكون الفريق في حالة هجوم، ويسمح للاعب أو لاعبين من هذا الثلاثي بحرية كاملة في التقدم بعمق الهجوم أو التراجع لمنطقة جزائه عند الدفاع.

ويهاجم الفريق بثلاثة لاعبين تتغير تحركاتهم بين الخط العرضي أو الخط المائل أو المثلث وفقًا لطبيعة اللعب، وقد يقتربون جدًا من بعض لتكون المسافة بينهم هي عرض منطقة الجزاء وذلك في حالة وصول ظهيري الجانب إلى نهاية الملعب هجوميًا، أو تتسع ليتواجد اثنان منهما عند خطى التماس، وفي هذه الحالة يمكن للاعبي الوسط المكلفين بمهام هجومية أن يتقدما في العمق استغلالًا للمساحات التي يخلقها هروب الجناحين إلى طرفي الملعب.

وهذه الطريقة 4-3-3 هي السائدة بين عمالقة كرة القدم مثل الناديين الإسبانيين برشلونة (بوسكيتس وراكيتش ودي يونغ في الوسط وليونيل ميسي ولويس سواريز وديمبليه في الأمام) وريال مدريد (لوكا مودريتش وتوني كروس وكاسيميرو في الوسط وأمامهم جاريث بيل وكريم بن زيمه وادين هازارد)، والفريقين الإنجليزيين ليفربول (هندرسون ووينالدوم وفابينيو في الوسط ومحمد صلاح وفيرمينيو وساديو ماني في الأمام) ومانشستر سيتى (ديفيد سيلفا ودي بروين وفرناندينيو في الوسط وبرناردو سيلفا وسرخيو أغويرو ورحيم سترلينغ في الامام).

الطريقة الثانية

وهي الطريقة الأكثر انتشارًا، فهي وجود لاعبين في وسط الملعب متأخرين وموجودين بين رباعي الدفاع وبقية الزملاء المهاجمين، ويكونان متقاربين بفارق لا يزيد عن 15 مترًا بينهما ويتحركان بعرض الملعب وكأنهما مربوطان بحبل بينهما لتبقى المسافة ثابتة أو لتقل وفقا لظروف اللعب.

ويوجد أمامهما ثلاثة لاعبين منتشرين بعرض الملعب بواقع جناح في اليمين وجناح في اليسار بجوار خطى التماس مع مرونة في التحول بين المكانين أو في الانضمام للداخل دون تقيد بالبقاء بجوار الخط، ويوجد ثالثهما في مكان بينهما وهو ليس الأقرب للاندفاع في العمق لأن دوره الأكبر هو الرؤية الواسعة والتمرير المتقن لزملائه واكتشاف الثغرات واستغلالها.

ويبقي اللاعب الأخير في الفريق ويمارس مهمة رأس الحربة أو المهاجم المتقدم ليكون الأقرب إلى مرمى المنافس.

ونفذها منتخب فرنسا الفائز بكأس العالم الأخير  بوجود مابي وغريزمان وماتويدي في الثلاثي الهجومى الخلفي وجيرو وحده في الامام، وكذلك كان منافسهم الكرواتي في المباراة النهائية بالثلاثي الهجومي بيرسيتش ومودريتش وريبيتش وأمامهم ماندزوكيتش وحيدا.

ولعلها أوسع انتشارا بين الفرق متوسطة المستوى أو التي تفتقر لخبرات ومهارات المهاجمين الموهوبين أصحاب الأسماء الرنانة، وهي الاكثر عربيًا عند الأندية والمنتخبات وعند فرق وسط أوربا .

وتسمى تلك الطريقة 4-2-3-1.

الآن عرفت الخطوتين الأولي والثانية. وعليك أن تتهيأ بمعلوماتك لمشاهدة المباراة، وأن تستغل الدقائق الأولي لتعرف كيف يتوزع اللاعبون في الفريقين في أماكنهم في الملعب.

الأمر ليس سهلا بالطبع، وقد تحتاج ثلاث إلى عشر مباريات متتالية أو أكثر لتصل في نهايتها إلى النتيجة المرجوة في اكتشاف المراكز وطرق اللعب.

لكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وتذكر كم تحتاج من الزمن لتكتشف أو تتعلم أي حرفة أو لغة أو مهارة جديدة في حياتك.

موعدنا في الحلقة المقبلة لنكرر ما قلناه في هذه الحلقة ولكن مع صور متنوعة ورسومات بالغرافيك للمواقع والتحركات التي قمنا بعرضها، ليصبح الأمر أكثر وضوحًا للقارئ والمشاهد العادي غير الخبير في كرة القدم. لقاؤنا الشهر المقبل بإذن الله.

علاء صادق
ناقد رياضي مصري

رابط الحلقة السابقة:  كيف تشاهد وتحلل مباراة لكرة القدم؟ (الجزء الأول)

المصدر : الجزيرة مباشر