سد النهضة الإثيوبي: بوادر حرب على ضفاف النيل

سد النهضة الإثيوبي يثير قلق القاهرة والخرطوم

بعد أيام قليلة من حصوله على جائزة نوبل للسلام، ونشره مليون نسخة من كتاب يشرح فيه خططه للنهوض ببلاده، فاجأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، كثيرين بتلويحه بالحرب لحماية سد النهضة.

فقد أكد آبي أحمد أن بلاده ستحشد مليون إثيوبي إذا اضطرت أديس أبابا لخوض حرب مع مصر بشأن سد النهضة.

وإذا كانت مصر هي هبة النيل، كما يقول المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت، فإن إثيوبيا تعمل الآن جاهدة على استعادة تلك الهبة، كما يقول المصريون الغاضبون.

رأت مصر في “مليونية” آبي أحمد سيرا حثيثا إلى تأزيم الوضع في المنطقة والانطلاق إلى توتر سيهدد استقرارها بشكل كامل.

وتفصل بين مصر وإثيوبيا مساحة شاسعة تزيد على الألف كيلومتر، ما يعني أن الحرب بينهما ستكون دبلوماسية وسياسية وقضائية على مستوى المحاكم الدولية، حيث لا يتوقع أن تسمح أي من دول الجوار لقوات البلدين بالعبور من أراضيها أو اتخاذها مسرحا للقتال إذا ساءت الأوضاع بين البلدين.

