إندونيسيا تتهم حركة انفصالية بتدبير أعمال العنف شرقي البلاد

سيارة تمر بمبنى حاكم وجاياباورا الذي أحرق أثناء الاحتجاجات

اتهمت السلطات الإندونيسية الحركة المتحدة لتحرير بابوا الغربية بتدبير أعمال عنف وقعت يوم الإثنين في مدينتي وايمينا وجاياباورا شرقي البلاد.

جاكرتا- صهيب جاسم وأحمد ترمذي

ما القصة؟

في اتهام صريح يصدر لأول مرة بهذا الوضوح قال المفوض العام للشرطة الإندونيسية الجنرال تيتو كارنيفان إن ما يعرف بالحركة المتحدة لتحرير بابوا الغربية وعبر ذراعها المحلي المعروف بإسم اللجنة الوطنية هي من دبرت أعمال العنف التي وقعت يوم أمس الإثنين في مدينتي وايمينا وجاياباورا شرق البلاد وأوقعت 30 قتيلا و66 جريحا، كما ألقي القبض  إثرها على مئات من المشتبه بتورطهم في أعمال الشغب للتحقيق معهم.
وقال الجنرال تيتو إن تحقيقات الشرطة أظهرت أن هناك محاولات من الخارج لإثارة النعرات وإظهار أن إندونيسيا تنتهك حقوق الإنسان تزامنا مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم أمس، وقبل ذلك خلال انعقاد اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف حيث وقعت أحداث شغب بصورة متقطعة في مدن عدة مثل سورونغ ومانوكواري وغيرهما ابتداء من التاسع عشر من أغسطس الماضي، مشيرا إلى أن الوضع في إقليم بابوا الغربية أكثر استقرارا من إقليم بابوا المجاور له والواقع في أقصى شرقي البلاد محاذيا لبابوا غينيا الجديدة.

أعمال عنف وشغب بسبب شائعات

وفي المؤتمر الصحفي المطول الذي عقده مفوض الشرطة مع قائد أركان الجيش تحدث المسؤول الإندونيسي عن زيادة عدد عناصر الأمن والجيش في المناطق المتوترة شرقي البلاد، وقال بأن أعمال العنف والشغب قد انتهت في مدينة وامينا، وكانت قد اشتعلت من السابعة صباحا وحتى الثالثة عصرا، وشهدت حرقا لمكتب المحافظ ومستوصف ومتاجر ومدرسة ومصرف ومبانٍ حكومية وخدمية عديدة، وإضافة لحرق مباني مواطنين ونحو 100 عربة.
واشتعلت أعمال العنف فجأة في مدينة وامينا عاصمة محافظة جايا ويجايا صباح الإثنين عندما انتشرت شائعة بأن معلما أهان كلاميا طالبا في إحدى المدارس، ليظهر بعدها متظاهرون بملابس طلبة المدارس حسب رواية رسمية، وتتهم السلطات التيار الانفصالي للجنة الوطنية لبابوا الغربية بالوقوف وراء بثها بين الناس، وقد تسارع نزول أعداد من منفذي أعمال الشغب إلى الشوارع ولم تقدر الشرطة على السيطرة عليهم إلا بعد ساعات من أعمال العنف، حيث عززت الشرطة والجيش حضورهما بإرسال أعداد أكبر من عناصرهما فضل مفوض الشرطة عدم الإفصاح عنها.
وكان لافتا في تصريح مفوض الشرطة الحديث عن كون 22 قتيلا من سكان مدينة وامينا المهاجرين من أقاليم إندوينسية أخرى، مقابل 4 من أهل بابوا الأصليين، كما استهدفت أعمال الشغب متاجر المهاجرين، وسقط قتلى وغيرهم جرحى بسبب العنف بالأسلحة البيضاء أو حرقا في مساكنهم، ولهذا لجأ كثيرون من المقيمين في المدينة من المهاجرين إلى مقرات الجيش والشرطة طلبا للحماية.
وقد وعدت الحكومة بمتابعة علاج الجرحى في المستشفيات، والعمل على إعادة الهدوء والوئام بين المواطنين في مواجهة سعي لإحداث صراع  بين فئات المجتمع المتنوع دينيا وعرقيا، كما اشارت الشرطة إلى أن خلايا اللجنة الوطنية لبابوا الغربية ذات الخطاب الانفصالي منتشرة في مدن عديدة، وتعمل على تجدد أعمال العنف والشغب لإثارة الانتباه عالميا إلى حضورهم على الأرض في بابوا.
من جانبه أكد ويرانتو الوزير الإندونيسي المنسق للشؤون الأمنية والسياسية والقانونية بأن أعمال العنف ليست بمعزل عن الساحة والمحافل الدولية، وأن التيار الانفصالي لبابوا يريد إثبات وجوده، مشيرا إلى سعي الحكومة إلى طمأنة المواطنين وإرجاع الأمن والاستقرار إلى الإقليمين بابوا وبابوا الغربية، وأوضح ويرانتو أن أعمال الشغب كانت قد وقعت خلال الأسابيع الماضية بشكل متقطع ثم هدأت، وقد عادت لتظهر مجددا يوم أمس الإثنين معتمدة على خطة لحرق المنازل والمباني وهو ما أسقط قتلى وجرحى، وبشكل استهدف إشعال صراع مجتمعي بين المواطنين من مختلف الخلفيات القومية والدينية.
وكانت أحداث العنف قد اشتعلت أيضا في مدينة جايا بورا عاصمة إقليم بابوا، راح ضحيتها عسكري من الجيش وثلاثة من الطلبة إضافة إلى نحو عشرين مصابا من الشرطة والمدنيين، وذلك إثر سعي نحو مائتي طالب بابوي عائد من أقاليم إندونيسية مختلفة تنظيم اعتصام داخل جامعة تشندرا واسيه مطالبين بمقاطعة الدراسة داخل الجامعة، وهو ما رفضته الأجهزة الأمنية وإدارة الجامعة.

