مصر تحفر خندقا عملاقا لخنق قطاع غزة

الجيش المصري يحفر خندقا بمحاذاة قطاع غزة  ـ أرشيف

بدأت قوات حرس الحدود وسلاح  المهندسين بالجيش الثاني الميداني المصري حفر خندق كبير على طول  الحدود مع قطاع غزة بمدينة رفح المصرية. يبعد الخندق المحفور عن خط الحدود مع قطاع غزة حوالي ألفي متر وبلغ عمقه  حتى الآن حوالي 20 مترا وعرضه عشرة أمتار، وتم نشر قوات من حرس الحدود بطوله.

ونقلت وكالة “معا” الفلسطينية عن مصادر عسكرية مصرية “أن الخندق تسبب في منع وصول سيارات المهربين المحملة بالبضائع  المهربة لمنطقة الأنفاق الحدودية الخلفية خاصة الوصول للأنفاق المحفورة  بطول 1500 متر وألفي متر، كما كشف الخندق المحفور عن أجسام العديد من الأنفاق وفتحات تهوية الأنفاق ، وتم التعامل معها وتدميرها.

وأضافت المصادر العسكرية المصرية أن سلاح المهندسين في طريقة إلى تعميق الخندق لأكثر من  30 مترا حتى الوصول للمياه الجوفية، كما ستقوم قوات الجيش ببناء أبراج  مراقبة بطول الخندق الموازي لخط الحدود مع غزة.

وتابعت المصادر أن قوات الجيش المصري حصرت حتى الآن قرابة ألف منزل  بالمرحلة الثالثة المستهدف إخلاؤها عقب انتهاء شهر رمضان لتوسيع المنطقة العازلة على حدود غزة لتصل إلى 1500 متر، في إطار خطة الدولة لإخلاء خمسة آلاف متر بطول الحدود مع غزة في محاولة للقضاء على الأنفاق.

وتشير دراسة أعدها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بعنوان “هدم الأنفاق على الحدود المصرية الفلسطينية: خلفياته وتداعياته” إلى  أن”الإجراءات القاسية وغير المسبوقة التي قام بها الجيش المصري، بعد الانقلاب العسكري، لتدمير الأنفاق وإنشاء منطقة عازلة بعمق 5 كيلومترات  وتشديد الحصار على قطاع غزة، زادت من معاناة أبناء القطاع، بهدف إضعاف حركة حماس في غزة، عن طريق خنق القطاع، لتفجير الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في وجه حماس، ومحاولة تأليب الجماهير ضدها، وصولاً إلى إسقاطها”.

ويبلغ عدد الأنفاق التي تربط قطاع غزة بمدينة رفح المصرية حوالي 1700 نفق، تم تدمير غالبيتها العظمى، برغم أنها الشريان الوحيد لتوفير احتياجات  مليون و900 ألف فلسطيني في القطاع بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه اسرائيل بمساعدة مصر، منذ فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وسيطرتها على القطاع بشكل كامل في يونيو/ حزيران 2007 .

وتشير الدراسة إلى أن “شبكة الأنفاق على الحدود المصرية الفلسطينية تحولت إلى شريان حياة للقطاع المحاصر برياً وبحرياً وجوياً منذ حوالي 9 سنوات. وإثر الانقلاب العسكري في مصر، قام الجيش المصري بتشديد الحصار على قطاع غزة؛ بإجراءات غير مسبوقة. فدمر ما يقرب من 90% من الأنفاق على الحدود، بهدف زيادة الضغط على القطاع المحاصر، بمبررات وحجج أمنية، ما تسبب في تهجير كبير للتجمعات السكانية المتاخمة للحدود، في مناطق صلاح الدين، والبراهمة، وكندا، والبرازيل، والصرصورية وغيرها. علاوة على غلق المنطقة البحرية بين مصر وقطاع غزة، وملاحقة الصيادين الفلسطينيين في المنطقة، عبر استهدافهم بشكل مكثف من قبل خفر السواحل المصرية”.

وأشار التقرير إلى وجود تنسيق وتعاون أمني بين الجانبين الإسرائيلي والمصري، وأنه آخذ في الاتساع يوما بعد يوم، وقد  أدى الحصار الخانق بسبب تدمير الأنفاق إلى ارتفاع معدلات البطالة ومستوى الفقر في قطاع غزة. وفقدان عشرات الآلاف من العمال لأعمالهم.

وعن أبرز الانعكاسات السياسية لهدم الأنفاق على المشهد الفلسطيني أشارت الدراسة إلى أن:

– استخدام الحصار الناتج عن هدم الأنفاق حالياً من قبل السلطة الفلسطينية في الضغط على حماس، لمحاولة منعها من تصعيد معارضتها لمسار التفاوض، المرفوض من قبل شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني.

