عادل عبد المهدي.. وسيط بين الجوار تحاصره أزمات الداخل

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي

برز اسم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خلال الأسابيع الأخيرة مع اشتداد التوتر في المنطقة، وظهر كوسيط محتمل بين قطبيها: السعودية وإيران.

لكنه عاد للظهور بشكل أقوى خلال الأيام الماضية مع اندلاع احتجاجات قوية في مدن عراقية عدة.

فقد فوجئ العالم بآلاف العراقيين يخرجون في احتجاجات قوية سقط فيها عشرات القتلى ومئات الجرحى، مطالبين بتوفير الخدمات، وتحسين الواقع المعيشي، وتوفير الوظائف للعاطلين، والقضاء على ظاهرتي البطالة والفساد المالي والإداري في دوائر الدولة ومؤسساتها.

ووسط أمواج الغضب الشعبي، خرج رئيس الوزراء عادل عبد المهدي محاولا تهدئة الشارع، مؤكدا أن “التذمر من الأداء السياسي العام مفهوم ومبرر”، ومعلنا عن جملة قرارات وخطوات تضمن الاستجابة لجزء من مطالب المتظاهرين، من بينها منح الأسر الفقيرة أجرا أساسيا، وإطلاق سراح المحتجزين من المتظاهرين واعتبار ضحايا المظاهرات شهداء.

في المنفى الباريسي

التقط عادل عبد المهدي أنوار الحياة الأولى في العاصمة العراقية بغداد سنة 1942 لأسرة شيعية عراقية معروفة بالثراء والحضور السياسي والعلمي، وهي أسرة المنتفكي، وقد تولى والده وزارة المعارف في عهد الملك فيصل الأول في عشرينيات القرن الماضي.

تلقى تكوينه الأكاديمي المعمق في فرنسا، أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، حين كانت فرنسا قبلة لمئات المهاجرين الذين ضاقت بهم أوطانهم بسبب مواقفهم السياسية أو انتماءاتهم الأيديولوجية. وكان قد حصل على الشهادة الجامعية (البكالوريوس) في الاقتصاد من جامعة بغداد عام 1963.

في فرنسا تكللت مسيرة عبد المهدي بشهادات عليا (الماجستير) في الاقتصاد والعلوم السياسية، زيادة على عمله البحثي في مجالات الإسلام والعلاقة مع الغرب وتحديث الفكر الإسلامي، وخصوصا من نافذته الشيعية، حيث ترأس المعهد الفرنسي للدراسات الإسلامية منتصف الثمانينيات، كما ترأس تحرير مجلات عدة صادرة بالعربية والفرنسية.

رحلة عبر أمواج الانتماءات

بدأ عبد المهدي مسيرته السياسية قوميا عروبيا اشتراكيا مؤمنا بالوحدة العربية، إلا أنه سرعان ما “تنكر” لذلك الفكر، وانتقل إلى الفكر الشيوعي الماوي أثناء دراسته في المنفى الباريسي، قبل أن يدخل في عباءة الانتماء الديني عبر الولاء الفكري والسياسي للمجلس الإسلامي الأعلى بقيادة محمد باقر الحكيم، وهناك ألقى عصا الترحال الفكري والسياسي.

في سنوات شبابه الأولى؛ انخرط عبد المهدي في النشاط السياسي الحزبي من بوابة حزب البعث، وكانت له صلة معروفة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بيد أنه غادر حزب البعث عام 1963، وتعرض للسجن وحُكم عليه بالإعدام في ستينيات القرن الماضي.

وبدءا من ثمانينيات القرن الماضي، أصبح عبد المهدي مقربا من زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر الحكيم، وكان قياديا في المجلس ومثله في العديد من الدول والمناسبات.

وبعد سقوط نظام صدام حسين أخذ العراق مسارا جديدا، قاده عدد كبير من خصوم نظام البعث وضحاياه السابقين، وكان من بينهم عبد المهدي الذي صار عضوا مناوبا عن عبد العزيز الحكيم في مجلس الحكم في مرحلة “سلطة الإدارة المدنية”.

واصل عبد المهدي تولي أعلى كراسي السلطة في العراق، وشغل منصب وزير المالية في حكومة إياد علاوي سنة 2004 ممثلا عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ثم أصبح أحد نائبَي الرئيس العراقي عام 2005 في إطار اتفاق بين قائمة الائتلاف الشيعية والقائمة الكردية، بعد إخفاقه في الوصول إلى منصب رئيس الوزراء، وعاد في 2014 ليتولى منصب وزير النفط قبل أن يستقبل سنة 2016.

عين في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي رئيسا للوزراء بعد اختياره كمرشح توافقي من تحالف الإصلاح والإعمار بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ورئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي من جهة، وتحالف البناء الذي يضم ائتلاف الفتح برئاسة هادي العامري المدعوم من إيران، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من جهة أخرى.

حقائب الأزمات

يحمل عادل عبد المهدي حقائب أزمات متعددة، سواء تعلق الأمر بالعراق ذي المآسي المتعددة، والأسئلة الصاخبة المؤجلة، إلا أنه أضاف إلى كل ذلك أزمتين جديدتين؛ داخلية وخارجية بنكهة داخلية.

فمع الذكرى الأولى لتعيينه رئيسا للوزراء انفجرت الاحتجاجات الدامية في وجه حكومته لتضعها في مواجهة شارع غاضب لا يقبل أنصاف الحلول، وقبيل اندلاع هذه الاحتجاجات كادت المنطقة أن تشتعل بفعل الصراع بين السعودية وإيران، وهي الأزمة التي ظهر فيها عبد المهدي وسيطا داعيا لرأب الصدع وإبعاد اللهب عن ضفاف الخليج.

بين عبد المهدي والإيرانيين خط مفتوح منذ عقود، وأضاف إلى ذلك خطا جديدا مع الرياض، التي حملته كثيرا من الوعود والإشارات الودية جنوحا إلى سلم كادت تعصف به طموحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

المصدر : الجزيرة مباشر