اتهامات “الأصل اليهودي”.. من أتاتورك إلى السيسي وأردوغان

نظرية المؤامرة منتشرة في الوطن العربي لدى جميع التيارات

أثار قرار الاتحاد الأفريقي لكرة القدم فرض عقوبة الإيقاف لمدة عام على رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور تساؤلات بشأن الموقف الحازم الذي اتخذه الاتحاد في هذا التوقيت.

هذه التساؤلات فرضت نفسها على المتابعين الذين حاولوا التوصل إلى سبب العقوبة في الوقت الحالي رغم تكرار تجاوزات منصور بحق عشرات الأشخاص والكيانات الأخرى على مدار السنوات الماضية، وهي تجاوزات لم تكن تؤدي إلى إنزال أي عقوبة به.

لكن التقارير الإعلامية وتعليقات المحللين والمتابعين أجمعت على وجود سببين رئيسيين يكمنان وراء هذا الإيقاف:

  • السبب الأول: هجوم مرتضى منصور على رئيس الاتحاد الأفريقي “أحمد أحمد” بشكل حاد، وهو هجوم يختلف عن التجاوزات السابقة التي كان يقوم بها رئيس نادي الزمالك، والتي كانت تتعلق معظمها بشخصيات مصرية، وبالتالي لم يكن الاتحاد الأفريقي ليدخل طرفا فيها.
  • الاتحاد الأفريقي وجد نفسه طرفا أصيلا هذه المرة، وبالتالي وقع منصور في فخ أعده لنفسه.
  • السبب الثاني: السباب الذي وجهها مرتضى منصور لشريف العريان، سكرتير اللجنة الأولمبية المصرية، وعمرو مصطفى فهمي سكرتير الاتحاد الأفريقي، وهو ما يضيف بعدا آخر للأزمة، لكن الأخطر كان قول منصور إن والدتي حلمي وفهمي يهوديتان، وهو ما اعتبر مخالفة عنصرية واضحة من قبل الاتحاد الأفريقي.

اتهامات متكررة

  • اللافت أن رئيس نادي الزمالك كرر الزعم بأن عدة شخصيات أخرى أصولها يهودية -باعتباره اتهاما- وهو تكتيك يستخدمه بجانب تكتيكات أخرى تتضمن السب والقذف واتهام أمهات خصومه بالتورط في قضايا غير أخلاقية بدون دليل.
  • شملت قائمة تلك الشخصيات الممثلة بسمة زوجة عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية، كما قال إن المذيعة ليليان داود يهودية، وزعم أن ممدوح عباس رئيس الزمالك السابق استعان بمحامٍ يهودي، معتبرا أن ذلك “إهانة” للشعب المصري.
  • كما زعم أن النادي الأهلي استعان بمدرب يهودي، حتى إنه هاجم الاحتفاء بمؤسس الزمالك نفسه وأول رئيس له لأنه يهودي.
  • خلال أزمة الزمالك الأخيرة مع وزارة الرياضة، قال مرتضى منصور إن المحكمة الرياضية الدولية أكثر رحمة من وزير الرياضة المصري رغم أن بها أعضاء من اليهود، على حد قوله.
  • ويبدو أن منصور أدرك المأزق الذي وقع فيه، ولذلك حاول التنصل من تصريحاته السابقة في عدة تصريحات تلفزيونية متتالية.
  • لذلك ظهرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بتجميع تلك الفيديوهات وترجمتها وإرسالها إلى الاتحاد الأفريقي والاتحاد الدولي لاتخاذ عقوبات أشد صرامة ضد مرتضى منصور.