ضرورة الحوار في ظل تنافس دولي

من جانبها قالت د.أدريانا إليزابيث منسقة شبكة السلام في بابوا-في حديث للجزيرة -بأن قضية بابوا قد وجهت لتتحول من حادثة فيها خطاب عنصري إلى قضية سياسية بإثارة المطالب بالاستفتاء لتقرير المصير في المنطقة.
وقالت د.أدريانا -وتعمل أيضا باحثة في شؤون بابوا بالمعهد الإندونيسي للعلوم- إن ما يحدث في بابوا هو على وقع صراع استثماري أو اقتصادي على الثروات والجغرافيا بين الولايات المتحدة والصين، سعيا للهيمنة على تلك المناطق الشاسعة، مشيرة إلى أنه لو كانت بابوا منطقة فقيرة لما شهدت تدافعا أو صراعا كهذا، لكن الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة فيها تجتذب تدافعا بين قوى دولية.
وقالت اليزابيث بأن “اللجنة الوطنية لبابوا الغربية” قد استغلت هذا القضية لرفع سقف مطالبها، تزامنا مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن ذلك لم يجد استجابة حتى الآن من قبل الحكومة الإندونيسية لاسيما فيما يتعلق بالاستفاء لأن المطلب لم يُبنَ بشكل كاف أيدلوجيا واجتماعيا وثقافيا، فليس كل البابويين مع مطلب الاستفتاء حسب وصفها، متحدثة عن  جذر المشكلة بأنه يعود إلى شعور البابويين بغياب العدالة والمساواة أمام القانون كما وقع في حادثة جاوا الشرقية الشهر الماضي، وهو ما يستدعي أن يكون الحل مناسبا لتلك المشكلة والسبب الأساسي لها، وهو إيجاد حل يتناول جوانب اقتصادية واجتماعية في حياة الناس.
وثمنت أدريانا جهود التفاوض والحوار القائم مع المجتمع في بابوا بشكل منفتح، لكنها طالبت بمتابعة هذا المسار الحواري وترجمته إلى واقع ملموس يشعر بأثره الناس، مشيرة إلى أن الجهود المبذولة لم تثمر بعد حلا يستجيب للواقع، وترى أدريانا بأنه من الضروري أن تبذل الحكومة قصارى جهدها لاحتواء مختلف فئات المجتمع البابوي المتعدد اجتماعيا ودينيا وثقافيا وإثنيا، وهو ما يجعل مطالبهم السياسية مختلفة على حد قولها.

المصدر : الجزيرة