أكد آبي أحمد أن بلاده ستحشد مليون إثيوبي إذا اضطرت لخوض حرب مع مصر بشأن سد النهضة
مفاوضات السد
  • وصل الطرفان إلى طريق مسدود بشأن سد النهضة بسبب نقاط جوهرية أبرزها، مدة ملء السد، التي تطالب مصر بألا تقل عن 10 سنوات، وأن تأخذ في الحسبان سنوات الجفاف والجزر التي يتعرض لها النيل بين الحين والآخر.
  • أما إثيوبيا فتعتبر أنها قدمت تنازلا كافيا، ولم تعد مستعدة لمزيد من التنازلات، ما يعني أن سدا من التأزم والخلاف قد ارتفع بين الطرفين.
  • إذا كانت مصر، بلد المصب الأساسي بالنسبة للنيل، فإن إثيوبيا تعتمد في بنائها لسد النهضة على أنها بلد المنبع، وأنها ظلت محرومة لعقود من الاستفادة من مياه النيل التي سيحولها سد النهضة إلى ثراء اقتصادي على مستوى الري والزراعة وإنتاج الطاقة الكهربائية وتثبيت السكان في أماكنهم.
  • يعود توزيع مياه النيل إلى معاهدات من القرن المنصرم تمنح مصر والسودان نصيبا مهما من مياه النيل، وتعتبر إثيوبيا تلك المعاهدات إرثا استعماريا آن الوقت لتغييره.
رأت مصر في تهديدات آبي أحمد سيرا حثيثا إلى تأزيم الوضع في المنطقة (رويترز)
نقاط خلافية
  • يتركز معظم الخلاف بين الجانبين الإثيوبي والمصري حول الجانب الفني المرتبط بطريقة وتوقيت ملء البحيرة، حيث تقول مصر إن حجز المياه سيحرمها من 60% من حصتها القادمة من نهر النيل الأزرق، بينما تحتاج أصلا إلى رفع حصتها لسد احتياجاتها المتنامية لتوليد الكهرباء والاستخدام الزراعي.
  • تسعى القاهرة كذلك إلى تقليل خسائرها جراء سد النهضة، الذي سيؤثر حتما على تدفق مياه النيل إلى الأراضي المصرية، ما سيعطل كثيرا من مشاريع الري والطاقة والزراعة في أرض الكنانة.
  • تسعى مصر إلى الحصول على حوالي 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا، وإلى حماية السد العالي من النضوب، وهو ما رفضته إثيوبيا بشكل صارم.
  • في مقابل تقليل الخسائر، تسعى مصر أيضا للحصول على نسبة من كهرباء السد، مما يعني أن مصر تتمسك بورقة المخاوف من الأضرار وورقة السعي إلى الاستفادة من المكاسب.
  • في المقابل، تقول إثيوبيا إنها تنسق باستمرار مع دولتيْ المصب استنادا إلى التزامها بمبدأ عدم الإضرار بمصالحهما، مشيرة إلى وجود نقص في المعلومات لدى مصر بشأن السد، ومؤكدة أنه لن يلحق ضررا بالشعب المصري.
  • قبل أكثر من شهر أعلنت إثيوبيا أن الموافقة على مقترح تقدمت به الحكومة المصرية بشأن قضية سد النهضة ستحول السد إلى مجرد خزان احتياطي للسد العالي.
  • تضمن المقترح المصري تمديد فترة ملء خزان سد النهضة أكثر من عامين بهدف الحفاظ على منسوب المياه في السد العالي على حدود 165 مترا، مع تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا بعد المرحلة الأولى من التعبئة.
  • أوضح وزير الري والمياه الإثيوبي سيلشي بيكلي في مؤتمر صحفي أن ما وصفه بتحويل سد النهضة إلى مجرد خزان احتياطي للسد العالي لن يحقق العائد الاقتصادي المتوقع من سد النهضة، فضلا أن هذه الآلية تنتهك سيادة إثيوبيا في كيفية إدارة عمليات التدفق ومراحل ملء السد، وتتنافى مع حقوقها في الاستخدام العادل لموارد النيل، كما أن المقترح لا يتناسب -وفق قوله- مع متطلبات التنمية المستقبلية في إثيوبيا وأيضا السودان، وبالتالي تم رفض المقترح بناء على ذلك.
إثيوبيا تعتبر أنها قدمت تنازلا كافيا ولم تعد مستعدة لمزيد من التنازلات (رويترز)
السد العملاق
  • يمثل سد النهضة أكبر سد في أفريقيا، حيث يمتد على مساحة 18000 متر، ويرتفع 170 مترا، كما تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يعادل نصيب مصر والسودان سنويا من مياه النيل.
  • يقع سد النهضة على النيل الأزرق بولاية بني شنقول قماز شمال غربي إثيوبيا، ويبعد ما بين عشرين وأربعين كيلومترا عن الحدود الإثيوبية السودانية.
  • بدأت إثيوبيا بناء السد عام 2011، ومن المتوقع الانتهاء منه عام 2020. ويعتبر أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء، وعند بدء تشغيل السد ستصبح إثيوبيا أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا.
  • تشير التقديرات إلى أن التكلفة الإجمالية ستقارب خمسة مليارات دولار، وكانت الحكومة الإثيوبية صرحت بأنها تتولى تمويل المشروع بالكامل.
  • تعول أديس أبابا على السد في تحقيق نهضة تنموية شاملة وإنتاج ستة آلاف ميغاوات طاقة كهربائية، أي ما يوازي ما تنتجه ست منشآت تعمل بالطاقة النووية.
بدأت إثيوبيا بناء السد عام 2011 ومن المتوقع الانتهاء منه عام 2020 (رويترز)
  • تنظر أديس أبابا إلى سد النهضة على أنه مشروع الأمة الإثيوبية التي يزيد عددها عن 105 ملايين نسمة معظمهم تحت خط الفقر، وأنه مثل السد العالي للمصريين.
  • بما أن السد سينتج عند انتهائه ما يعادل ثلاثة أضعاف إنتاج السد العالي المصري من الكهرباء، فهو سيحول إثيوبيا إلى “هبة أخرى “من هبات النيل.
حرب خارج الحدود

فيما تتعقد الأوضاع وتقل فرص الاتفاق بين الأطراف المتناقضة حول مسألة النيل، فإن مؤشرات كثيرة تؤكد أن أوراق مصر تتناقص شيئا فشيئا مع الاستمرار في بناء السد، وتعزز أسهم آبي أحمد وعلاقاته الدولية، لتتحول أوراق السيسي تجاه سد النهضة مع الوقت إلى “ثرثرة فوق النيل”.

المصدر : الجزيرة مباشر