بين قمتين: كيف تغير المشهد الخليجي لصالح قطر؟

القمة الخليجية في الرياض- أرشيفية

بين قمة مجلس التعاون الخليجي العام الماضي التي عقدت في الكويت، والقمة الحالية التي عقدت في الرياض، تبرز عدة مشاهدة توثق التغير الذي أصاب المشهد الخليجي خلال ذلك العام.

انقلاب في التمثيل الدبلوماسي
  • في قمة العام الماضي شارك أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمة بنفسه، ضمن مساعي الحرص على الوساطة الكويتية وتقديرا للشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت وجهوده لمحاولة رأب الصدع.
  • بينما في القمة الأخيرة مثل دولة قطر  وزير الدولة للشؤون الخارجية “سلطان بن سعد المريخي” الذي سبق أن دخل في مشادة حادة مع مندوب السعودية في الجامعة العربية وسفيرها السابق بالقاهرة أحمد القطان في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.
  • أما دول الحصار فقد فعلت العكس، ففي قمة العام الماضي شاركت كل من السعودية والإمارات والبحرين بمستوى تمثيل دبلوماسي منخفض، تمثل في محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس وزراء البحرين، وأنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، وعادل الجبير وزير الخارجية السعودي، في إشارة على عدم اكتراث دول الحصار بالوساطة الكويتية أو اهتمامها بإيجاد حل للأزمة الخليجية.
  • في القمة الأخيرة شاركت دول الحصار بأرفع تمثيل دبلوماسي ممكن، فإلى جانب السعودية التي مثلها الملك سلمان بطبيعة الحال، شارك العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ومحمد بن راشد الذي يشغل مناصب نائب رئيس الإمارات ورئيس وزرائها وحاكم دبي.
  • هناك احتمالان أمام مشهد التمثيل الدبلوماسي الكبير: الأول هو محاولة دول الحصار تخفيف حدة الأزمة الخليجية ومحاولة الوصول إلى حل وسط يحفظ ماء وجهها، في إطار استراتيجية تقليص المشكلات والأزمات للتفرغ لمواجهة تداعيات جريمة مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والذي توجه أصابع الاتهام فيها لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
  • يدعم هذا الاحتمال مصادر وتقارير إعلامية سابقة تحدثت عن رغبة سعودية في تخفيف حدة التوتر في العلاقات مع قطر، وسط رفض قطري وتصميم على عدم التنازل عن الحصول على تعويضات بشأن الأضرار التي لحقت بالمواطنين القطريين جراء الحصار، وتقديم ضمانات بعدم تكرار ما حدث.
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان (رويترز)
  • سبق أن أشاد ابن سلمان بالاقتصاد القطري في كلمته بمؤتمر الاستثمار الذي انعقد في الرياض. وأشار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بدور قناة الجزيرة في تغطية مقتل خاشقجي مؤكدا صحة جميع ما بثته القناة خلال الأيام الأولى للجريمة.
  • تناقلت مواقع إخبارية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي تصريحا لوزير الخارجية المصري سامح شكري قال فيه إن بلاده مستعدة لإنهاء الأزمة مع قطر إذا غيرت من سياستها، معتبرين أن ذلك ربما يعد بداية تراجع مصري متزامن مع تراجع دول الحصار، لكن لم يثبت حتى الآن إن كان ذلك يمثل تراجعا مصريا بالفعل أم مجرد تصريح روتيني تقليدي لا يحمل دلالات خاصة.
  • الاحتمال الثاني يتحدث عن استمرار عدم وجود رغبة من دول الحصار في حل الأزمة، وأن مشاركتها رفيعة المستوى في القمة إنما يعود إلى انعقادها في الرياض، ورغبة الإمارات والبحرين في إظهار تقديرهما للعاهل السعودي وللمملكة العربية السعودية.
استثناء قطر
  • استقبل الملك سلمان بنفسه رؤساء الوفود الذين وصلوا إلى الرياض لحضور القمة الخليجية، ما عدا وفد دولة قطر.
  • قالت وكالة الأنباء الفرنسية إن القنوات السعودية بثت مشاهد وصول الوفود الخليجية بشكل مباشر على الهواء باستثناء الوفد القطري.
  • أنتجت وزارة الخارجية السعودية إنفوغرافيك تناول قمم مجلس التعاون السابقة، لكنه تجاهل القمم التي انعقدت في الدوحة.
