ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 10 قتلى.. تجدد المظاهرات ضد الحكم العسكري في السودان بعد يوم دامٍ

عاود المحتجون السودانيون، الجمعة، التظاهر ضد ما أسموه “الانقلاب العسكري” في الخرطوم، فيما أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، بعد أحد أكثر أيام الاحتجاجات دموية خلال هذه السنة.

وردد المحتجون في العاصمة السودانية قرب القصر الرئاسي هتافات مثل “الشعب يريد إسقاط البرهان” و”نطالب بالانتقام”.

وحمل بعضهم صورا للضحايا الذين سقطوا، أمس الخميس، حيث قُتل 9 سودانيين على الأقل خلال تظاهرة ضد الإجراءات التي نفذها الفريق عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/تشرين أول 2021.

والجمعة، ارتفع عدد ضحايا مظاهرات 30 يونيو المطالبة بالحكم المدني في السودان، إلى 10 قتلى، وفق لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية).

وأفاد مراسل الجزيرة مباشر نقلا عن مصادر طبية بمقتل 9 متظاهرين برصاص قوات الأمن السودانية خلال تفريق المظاهرات بالخرطوم، فيما توفي متظاهر، اليوم، متأثرًا بإصابته في مظاهرات سابقة.

تعليمات بعدم حمل السلاح

وقالت رئاسة الشرطة السودانية إن القرارات والتعليمات التي صدرت في إطار تنفيذ خطة تأمين حراك، أمس الخميس، واضحة ومعلومة للجميع بعدم تسليح أي قوات تتعامل مع المتظاهرين.

جاء ذلك في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية، تعليقا على مقطع فيديو تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهر شرطيا وهو يطلق النار على أحد المتظاهرين في شارع الستين بالعاصمة الخرطوم وسقوطه على الأرض.

وقالت رئاسة الشرطة في بيانها إن “القرارات والتعليمات التي صدرت في إطار تنفيذ خطة تأمين حراك (يوم 30 يونيو/ حزيران) واضحة ومعلومة للجميع بعدم تسليح أي قوات تتعامل مع المتظاهرين بسلاح ناري في المواقع الفاصلة وعدم السماح بخروج أي شرطي مسلح بسلاح ناري خارج دور الشرطة وللدفاع عن الموقع فقط”.

وأضافت أن المقطع المتداول “يؤكد أن هنالك مخالفة للتعليمات وتصرف يشكل جريمة ولا نقبله بتاتا من منسوبينا في كافة المستويات”.

وأشارت إلى “شروعها في التحقيق لاتخاذ القرارات التي تحفظ الحقوق كاملة غير منقوصة تجاه من خالف تعليمات وقرارات الرئاسة ومن ارتكب الفعل ومن سمح له بالتسليح والخروج ونلتزم بتطبيق نصوص القانون دون حصانة لمثل هذه الأفعال”.

وأردفت أن مثل هذه التصرفات “لا تشرفنا ولا ندافع عنها ويتحملها صاحبها شخصيا ولا نرضى أن يكون بيننا من لا يحترم التعليمات لإعطاء كل ذي حق حقه سواء كان لنا أو علينا لا نتردد في ذلك ولا نخشى في الحق لومة لائم”.

واتهمت الشرطة السودانية المتظاهرين بإصابة عشرات من أفرادها وأفراد الجيش “بعضهم في حالة خطيرة” فضلا عن إتلاف المركبات وإشعال الحرائق، خلال تظاهرات الخميس.

وقالت الشرطة إن مظاهرات الأمس خلفت أيضا أكثر من 200 مصاب بعد اشتباكات وقعت بين قوات الأمن والمتظاهرين.

وامس الخميس، خرج آلاف السودانيين في مظاهرات تحت شعار “مليونية 30 يونيو” بالعاصمة الخرطوم وعدة مدن منها أم درمان (غربي العاصمة) والأبيض (جنوب) وود مدني والحصاحيصا (وسط) والقضارف وبورتسودان (شرق) وعطبرة (شمال) للمطالبة بعودة الحكم المدني، ورفضا لـ”الانقلاب العسكري”.

مظاهرات 30 يونيو في الخرطوم (غيتي)

اعتقال نساء

من ناحيته، كشف تحالف محامو الطوارئ في السودان عن اعتقال السلطات الأمنية أكثر من 150 متظاهرًا خلال مشاركتهم في احتجاجات الخميس.

وأشار التحالف في بيان تلقت الجزيرة مباشر نسخة منه إلى أن من بين المعتقلين 27 معتقلة من المتظاهرات تعرضن لانتهاكات بالغة من قبل القوات الأمنية وتم ترحيلهن إلى سجن سوبا جنوبي الخرطوم وسجن النساء في أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.

قلق أممي وإدانات

وأدانت الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، بأشد العبارات الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن في مواجهة احتجاجات 30 يونيو.

