أوربا خزّنت طاقة تكفيها لهذا الشتاء.. لكن ماذا عن عام 2023؟

يتدفق الغاز الروسي عبر خط أنابيب Yamal Gas Link إلى شبكة أنابيب الغاز الطبيعي الألمانية. (غيتي - أرشيفية)

ارتفعت فواتير غاز الأوربيين مع دخول فصل الشتاء بشكل ملحوظ، وأصبح توفير التدفئة أمرًا غير هيّن منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.

قفزت أسعار الغاز، مما أدى إلى اضطراب الأسواق العالمية، وسبّبت تداعيات ملموسة ومكلفة للغاية مع تسابق أوربا وآسيا لشراء شحنات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر ودول منتجة أخرى.

وفي حين جمّدت دول مثل إسبانيا وفرنسا أسعار المستهلكين، فإن دولًا أخرى مثل بلجيكا سمحت للشركات المزودة إلى حد ما بتحميل الزبائن الزيادة في الأسعار.

وبينما كان مبلغ 120 يورو شهريًّا قبل الحرب معدل فاتورة الغاز والكهرباء في بلجيكا ارتفع الرقم إلى 330 يورو، مما دفع المواطنين إلى البحث عن سبل تركيب ألواح شمسية وزجاج عازل معزّز.

وأدرك جيل جديد من البلجيكيين والفرنسيين والإيطاليين إهمالهم على صعيد الطاقة عام 2022، وتعلّموا مراقبة استهلاكهم.

قبل الحرب، كان الغاز وفيرًا ورخيصًا، وقد ناهز سعره المرجعي في السوق الأوربية نحو 20 يورو لكل ميغاواط في الساعة، لكنه ارتفع هذا العام إلى 300 قبل أن يتراجع إلى نحو 100 يورو.

يقول غراهام فريدمان، المحلل في شركة (وود ماكينزي) الذي يدرس سوق الغاز الطبيعي منذ 40 عامًا “لم أشهد قط فترة بهذا الاضطراب”.

اليورو واصل هبوطه في ظل المخاطر الناجمة عن قطع إمدادات الغاز الروسي (غيتي)

انخفاض “حاد”

بسبب جنون الأسعار، اضطرت مصانع إلى التوقف خصوصًا في قطاع الكيماويات الألماني الذي اعتمد على الغاز الروسي منذ الحقبة السوفيتية.

ورغم ذلك، فقد تسنى ملء الاحتياطات الأوربية إلى أقصاها في الصيف بفضل آخر إمدادات الغاز الروسي، ولم يعان أحد من انقطاع الطاقة.

يقول سيمون تاغليابيترا من مركز (بروغل) للأبحاث في بروكسل “حتى فبراير (شباط)، بدت فكرة أن أوربا تستطيع الاستمرار بدون الطاقة الروسية مستحيلة، لكن المستحيل صار ممكنا”.

وحالف الحظ الأوربيين أيضًا، فقد أخّر اعتدال الطقس في الخريف استعمال وسائل التدفئة.

لكن ما حدث كان مفاجئًا، إذ خفضوا إلى حد كبير استهلاك الطاقة، وذلك بـ20% بالنسبة للغاز في الاتحاد الأوربي من أغسطس/آب حتى نوفمبر/تشرين الثاني مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، وفق “يوروستات”.

فصل الشتاء يشهد انتشارًا واسعًا للأمراض مع برودة الطقس (غيتي – أرشيفية)

وقال ليون هيرث، أستاذ سياسة الطاقة بمدرسة هيرتي في برلين، إن نصف الألمان لديهم مدافئ تعمل بالغاز، وانخفاض استهلاكهم “هائل”. ويرى هيرث في ذلك رغبة في “عدم الدفع لبوتين” بقدر الرغبة في تقليص الفواتير.

ويتوقع أن تبقى فواتير الطاقة مرتفعة، بينما يشير خبراء إلى أن سقف أسعار الغاز الذي اتفق عليه الاتحاد الأوربي في ديسمبر/كانون الأول لن يكون له إلا تأثير محدود على خفضها.

وفي غضون أشهر، خسرت روسيا أكبر مشتر لغازها، وهو أوربا التي تراجعت مشترياتها من 191 مليار متر مكعب عام 2019 إلى 90 مليارًا هذا العام، وربما 38 في العام المقبل، كما تتوقع مجموعة “وود ماكينزي”.

واضطرت أوربا إلى تعويض الفارق عبر الغاز الطبيعي المسال الذي اعتاد الاتحاد الأوربي تجنّبه لارتفاع تكلفته.

وأكد غراهام فريدمان أن ذلك لم يكن خاليًا من الآثار السلبية، فقد “بدأت أوربا تدفع أكثر من آسيا في مقابل الغاز، ولم تستطع دول مثل الهند وباكستان المنافسة”.

كذلك للأمر تداعيات مناخية، فبسبب نقص الغاز الطبيعي المسال، باتت البلدان الأقل ثراء تحرق المزيد من الفحم.

الغاز الروسي يؤزم العلاقة بين موسكو والعواصم الغربية
الغاز الروسي يؤزم العلاقة بين موسكو والعواصم الغربية (AFP)

ماذا عن 2023؟

لتفريغ الغاز الطبيعي المسال من الناقلات، هناك حاجة إلى موانئ قادرة على إعادة تحويله إلى غاز وضخّه في شبكات الأنابيب.

وسارعت ألمانيا إلى إنشاء أول منصة من هذا النوع في ديسمبر، وأُعلن عن 26 محطة جديدة في القارة بينها محطة خامسة في فرنسا أقيمت في لو هافر، وفق “غلوبال إنرجي مونيتور” التي تخشى من أن الأمر سيؤدي إلى اعتماد أوربا على الغاز مجددًا بينما تسعى للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.

لكن في الشتاء المقبل والشتاء التالي، لن يكون هناك المزيد من الغاز الروسي لملء الخزانات خلال الربيع والصيف.

وتوضح لورا بايج الخبيرة في قطاع الغاز في شركة (كبلر) لوكالة فرانس برس، أنه كلما كان الشتاء أكثر برودة، سيتعين شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال منذ الربيع، وستشتد بالتالي “المعركة” بين أوربا وآسيا.

ويوافق غراهام فريدمان على ذلك، قائلًا “لا يوجد ما يكفي من الغاز في العالم لتعويض الغاز الروسي”.

لن تُنتج مشروعات الغاز الطبيعي المسال الجديدة ملايين الأطنان الإضافية حتى عام 2025 أو 2026، وبحلول ذلك الوقت، هل يتعلم الأوربيون العيش في 18 درجة مئوية؟

المصدر : الفرنسية