تعرف على “خريطة إشبيلية”.. محور الصراع بين تركيا واليونان حول شرق المتوسط

تحاول اليونان وقبرص فرض الخريطة بزعم أنها تمثل "حدود دول الاتحاد الأوربي شرقي المتوسط"

برزت “خريطة إشبيلية” على الساحة السياسية والدبلوماسية ضمن التوتر الأخير في العلاقات التركية اليونانية، رغم أنها لم تتخذ الصفة الرسمية حتى الآن.

ورغم ذلك، ما زالت اليونان وقبرص تتخذان من تلك الخريطة وسيلة لتحديد مناطق الصلاحية شرقي البحر المتوسط.
و”خريطة إشبيلية” وضعها عام 2000 أستاذ الجغرافيا البحرية والبشرية في جامعة إشبيلية بإسبانيا، خوان لويس سواريز دي فيفيرو، استنادا إلى وجهة نظر اليونان وقبرص.

وتحاول اليونان وقبرص فرض الخريطة بزعم أنها تمثل “حدود دول الاتحاد الأوربي شرقي المتوسط”، وتستخدمانها وسيلة أساسية لعزل تركيا في خليج أنطاليا وما يحيط به.
وتدعي الخريطة أن حدود اليونان (التي هي حدود الاتحاد الأوربي) وجرفها القاري يبدأ من جزيرة “ميس” ويمتد جنوبا حتى منتصف البحر المتوسط بما لا يدع لتركيا متنفسا سوى خليج أنطاليا.

وترفض تركيا الخريطة، لأن مساحة جزيرة “ميس” تبلغ 10 كيلومترات مربعة، ولا تبعد سوى كيلومترين عن حدودها البرية، فيما تبعد عن بر اليونان الرئيسي نحو 580 كيلومترا.

حسابات رياضية بحتة

عام 2007 قام البروفيسور خوان لويس سواريز دي فيفيرو، وهو خبير بمجال الجغرافيا البشرية والجغرافيا البحرية في جامعة إشبيلية في إسبانيا، بإعداد “خريطة إشبيلية”.

ويحدد فيفيرو على الخريطة، التي تحمل اسم الجامعة، مناطق الصلاحية البحرية في شرقي المتوسط.

ورسم فيفيرو مناطق الصلاحية البحرية في الخريطة، وهي تشمل الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وفقا لحسابات وقياسات “خط المنتصف”.

تعقيدات وتداخلات الحدود البحرية بين دول شرق المتوسط (إيكونوميست)

وبناء على هذا فهو يمنح كافة الجزر في المنطقة “التأثير الكامل” مثل البر الرئيسي.

وطبقا للخريطة، المرسومة وفق حسابات رياضية بحتة، ينحدر الجرف القاري اليوناني من جزيرة ميس إلى مصر وحتى وسط شرقي المتوسط.

وعند دخول المناطق البحرية المعروفة ضمن جزيرة قبرص وفق طريقة حساب خط المنتصف، تنحسر مناطق الصلاحية البحرية التركية شرقي المتوسط في مساحة صغيرة على خليج أنطاليا فحسب.

وفي حالة تطبيق “التأثير الكامل” على جزيرة ميس، فإن هذه الجزيرة المجاورة للساحل الجنوبي لتركيا، تقطع ساحل تركيا بمنطقة صلاحية بحرية تساوي أربعة أضعاف مساحتها، أي نحو 40 ألف كيلو متر مربع.

وتؤكد تركيا أن فكرة إنشاء منطقة جرف قاري بمساحة 40 ألف كم2 مربع لجزيرة تبلغ مساحتها 10 كم2، وتبعد عن الأناضول التركية 2 كم، وعن البر الرئيسي لليونان 580 كم، هو أمر يخالف المنطق والقوانين الدولية.
وأشار فيفيرو، في مقال كتبه لاحقا، إلى أن الخلاف بين تركيا واليونان قديم وأزلي.