لكن لماذا حرص مرتضى منصور على استخدام تلك “التهمة” في الهجوم على معارضيه؟

خطاب المؤامرة

  • على مدار العقود الماضية، ارتكز خطاب نظرية المؤامرة في الوطن العربي والعالم الإسلامي على اتهام اليهود بأنهم السبب وراء معظم الانتكاسات والهزائم التي حلت بالمنطقة.
  • وتمثل جزء من هذا الخطاب باتهام عدد من الشخصيات التاريخية الجدلية بأن أصولها يهودية، في إشارة إلى أن ما قامت به تلك الشخصية التاريخية إنما هو جزء من مؤامرة معدة مسبقا تمتد إلى عشرات السنين، وأن ما قامت به تلك الشخصية لا يمكن أن يقوم به شخص مسلم أو وطني، بل يجب أن يكون ولاؤه لجهات أخرى.
  • لا تتناول معظم تلك الاتهامات أصول تلك الشخصيات بشكل عام، بل تركز معظمها على الأم فقط، فالقول بأن الأم يهودية معناه أن الابن تربى ونشأ على الديانة اليهودية أيضا، نظرا لأن التعاليم اليهودية لا تعتبر أي شخص يهوديا إلا إذا ولد من أم يهودية، وهو ما يساعد على أن تكون حبكة القصة أكثر منطقية وإقناعا للجمهور الذي قد يكون متعطشا بدوره لإحالة هزائمه وإخفاقاته إلى عوامل خارجية.
  • يمكن الإشارة إلى بداية هذا الخطاب في العصر الحديث مع قيام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة العثمانية عام 1924 واستبدالها بدولة وطنية تركية، لتظهر اتهامات في كتب تاريخية عديدة من أنصار الدولة العثمانية والتيارات الإسلامية تتهم أتاتورك بأنه من يهود الدونمة، وبأنه مجهول النسب، بالإضافة إلى اتهامات أخرى بالعمالة للإنجليز والماسونية.
  • ظهرت هذه الاتهامات في عشرات الكتب والمراجع التي تحتاج إلى بحث مستقل لحصرها وتحليلها، وتحولت الشائعة إلى حقيقة مؤكدة لا تقبل الشك لدى الكثيرين.
  • تكرر هذا الاتهام بصورة أخرى، لكن هذه المرة في مصر، وبالتحديد مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فبعد صدامه مع الإخوان المسلمين وقمعه لهم، ظهرت سرديات تتهمه بأنه من أصول يهودية، مستدلين على ذلك بأنه نشأ في حارة اليهود بمنطقة الجمالية بالقاهرة، وهو اتهام لا يستند إلى دليل ملموس. لكنه ما زال موجودا بقوة في بعض السرديات المعاصرة حتى الآن.
  • أما في السنوات الأخيرة، فقد ظهرت حكاية الأصل اليهودي مرة أخرى، فبعد ثورة يناير اتهم مقربون من نظام مبارك الناشط السياسي وائل غنيم بأنه ماسوني ويهودي، وبأن زوجته يهودية.
  • ومع الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، وسيطرته على مقاليد الحكم حتى الآن في مصر، ظهرت مقالات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تقول بأن والدة السيسي يهودية من أصول مغربية، وهي شائعة انتشرت بقوة لدى معارضي الانقلاب طوال سنوات.
  • كتب عبد الناصر سلامة رئيس تحرير الأهرام السابق مقالا في صحيفة المصري اليوم ألمح فيه إلى نفس الأمر متسائلا “من يضمن إذن أن ذلك المسؤول أو ذاك، ليس من أب يهودي، أو أم يهودية، أو هما معاً؟!”، مضيفاً “قد يكون هناك إيلي كوهين في عواصم عديدة بالمنطقة الآن. إذا كانت قد فعلتها في عز المد القومي العربي، ما الذي يمنع في ظل حالة الوهن والترهل الراهنة؟!
  • كما تعرض رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب أيضا لشائعات مفادها أنه يهودي وأن أصوله تعود إلى يهود الدونمة.
  • لكن المفارقة أن الطرف الآخر المؤيد للسيسي استخدم تلك الحجة أيضا لكن ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ اتهم عدد من هؤلاء في تصريحات تلفزيونية ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي الرئيس التركي بأنه من يهود الدونمة، في تكرار حرفي لنفس الاتهامات التي قيلت بحق أتاتورك قبل أكثر من 90 عاما.

 

 

والآن تأتي اتهامات مرتضى منصور لخصومه ومعارضيه لتأخذ منحى أكثر شعبوية وانتشارا وتدلل على قوة وتجذر خطاب المؤامرة في الوجدان العربي لدى جميع التيارات.

المصدر : الجزيرة مباشر