الشيشان والقرم وبيلاروسيا وجورجيا.. ضحايا روسيا يحتشدون في أوكرانيا لـ”تصفية الحساب”

مسلم تشيبرلوف قائد كتيبة الشيخ منصور الشيشانية في أوكرانيا (تويتر)

على مدار الأعوام الماضية، دخلت روسيا في صراعات سياسية وعسكرية، لمساندة أنظمة حكم موالية لها، أو لضم أراض جديدة بالقوة، أو لدعم أقاليم انفصالية، أو للاستيلاء على مناطق ذات أهمية اقتصادية. وقد نتجت عن هذه الصراعات تضرر ملايين من الأشخاص في العالم، كما أدت إلى تصاعد مشاعر الكراهية لروسيا في بعض البلدان التي عانت من آثار التدخل الروسي. ولذلك قرر بعض هؤلاء المتضررين استغلال الحرب الروسية على أوكرانيا للذهاب إلى هناك وقتال الجيش الروسي بغرض الانتقام وتصفية حساباتهم المؤجلة مع موسكو.

وفيما يلي استعراض لأبرز تلك الكيانات والفئات التي تدخلت لمواجهة القوات الروسية في أوكرانيا:

كتيبة الشيخ منصور

أطلق هذا الاسم على الكتيبة تيمُّنًا بالإمام منصور الشيشاني الذي قاد المقاومة ضد القوات الروسية في القوقاز أواخر القرن الثامن عشر مدة 9 سنوات، قبل أن يُؤسَر ويُقتَل في السجن.

تضم الكتيبة مقاتلين شيشانيين مسلمين معارضين لروسيا كانوا قد تفرقوا إثر نجاح روسيا في إسقاط جمهورية الشيشان وضمها إلى أراضيها، بعد حرب استمرت سنوات، وأدت إلى مقتل عشرات الآلاف، فضلا عن تدمير واسع للمدن الشيشانية.

تفرق أفراد الكتيبة في عدة مدن، ثم سافر بعضهم إلى سوريا لقتال القوات الروسية هناك، ثم قرروا الانضواء في كتيبة تابعة للجيش الأوكراني لمحاربة الانفصاليين شرقي أوكرانيا عام 2014.

برز اسم الكتيبة في الحرب الأخيرة بعد نشر مقطع فيديو لأفرادها وهم يقاتلون القوات الروسية على حدود العاصمة الأوكرانية، وهم يكبّرون ويهلّلون.

ووضّح (مسلم تشيبرلوف) قائد الكتيبة أهدافها قائلا “نحن نشارك الأوكرانيين في هذه القضية. نحن هنا فقط لمحاربة روسيا”.

كتيبة جوهر دوداييف

كتيبة شيشانية أخرى تحمل اسم أول رئيس للشيشان، وهو جوهر دوداييف الذي اغتيل عام 1994.

قاتلت هذه الكتيبة كذلك مع الجيش الأوكراني ضد الانفصاليين منذ 2014، وتشارك في الحرب الحالية ضد القوات الروسية.

أسّس الكتيبةَ القائدُ العسكري الشيشاني (عيسى موناييف)، الذي قاتل الروس دفاعًا عن العاصمة غروزني أثناء حرب الشيشان الثانية عام 1999، ثم غادر البلاد إثر إصابته.

وبعد اندلاع القتال شرقي أوكرانيا، شكل موناييف الكتيبة من مئات المتطوعين تحت قيادته، لكنه قُتل خلال إحدى المعارك عام 2015، ودفن في مقابر المسلمين في مدينة دنيبرو. ويقود الكتيبة منذ ذلك الوقت (آدم عثماييف)، وهو أوكراني من أصول شيشانية، وزوج المقاتلة الأوكرانية الراحلة الذائعة الصيت (أمينة أكويفا) التي قتلت بعملية اغتيال تعرضت لها هي وزوجها عام 2017، لكن عثماييف نجا من المحاولة.

وتشارك الكتيبة حاليا في القتال ضد القوات الروسية. ونشر قائدها عثماييف مقطع فيديو وهو يحمل بندقية بجوار مسلحين مقنّعين، قال فيه إن المقاتلين الشيشانيين الذين يحاربون لصالح روسيا في أوكرانيا “خونة” و”دمى تابعة لروسيا”.

وأضاف “أؤكد أيضا للأوكرانيين أن الشيشانيين الحقيقيين يقفون معكم ويدافعون عن أوكرانيا كما فعلوا في السنوات الثماني الماضية”.