– الضغط على برنامج المقاومة في قطاع غزة، لتكريس مفهوم عدم فاعليته كخيار منجز للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.

– انعكاس ميداني للتغيير الذي حدث في مصر على الواقع الفلسطيني، وقد ينعكس على خريطة القوى الفلسطينية، التي كانت قد انقلبت إيجاباً لصالح حركة حماس على أثر الربيع العربي.

– يُتيح للسلطة الفلسطينية في رام الله المجال رفع مكانتها لدى الشعب الفلسطيني، من خلال التدخل  لدى سلطة الاحتلال، والسلطات المصرية لتخفيف الحصار عن غزة؛ لتعزيز الانطباع بشأن قدرة السلطة في رام الله وفاعلية دورها، مقابل عجز حماس والحكومة الفلسطينية في غزة.

– ترى قيادات فتحاوية أن تشديد الحصار، ووجود نظام مصري جديد معادٍ لحماس، يتيح لفتح وللسلطة في رام الله أدوات ضغط جديدة، لفرض رؤية فتح على طريقة تنفيذ المصالحة، وعلى تنازل حماس عن إدارة قطاع غزة.

وقالت الدراسة إن “القراءة الفاحصة لإجراءات الجيش المصري على الحدود المصرية الفلسطينية ومستوياتها غير المسبوقة، وما يرافقها من حملة إعلامية مكثفة تجهد لشيطنة حركة حماس، والشعب الفلسطيني في غزة، كل ذلك يؤكد أن الحملة لها أجندة سياسية خاصة، وأن أعمال الجيش المصري تجاه قطاع غزة ليست أحادية، وإنما تأتي في سياق أجندة سياسية دولية وإقليمية يجري تنفيذها في المنطقة. في إطارها العام تستهدف الانقلاب على الربيع العربي ومخرجاته، وفي الإطار الخاص تهدف لمحاصرة الحكومة الفلسطينية في غزة باعتبارها أحد تجليات تجارب “الإسلام السياسي” الذي تغلب في المنطقة على إثر الربيع العربي، وباعتباره العمود الفقري لثورات التغيير العربية”.

وعن أبرز الأهداف التي يحاول النظام المصري تحقيقها من سياسة عزل قطاع غزة، قالت الدراسة إنها تتركز في:

– زيادة الضغط الاجتماعي على الحكومة الفلسطينية في غزة بهدف إسقاطها، بتأليب الجماهير عليها.

– تكريس مقولة فشل “الإسلام السياسي” من خلال إسقاط تجربة “حكم حماس” في غزة باعتبارها أحد تجليات الظاهرة الإسلامية.

–  تصدير الأزمة المصرية إلى الخارج، للتغطية على مآزق الوضع المصري الراهن.

–  تأتي جهود الجيش في سيناء ومحاصرة غزة، ضمن عودة النظام المصري إلى “محور الاعتدال” العربي، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”.

ولدى العديد من الجهات التي تستهدف قطاع غزة، فلسطينية وإقليمية ودولية، وجهات نظر متعددة من أجل إسقاط  “حماس”  في غزة، من بينها:

– الخنق تدريجياً والانتظار كي يؤتي الحصار أكله. والهدف صناعة سخط شعبي في قطاع غزة من خلال الضغط الاقتصادي، لتثوير الناس على الحكومة.

– استهداف غزة عبر اجتياحها عسكرياً، وقد ثبت فشل هذا الخيار في العدوان الاسرائيلي الاخير على القطاع

-إضعاف قبضة حماس في قطاع غزة من خلال خطة ناعمة، عبر تمرير مصالحة فلسطينية وربط الضفة بالقطاع ثانية، وتشغيل الممر الآمن لتشجيع التبادل الاقتصادي بين الضفة والقطاع، لتفكيك سيطرة حماس الاقتصادية والسياسية والشعبية على قطاع غزة، وبالتالي إزاحتها.

وقالت الدراسة “إن الاستقراء للواقع الميداني في الوقت الراهن يُظهر أن الخيار الذي يجري تنفيذه على الأرض حتى الآن هو الضغط بالحصار بدرجة محسوبة، لتجنب التأثيرات الكبيرة التي ستحدث فيما لو انفجر الوضع في غزة. وهذا السيناريو يعتمد على سياسة “الخنق والانتظار” لتأليب الشعب على حماس بانتظار أن تستقر الأمور للحكم الجديد في مصر، للنظر في خيار حاسم فيما بعد.

ولعل هذا السيناريو هو الأرجح، لأنه الأقل كلفة، والأنسب حتى الآن في ظل التحديات والعقبات الكبيرة التي تواجه السيناريوهات الأخرى، خاصة العسكرية، ولأن العامل الإسرائيلي وهو المرجح في المعادلة الحالية القائمة ربما يفضل ذلك.

المصدر : الجزيرة مباشر