القمح سلاح استراتيجي يحاصر العرب

القمح منتج استراتيجي ـ أرشيف

يشكل القمح مادة أساسية لتغذية 3 مليارات شخص، خاصة في العالم العربي، لكن أكبر مستهلكيه عاجزون عن إنتاجه في كثير من الأحيان، ويعتبر العالم العربي المستورد العالمي الأول للقمح، ويستورد  ثلث مبيعات العالم منه، برغم أن العرب يشكلون 6% من سكان المعمورة. مما يجعل منه سلاحا استراتيجيا بالغ الأهمية.

وتنتج خمس دول أكثر من نصف القمح العالمي (الهند، الصين، روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) تضاف إليها عدة دول مصدرة هي كندا وأستراليا وأوكرانيا وتركيا. وينتج هذا النادي (85% من الإنتاج العالمي) يساهم في تغذية سوق عالمية تستهلك 160 مليون طن سنويا بقيمة حوالى 50 مليار دولار.

لكن أمام طلب يتضاعف بقوة تعاني السوق من نقص مرة كل سنتين، أي عندما يقل إنتاج القمح العالمي (720 مليون طن في2014) عن الاستهلاك وينبغي اللجوء إلى المخزون.

ويعتبر “سباستيان أبيس” الباحث في مؤسسة العلاقات الدولية والاستراتيجية وكاتب “الجغرافية السياسية للقمح” أن منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، التي تحوي 6% من سكان العالم “تستقطب ثلث مشتريات القمح”. وأضاف “من المغرب إلى مصر تسجل نسبة الاستهلاك الأعلى في العالم: 100 كيلوجراما من القمح لكل شخص سنويا، وهذا يشكل ضعفي النسبة في الاتحاد الأوروبي وثلاثة أضعافها في سائر مناطق العالم” وتابع “مع الأسف تدفع نوعية التربة والمناخ وقلة المياه والنمو السكاني إلى إغراق هؤلاء في “ارتهان مفرط للحبوب”.

وصرح “يسعدنا بيع مصر طائرات رافال لكن لا أحد يتنبه إلى أننا نبيعها القمح بشكل منتظم. غير أن القمح يشكل أفضل مساهمة في صنع السلام” علما بأن فرنسا تحتل المرتبة الخامسة عالميا في إنتاج القمح وهي الثالثة في تصديره. وأضاف أن هذه المنطقة “التي تشهد غليانا مستمرا” تنقصها كذلك على الدوام حبيبات الذهب تلك.

وأشار الباحث إلى أن هذا العنصر الاقتصادي والاستراتيجي يتم إهماله كثيرا، أو التقليل من أهميته، من قبل صانعي القرار.

وأفاد أبيس أنه “بين 1998 و2013 فاق الطلب العالمي الاستهلاك ثماني مرات”. وفي العام 2013 كان سعر القمح أغلى بـ80% مما كان عليه في العام 2005.

وأضاف أن القمح هو المنتج الزراعي والغذائي الأكثر تبادلا في العالم، حيث تشكل مصر المستورد الأول عالميا (أكثر من 10 ملايين طن سنويا) تليها الجزائر والمغرب وتونس والعراق وإيران وسوريا واليمن والسعودية.

ووصف الباحث سوق القمح بأنها “سوق الخوف” موضحا أن القوى الإقليمية تمارس “دبلوماسية الحبوب” لتعزيز سيطرتها على جيرانها، كما فعل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي كان يعيد توزيع جزء من وارداته في منطقة الساحل الإفريقي.

وهذا ما يمارسه الأتراك الذين يملكون 30% من إنتاج المنطقة، لكنهم يبقون من كبار المستوردين في المنطقة (من 4 إلى 5 ملايين طن).

واستولى تنظيم الدولة الإسلامية على شمال العراق ليسيطر على حقول النفط وكذلك القمح في سهل نينوى بحسب “جان شارل بريزار” الخبير في شؤون تمويل الارهاب.

ويرى “أبيس” أن فرنسا معنية بشكل خاص بحاجات منطقة المتوسط. وأوضح أن “القمح هو نفطها الذهبي” حيث صدرت منه بقيمة 9 مليارات و500 مليون يورو في العام الفائت. وأضاف أن “هكتارا من خمسة يزرع في فرنسا يستهلك في مناطق جنوب المتوسط”. وهذا يحمل البلاد مسؤولية خاصة. وأوضح “في هذه المنطقة إن أزلتم الخبز عن المائدة لا يبقى الكثير”. كما أن فرنسا تنتج كميات منتظمة بفضل مناخها المستقر، فهي لا تشهد ظواهر قصوى كما يحدث في السهول الأمريكية الكبرى أو روسيا. حتى موجة الحر لم تعدل المحصول الفرنسي الذي يقدر بحوالي 38 مليون طن يصدر ثلثها (70% من الصادرات إلى خارج الاتحاد الأوروبي).

وأضاف الباحث “القمح هو في الواقع سفير اقتصادي أفضل من طائرات القتال” مطالبا ـب”أوبك للقمح” على غرار منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) التي تتفق لضبط العرض والأسعار.

وفي العام 2011 أطلق مشروع “ويت إينيشاتيف” أو (مبادرة القمح) في إطار مجموعة العشرين، وهو يشمل مراكز أبحاث وشركاء من القطاع الخاص من 16 بلدا، ويقدر أن حاجات القمح ستزيد بنسبة 60% مع حلول العام 2050.