وفي ما يبدو اعترافا منه بأن الخريطة لا تعكس الموقف الصحيح على أرض الواقع، قال إن “حساب خط المنتصف في بحر إيجه قريب جدا من السواحل التركية ويترك منطقة صلاحية بحرية شاسعة لجارتها اليونان”.

وتابع أنه “بإضافة قبرص (شرقي المتوسط) إلى المعادلة، فيمكننا أن نلحظ استمرار صغر منطقة الصلاحية البحرية التركية، وأن هذا يمكن أن يخلق الكثير من المشكلات الاقتصادية والجيوسياسية”.

خريطة “من طرف واحد”

قال البروفيسور هاكان قاران، مدير مركز التطبيقات والبحوث القانونية البحرية في جامعة أنقرة، لوكالة لأناضول، إن خريطة إشبيلية هي عمل أكاديمي من طرف واحد.

وشدد على أن الخريطة لا تعدو كونها ترسيما أحادي الجانب للحدود البحرية.

وتابع “التعامل مع ترسيم الحدود يجب أن يكون بشكل ثنائي أو متعدد، وقد وُضعت مواد وقواعد القوانين البحرية بناءً على هذا، بحيث تقوم الدول بترسيم حدودها وفقا للسلطة التي يمنحها إياها قانون البحار”.

واستدرك “ولكن أحيانا تتداخل حدود دولة مع أخرى، وخاصة في المناطق البحرية المغلقة وشبه المغلقة، مثل شرقي المتوسط. لذا تتقاطع مناطق الصلاحية البحرية لكل الدول التي تقع على ساحل البحر في هذه المنطقة”.

وأردف قاران أن الدول تقترب لترسيم الحدود من جبهاتها الخاصة، وخريطة إشبيلية تدعم الموقف اليوناني، لكن تم إعدادها من جانب واحد، “وهي عمل لا يؤخذ به، لأنها أحادية الجانب، ولا تضم المعنيين بالأمر”.

وفي إشارة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، قال قاران إن دولا عديدة تعتبرها “دستور القوانين البحرية”.

واستطرد “الاتفاقية تنص على أن كل جزيرة لها مياهها الإقليمية والجرف القاري الخاص بها، بالإضافة إلى منطقة اقتصادية خالصة تابعة لها”.

وزاد “وبالنظر إلى جزيرة ميس نرى أن هناك حياة اجتماعية على الجزيرة. لذا تدعي اليونان أن الجزيرة لها جرف قاري ومنطقة اقتصادية خالصة، لأنها طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. إلا أن الاتفاقية تحفظ العدالة للجميع. وتوجد قرارات قضائية عديدة تعطي الأولوية للإنصاف والعدل بين جميع الأطراف”.

واستطرد “خريطة إشبيلية تأخذ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بعين الاعتبار ولا تهتم بغيرها. فهي تتجاهل القرارات التي تصدرها محكمة العدل الدولية. وتتجاهل كذلك القوانين التركية، لذا فهي خريطة غير شرعية”.

وتابع “تركيا ليست طرفا في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لذا لا يمكن إلزام أنقرة بها”.

وختم بأن “تركيا تدافع عن أن الجزر الموجودة في البحار، التي تشهد وضعا استثنائيا مثل بحر إيجه وشرقي المتوسط، لا يمكن أن تكون لها مناطق صلاحية بحرية”.

إحدى سفن التنقيب التركية شرق المتوسط (الأناضول)
“ليست ملزمة”

السفارة الأمريكية بأنقرة، قالت في بيان، الثلاثاء، إن هذه الخريطة “ليست ملزمة من الناحية القانونية”.

كما صرح مسؤولون في الاتحاد الأوربي، مؤخرًا، بأنه ليس ثمة “حكم رسمي” لهذه الخريطة.

المصدر : الأناضول + الجزيرة مباشر