  • تمثل تلك الحالات محاولات من دول الحصار لإثبات استمرار عدم اكتراثها بالتوصل إلى حل للأزمة، ما يمكن أن يرجح صحة الاحتمال الثاني.
استقبل الملك سلمان بنفسه رؤساء الوفود ما عدا وفد دولة قطر (رويترز)
دلالات قمة الرياض
  • أيا تكن الاحتمالات، فإن مشهد القمة الخليجية الأخيرة يمثل انعكاسا لصورة المشهد الخليجي بشكل عام، والذي يمثل بشكل عام تراجعا لدول الحصار، بعد ما يقرب من عام ونصف العام من اتهاماتهم ضد قطر.
  • في المقابل تبرز صورة قطر في وضع أقوى من ذي قبل، باعتبارها كانت ضحية لتآمر دول الحصار واتهاماتهم الزائفة. خاصة مع اعتبار أعضاء في الكونغرس الأمريكي ووسائل الإعلام العالمية حصار قطر ضمن مغامرات ولي العهد السعودي الطائشة والفاشلة، جنبا إلى جنب مع الحرب في اليمن واختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وقتل خاشقجي.
  • تزداد مع الوقت ثقة المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية بدولة قطر، وهو ما انعكس على بورصة قطر، التي اجتذبت رؤوس أموال أجنبية تقدر بنحو  مليار ين و300 مليون دولار خلال العام الحالي، ما يعادل ثلاثة أضعاف التدفق الأجنبي إلى البورصة السعودية للفترة ذاتها، كما ارتفع مؤشر البورصة القطرية قرابة 24 % هذا العام، لتتفوق على جميع أسواق المال العالمية.
  • أوضحت وكالة بلومبرغ أن المستثمرين بالعملات الأجنبية يفضّلون بورصة قطر عن نظيرتها السعودية، باعتبارها الأكثر استقراراً وأمناً في المنطقة.
  • انعكست قوة قطر أيضا في قرارها الانسحاب من منظمة أوبك لمنتجي النفط، في خطوة فسرت على أنها تعطي الأولوية للمصلحة الوطنية دون النظر لأي مجاملات، خاصة مع ارتهان المنظمة لرغبات عدد قليل من الدول التي تستغل المنظمة لتحقيق مصالحها فقط.
  • تزداد علاقات قطر الخارجية رسوخا مع الوقت، خاصة مع تركيا وأوربا والولايات المتحدة، كما تزامنت القمة الأخيرة مع زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى ماليزيا بقيادة مهاتير محمد الذي نجح في إقصاء نجيب عبد الرزاق، الذي اتهم سابقا بتلقي مئات الملايين من الدولارات من السعودية، وبرر وزير الخارجية السعودي وقتها تلك الأموال بأنها “هدية شخصية” من المملكة. وكذلك اتهام عبد الرزاق بالتورط مع السعودية والإمارات في فضيحة مالية متعلقة بالصندوق السيادي الماليزي. ولذلك اعتبر سقوط عبد الرزاق ضربة قوية لدول الحصار التي تردت علاقاتها مع العديد من دول العالم بعد حصار قطر واختطاف الحريري وقتل خاشقجي والأحاديث المتكررة عن دور سعودي فيما يسمى بـ”صفقة القرن”.
  • لم تخل العلاقات بين دول الحصار وكل من الكويت وعمان من خلافات، تمثلت في هجوم إعلامي سعودي إماراتي ضدهما، خاصة مع وجود خلاف سعودي كويتي بسبب إنتاج النفط من حقلين مشتركين في المنطقة المقسومة بعد أن فشلت محادثات في سبتمبر/أيلول في التوصل لاتفاق بين البلدين.
دول الحصار دخلت في أزمات دبلوماسية عديدة بعد حصار قطر واختطاف الحريري وقتل خاشقجي
مجلس التعاون الخليجي
  • تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1980 كحصن في مواجهة الجارتين الأكبر، إيران والعراق. يضم المجلس السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان وقطر والكويت.
  • منظمة العفو الدولية دعت دول المجلس إلى إطلاق سراح المعارضين السلميين في المنطقة، حيث لا تبدي الحكومات تسامحا يذكر إزاء المعارضة أو انتقاد الحكام.
  • كثفت الولايات المتحدة ضغوطها على الرياض في أعقاب مقتل خاشقجي لإنهاء الحرب في اليمن وإصلاح العلاقات مع قطر فيما تسعى واشنطن إلى تشكيل جبهة خليجية موحدة ضد إيران.
  • في حين قالت دول المقاطعة إن الخلاف ليس ضمن أولوياتها وإن مجلس التعاون الخليجي لا يزال فعالا، قالت الدوحة إن الخلاف أضر بالأمن الإقليمي من خلال إضعاف مجلس التعاون.
المصدر : الجزيرة مباشر