بعد 9 أشهر من مقتل جورج فلويد.. كيف تقيّم إدارة بايدن عنصرية الشرطة الأمريكية؟

أثارت وفاة الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد موجة من العنف في أمريكا
أثارت وفاة الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد موجة من العنف في أمريكا (غيتي)

بعد مرور 9 أشهر على مقتل الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد، تتواصل التساؤلات عن الموقف الرسمي الأمريكي من عنصرية الشرطة الأمريكية تجاه المواطنين، ومع قدوم إدارة الرئيس جو بايدن -مطلع العام الجاري- تبرز تحديات عدة حول التعاطي الجديد مع مشكلة العنصرية.

ولم تباشر الولايات المتحدة حتى الآن عملية إصلاح جذرية لجهاز الشرطة، لكنها تواصل التقدم بخطى محدودة وموضعية سعيًّا لمكافحة العنف والعنصرية في صفوف قوات حفظ النظام.

وكان لمقتل فلويد -الأربعيني الأسود- اختناقا تحت ركبة الشرطي الأبيض ديرك تشوفين، والذي ركع على عنق فلويد، في 25 مايو/أيار الفائت، بمدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا (شمالي الولايات المتحدة)، وقع صدمة في البلاد، وأثار تظاهرات حاشدة استمرت أسابيع عدة مطالبة بإصلاحات.

ويبرز سؤال: ما الذي يبقى من هذه التعبئة الاستثنائية في وقت تبدأ محاكمة الشرطي ديريك تشوفين المتهم بقتل جورج فلويد؟

أهم ما حققته موجة الاحتجاجات الأمريكية عقب مقتل فلويد تمثل في تغيير الأذهان؛ فإن كانت الأقلية السوداء تندد منذ سنوات بالتجاوزات المرتكبة بحقها، فإن غالبية الأمريكيين ولا سيَّما البيض منهم كانت لا تزال تنظر إلى عناصر الشرطة بكثير من الاعتبار.

وأوضحت كايت ليفين الأستاذة في كلية كاردوزو للحقوق في نيويورك “أمر مقبول ثقافيًّا في أمريكا أن الشرطة ترتكب أعمال عنف. وثمة افتراض بأن الشرطة ترتكب أعمال عنف لأنها تواجه أعمال عنف”، مشيرة إلى أن “مقاطع الفيديو والمظاهرات وإفادات الضحايا سددت ضربة إلى هذا الافتراض”.

ولفتت الشرطية السوداء السابقة تريسي كيسي التي أسهمت في تأسيس مركز المساواة في تعامل الشرطة، إلى أنه مع مقتل جورج فلويد “اضطر أشخاص لم يسبق أن راجعوا أنفسهم وفكروا في أعمال العنف التي ترتكبها الشرطة، إلى القيام بذلك، ولو أن الأمر لم يكن سارًّا لهم”.

تدابير آنية

صدرت دعوات، منذ يونيو/حزيران الماضي، لاعتماد تغييرات جذرية، وتردد بصورة خاصة شعار يدعو إلى “قطع التمويل عن الشرطة”.

واتخذت تدابير عدة على الفور سعيًّا إلى “تهدئة النفوس” على ما أوضحت كيسي، فحظرت بعض المدن تقنية الضغط على عنق الموقوفين، فيما أعلنت مدن أخرى عن ملفات تأديبية بحق عناصر في شرطتها أو شدّدت برامج إعدادهم، فضلًا عن تدابير أخرى.

وأقر مجلس النواب مسودة قانون تحدّ من الحصانة الواسعة التي يحظى بها عناصر الشرطة، ستطرح الآن للمناقشة في مجلس الشيوخ.

وبصورة عامة، باشرت الولايات المتحدة مراجعة لتاريخها، فأزالت العديد من التماثيل التي ترمز بمعظمها إلى ماضيها المرتبط بتجارة الرقيق.