واعتبرت في بيان أن تقييد شبكة الإنترنت والهاتف المحمول انتهاكًا لحرية التعبير والوصول إلى المعلومات، وأكدت على ضرورة إجراء تحقيقات موثقة في جميع حوادث العنف.

وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة “أعلنا موقفنا من قبل، وسوف نستمر في إعلانه.. نحن منزعجون وقلقون بشدة إزاء مواصلة استخدام القوة المفرطة والذخيرة الحية من قبل قوات الأمن ضد المتظاهرين في السودان”.

وأضاف أنه يجب السماح للناس بالتعبير عن آرائهم في حرية، وأن على قوات الأمن في أي دولة أن تدافع عن هذا الحق، ورأى دوجاريك أن الطريق الوحيد للمضي قدما أمام السودانيين يمر عبر تسوية سياسية بأسرع ما يمكن.

وأعربت المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان عن عميق أسفها لما وصفته بالعنف المفرط الذي وجهت به احتجاجات الخميس. وناشدت المفوضية في بيان لها الجمعة الجهات المختصة بالتحقيق في أحداث العنف المعلومات التي تشير إلى سقوط قتلى وسط المتظاهرين.

وطالبت المفوضية، السلطات بضرورة استكمال التحقيقات حول أحداث العنف السابقة وإعلان نتائجها وتقديم المتهمين للمحاكمة العادلة، وأكدت على أن إفلات المتورطين في أحداث العنف من العقاب من شأنه أن يعزز إمكانية تكرار هذه الانتهاكات، كما طالبت السلطات بضرورة إتخاذ التدابير اللازمة لحماية الحق في التجمع السلمي، ونددت بقطع شبكة الاتصالات والانترنت.

المعارضة السودانية دعت إلى المظاهرات بهدف “إسقاط الانقلاب العسكري” (رويترز)

من جهتها، وصفت قوى الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي، مظاهرات اليوم بأنها “حققت تغييرا في موازين القوى لصالح الحركة الجماهيرية”.

وأضافت في بيان “الشعب السوداني لا يبحث عن المدنية فحسب بل يضع قضية الجيش الواحد المهني على رأس الأولويات”.

وتابعت “الاستقرار مرتبط بمدنية الدولة والشعب السوداني يتعرض لبطش بالغ يستدعي إدانة دولية للجرائم”.

وطالبت قوى التغيير العسكريين “بالاستجابة لمطالب تسليم السلطة للشعب ليختار مايريد دون هيمنة أو استبداد”. وأكدت أنها “في تشاور مع قوى الثورة لاستخدام كل الوسائل السلمية من اعتصام وعصيان وإضراب سياسي”.

وتأتي الاحتجاجات في الذكرى الثالثة لمظاهرات ضخمة خرجت خلال انتفاضة 2019 التي أطاحت بحكم عمر البشير.

وتعيد أجواء التحضيرات الجارية إلى الأذهان خروج السودانيين في مواكب ضخمة في 30 يونيو/حزيران قبل 3 سنوات لحمل المكون العسكري على العودة إلى التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير بعد أحداث العنف التي رافقت فض اعتصام القيادة العامة للجيش.

وقال رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان إن القوات المسلحة لن تتهاون في واجب العمل على تحقيق واستدامة أمن البلاد واستقرارها، وإنها تتطلع إلى اليوم الذي ترى فيه حكومة وطنية منتخبة تتسلم منها عبء إدارة البلاد.

وأضاف خلال زيارته مقر القوات الخاصة في جنوب الخرطوم، أن الطريق الوحيد لتشكيل حكومة منتخبة يكون إما بالتوافق الوطني الشامل أو الذهاب إلى الانتخابات وليس بالدعوة إلى التظاهر والتخريب، حسب تعبيره، مشيرًا إلى أنه لا يعترض على ممارسة الحق في التعبير من خلال التظاهر السلمي.

ومنذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي، وترفض إجراءات استثنائية اتخذها البرهان آنذاك، يعتبرها الرافضون “انقلابا عسكريا”.

ونفى البرهان صحة اتهامه بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إن إجراءاته تهدف إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وتعهّد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.

الغرب يدعم المتظاهرين

في السياق، قال بيان مشترك لسفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والنرويج وسويسرا واليابان في الخرطوم، إن الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية تُظهر أن الشعب السوداني يختار الانتقال الديمقراطي.

ودعا البيان الذي نشرته السفارة الأمريكية عبر تويتر، كل الأطراف إلى العمل في إطار العملية السياسية، لإيجاد طريق نحو الانتقال الديمقراطي، مع تأكيد حق الشعب السوداني في التظاهر من دون خوف أو عنف، كما حث البيان جميع الأطراف في السودان على ضبط النفس وحماية المدنيين.

ودعا فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالسودان السلطات الثلاثاء إلى تجنب العنف في مواجهة الاحتجاجات. وقال في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر “لن يتم التسامح مع العنف ضد المتظاهرين”.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات