مذكرات في عرفات.. ركن الحج الأكبر في عيونهم

ضيوف الرحمن يتوافدون على صعيد عرفات

الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم من أركان شعيرة الحج، وفي الحديث النبوي الشريف “الحج عرفة”.

وفي هذا اليوم دعونا ننظر إلى وقوف الحجيج بصعيد عرفات، من خلال عيون وأقلام عدد من الكتاب في عصور عدة، وهم الكتاب الذين وصفوا رحلاتهم إلى مكة المكرمة لأداء شعيرة الحج، فجاءت مذكرات كل واحد منهم لتكون شهادة على واقع الحج في أيامه.

ابن جبير
  • في رحلته “تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار” يحكي ابن جبير الأندلسي أن من السنّة أن يبيت الناس ليلة التاسع من ذي الحجة في منى. 
  • لكن الناس اضطروا في موسم حج سنة ٥٧٨ للهجرة إلى الذهاب لعرفات منذ يوم التروية خوفًا من “بني شعبة” وهم قبيلة عُرفت بالاعتداء على الحجاج في الموسم، وقد اتخذ والي مكة الإجراءات اللازمة لتأمين مسير الحجيج إلى مشعر عرفات.
  • ابن جبير يصف مشهد الحجيج يوم عرفة فيقول “وقف الناس خاشعين باكين، وإلى الله عز وجل في الرحمة متضرعين، والتكبير قد علا، وضجيج الناس بالدعاء قد ارتفع، فما رؤي يوم أكثر مدامع، ولا قلوبًا خواشع، ولا أعناقًا لهيبة الله خوانع خواضع من ذلك اليوم، فما زال الناس على تلك الحالة والشمس تلفح وجوههم، إلى أن سقط قرصها وتمكن وقت الغروب”.
  • ابن جبير وصف الأبّهة والرفاهية التي كان يعيشها أمراء الحج القادمون من العراق والشام، فسرادق أمير الحج العراقي من الكتان، يحيط بخيام منصوبة عالية، يدخلها الفارس بفرسه دون أن يضطر للانحناء أو النزول أو خفض الراية التي يحملها.
  • أيضًا تحفل مخيمات الأمراء بالخدم والحاشية، كما تزدحم بالعدد والأثاث الفاخر. ويتنقل الأمراء بين المشاعر المقدسة على جمال ثبت على ظهورها شيء يشبه الهودج، صندوق مفروش بالفرش الوثيرة، ومظلل بقبة مزخرفة.
ابن رُشيد
  • الفقيه المغربي محمد بن عمر بن رُشيد السبتي، حج في سنة ٦٨٤ للهجرة، ودوّن رحلته في كتاب “ملء العيبة”.
  • ابن رشيد ذكر أن الناس ذهبوا إلى عرفات في مساء يوم التروية، خوفًا من تسلط الأعراب الذين ينهبون من تأخر من الحجاج، وهو ما حدث لبعض من تأخر عن جمهور الحجيج المبكرين إلى مشعر عرفات منذ مساء يوم التروية.
  • الفقيه المغربي يحكي أن جبل الرحمة بعرفات كان يوجد في رأسه مسجد، وكانت رايات أمراء ركب الحجيج تنصب في الجبل، وكان من المعتاد في تلك الأزمنة إشعال مئات الشموع في الجبل ليلة يوم عرفة.
  • ابن رُشيد شكا أن الناس لم يصلوا الظهر والعصر جمع تقديم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، بل صلوا الظهر أربع ركعات، والعصر كذلك.
  • أيضًا شكا ابن رشيد أن الظروف لم تساعد كثيرًا على التشاغل بالذكر والدعاء، لعدم نظافة المكان، ولكثرة المخلفات التي تركها الناس في عرفات منذ “فعاليات” الليلة الفائتة.
الورثيلاني حاجًا
  • حج العالم المغربي الحسن الورثيلاني عام ١١٧٩ للهجرة، ودون أحداث رحلته في كتاب سماه “نزهة النظار”.
  • كان من نصيبه أن موسم الحج في تلك السنة كان في أوج اشتداد الصيف.. ما جعل المعاناة مضاعفة.
  • لكنها معاناة لم تنتقص الكثير من روحانية المشهد الذي وصفه الورثيلاني بقوله “لما صلينا الظهر والعصر في المسجد المشهور، وهو مسجد نمرة، توجهنا إلى محل الوقوف والمشاهدة، ومكان التضرع والمشاهدة”.
  • الورثيلاني وقف بعيدًا عن الجبل قريبًا من الصخرات التي وقف النبي صلى الله عليه وسلم عندها، تفاديًا للزحام الذي يشتت انتباه الحاج عن الدعاء، وأخذ يدعو لنفسه، وكان الجميع يتضرع إلى الله عز وجل بطلب التوفيق وقضاء الحاجات وإصلاح الحال.
عرفات في عيون غير المسلمين

 جوزيف بيتس:

  • كان جوزيف بيتس بحارًا إنجليزيًا شابًا، وقع في أسر بحارة جزائريين، وقد أجبره سيده على اعتناق الإسلام، فأسلم إسلامًا ظاهريًا، ورافق سيده في رحلة الحج.
  • بيتس وصف رحلته إلى مكة المكرمة، وتحركت مشاعره في عرفات فترجمها بقوله “لقد كان مشهدًا يخلب اللب حقًا أن ترى هذه الآلاف المؤلفة في لباس التواضع والتجرد من ملذات الدنيا، برؤوسهم الحاسرة وقد بللت الدموع وجناتهم، وأن تسمع تضرعاتهم طالبين الغفران والصفح لبدء حياة جديدة، وتستمر هذه التضرعات وتلك الابتهالات طوال أربع أو خمس ساعات”.
  • بيتس يعقب قائلاً في حزن “وإنه لأمر يدعو للأسف أن نقارن ذلك بالخلافات الكثيرة بين المسيحيين”.

ريتشارد بيرتون:

  • استطاع الرحالة البريطاني ريتشارد بيرتون أن يتسلل إلى قافلة الحج عام ١٨٥٣، وأن يدخل مكة ويشهد شعائر الحج متخفيًا في زي حاج أفغاني.
  • بيرتون دوّن “مغامرته” في مكة التي تضمنت أداء مناسك الحج مع المسلمين في تلك السنة.
  • كان “الشريف” هو الذي يحكم مكة في تلك الأيام، وقد رآه بيرتون في موكبه الحافل بالجنود المسلحين بالبنادق، وكان الشريف يرتدي ثياب الإحرام البسيطة، وكان أحد العبيد يظلل الشريف بمظلة كبيرة.
  • كانت خطبة يوم عرفة في ذلك العهد شديدة الطول، تستغرق نحو ثلاث ساعات، وكان الخطيب يدعو بخشوع يتجاوب معه الألوف من الحجيج.
  • بيرتون: في البداية يتحدث الخطيب، والجميع في صمت عميق، ثم يرفع صوته، ويؤمّن الحاضرون، ثم يكثر من التلبية دون فاصل بين تلبية وأخرى، وأخيرًا تصل إلى مسامعنا صيحات مطالبة بالرحمة والتطهر من الآثام، والبكاء والصراخ.
  • بيرتون: في خاتمة اليوم، حين غربت الشمس، أعطى الخطيب إشارته للناس بأن يتحركوا، وماجت عرفات كالبحر يعلوه الزبد الأبيض، وراح الجميع يهبطون من جبل الرحمة مرددين “لبيك اللهم لبيك”، في هدير شديد، واتخذ الجميع طريقهم صوب منى.
المصدر : الجزيرة مباشر