تعثر الجهود

ومع تصاعد حدة الحملة الانتخابية، اتخذت المناقشات منحًى سياسيًّا، وفي وقت سجلت الجرائم ارتفاعا في المدن الكبرى، طرح الرئيس السابق دونالد ترمب بنفسه في موقع المدافع عن “القانون والنظام”، متهمًّا الديموقراطيين بالتساهل على هذا الصعيد.

وتغيب عن المشهد أي إصلاحات جذرية، وأكدت ليفين “جرت محاولة عابرة في مينيابوليس” حيث تعهد المجلس البلدي “تفكيك” قوات حفظ النظام، لكن ليفين ذكرت أنه “لم يُنفَّذ أي شيء” في نهاية المطاف.

وفي نيويورك، أقرت السلطات -في يونيو الفائت- اقتطاعات بقيمة مليار دولار في ميزانية الشرطة، غير أنه تم لاحقا تخفيف حدتها إلى حد بعيد أو توزيعها على فترة طويلة، أما عملية الإصلاح الفدرالية، فأسقطها مجلس الشيوخ مرّة أولى.

ولم يسجل أي تحسن على أرض الواقع، إذ قضى ألف شخص برصاص الشرطة عام 2020، 28% منهم من السود، في حين أنهم لا يمثلون سوى 12% من سكان الولايات المتحدة.

كما رفض القضاء ملاحقة عناصر مسؤولين عن مقتل أمريكيين سود غير مسلحين مثل بريانا تايلور التي قتلت بالرصاص في شقتها في كنتاكي، ودانيال برود الذي قضى خنقا فيما كان مصابًا بنوبة نفسيَّة قرب نيويورك.

مبادرات متفرقة

وتتواصل المناقشات رغم كل تلك العقبات لأن “القادة على يقين بأن بعض الأمور لم تعد مقبولة”، في رأي تريسي كيسي.

ووعد الرئيس بايدن الذي انتخب بدعم غالبية من الأمريكيين السود، بجعل مكافحة العنصرية إحدى أولوياته.

وفي الكونغرس، صدّق مجلس النواب من جديد على مشروع إصلاح الشرطة، ويأمل الديمقراطيون في التوصل إلى تسوية مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ.

وتتواصل الجهود على مستوى الولايات، فأقرت إيلينوي أخيرًا إصلاحا للقانون الجنائي يتضمن تحديد قواعد جديدة لتقنيات التوقيف، كما تعتزم ماريلاند تشديد العقوبات بحق العناصر الذين يمارسون العنف.

وهناك في الولايات المتحدة، 18 ألف جهاز لقوات حفظ النظام، ما بين مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) وأجهزة الشرطة البلدية ودوريات الطرق العامة والقوات المحلية وغيرها.

وقالت ليفين إن كثرة الأجهزة هذه تشكل عائقا لأنه “لا يمكن إجراء إصلاح واسع النطاق” ينطبق في كل أنحاء الولايات المتحدة، غير أنها في المقابل تفتح المجال للاختبارات.

وفي هذا السياق، حظرت مدينة بيركلي التقديمة في كاليفورنيا أخيرًا معظم عمليات التدقيق في الأوراق على الطرق سعيًّا للحد من الاحتكاك بين الشرطة والمواطنين.

ورأت كيسي أن “هذا البلد يقف حقًا عند مفترق طرق”، واستطردت “أظهر التاريخ أننا حاولنا التقدم في مناسبات عدة، ورغم ذلك ها نحن الآن في خانة البداية، من دون أن نكون وجدنا تسوية للمسألة العرقية”.

وأضافت “لدينا فرصة جديدة للقيام بذلك بطريقة مغايرة” مقرّةً في الوقت نفسه بأن “الأمر سيبدو مختلفًا للغاية حسب المنطقة التي يأتي منها كل واحد”.

المصدر : الجزيرة مباشر + الفرنسية