وتشترك قوات شيشانية رسمية تابعة للرئيس الشيشاني الموالي للكرملين رمضان قديروف في القتال لصالح القوات الروسية، خاصة في مدينة ماريوبول التي تبدي مقاومة شرسة أمام محاولات السيطرة عليها.

كتيبة القرم الإسلامية

تضم الكتيبة مقاتلين مسلمين من تتار شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا عام 2014 وضمتها لأراضيها. وتقاتل تحت راية الجيش الأوكراني منذ عام 2015.

وتقاتل الكتيبة في الحرب الروسية على أوكرانيا. وأعلنت أمس الثلاثاء أنها نجحت في استعادة السيطرة على قرية (موتيجين) غربي كييف من القوات الروسية، بمساندة من الجيش الأوكراني.

وبثت الكتيبة مقطع فيديو من داخل القرية، يظهر فيه قائدها (عيسى أكاييف) مع جنوده وبعض سكان القرية.

الفيلق الجورجي

قبل الحرب الروسية، أعلنت جورجيا تضامنها الكامل مع أوكرانيا في مواجهة تصعيد موسكو. وقالت رئيسة البلاد (سالومي زورابيشفيلي) إنها تأمل ألا تضطر أوكرانيا إلى مواجهة ما مرت به بلادها، في إشارة إلى التدخل الروسي لمساندة الانفصاليين في منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عام 2008، الذي أدى إلى انفصالهما عن جورجيا وإعلانهما جمهوريتين مستقلتين بقوة الأمر الواقع.

وبعد اندلاع الحرب على أوكرانيا، شارك متطوعون جورجيون في القتال ضد القوات الروسية، استجابة للدعوة الأوكرانية للمواطنين الأجانب للانضمام إلى القتال ضد الجيش الروسي.

وبثت الوكالات مشاهد لتجمع العشرات من المتطوعين خارج السفارة الأوكرانية في العاصمة الجورجية لتسجيل أسمائهم.

وفي 19 مارس/ آذار الجاري، أعلن رئيس البرلمان الجورجي (شالفا بابواشفيلي) مقتل 3 متطوعين من بلاده في الحرب الدائرة بأوكرانيا. وقالت وسائل إعلام جورجية إن القتلى عسكريون سابقون لقوا مصرعهم في مدينتي ماريوبول وإيربين. وتجمع آلاف الجورجيين بحضور رئيسة البلاد أمام مطار العاصمة تبليسي في 24 من الشهر الجاري لاستقبال وتكريم جثمانَيْ مقاتلين من الثلاثة.

وقالت صحيفة واشنطن بوست إن معظم المقاتلين الأجانب في أوكرانيا حاليا من جورجيا وبيلاروسيا. ونقلت عن شخص يدعى (ماموكا مامولاشفيلي) وهو قائد لمجموعة تطلق على نفسها “الفيلق الجورجي” أنهم يشكلون أكبر فيلق أجنبي في أوكرانيا منذ 2014، وأن عددهم يبلغ 200 رجل معظمهم جورجيون بالإضافة إلى جنسيات أخرى، مضيفا أنه يساهم حاليا في استقبال المقاتلين الأجانب الجدد.

كتيبة كاستوس كالينوفسكي

اضطر معارضون من بيلاروسيا إلى مغادرة بلادهم بعد حملة قمع تعرضوا لها، في أعقاب احتجاجات حاشدة ضد الرئيس ألكسندر لوكاشينكو عام 2020 بدأت بعد الانتخابات الرئاسية التي شابتها اتهامات بالتزوير.

وكانت روسيا قد ساندت نظام لوكاشينكو في وجه تلك الاحتجاجات، كما ساعدته على تجاوز العقوبات الغربية. وبذلك أصبحت بيلاروسيا إحدى الدول الداعمة لروسيا والتابعة لسياستها، وتحولت إلى أحد مراكز حشد القوات الروسية وتقديم الإمدادات لها.

في المقابل، انضم المئات من المعارضين البيلاروسيين إلى كتيبة تحمل اسم (كاستوس كالينوفسكي)، وهو زعيم بيلاروسي قاد انتفاضة عام 1863 ضد الإمبراطورية الروسية. وتقاتل تلك الكتيبة في صفوف الجيش الأوكراني، وسقط منها أول قتيل في 13 مارس الجاري. وظهر اسم الكتيبة على ملصقات عامة في كييف. وفي 25 مارس، ظهر أفراد من الكتيبة وهم يقسمون على الانضمام إلى الجيش الأوكراني.

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا عن المتطوعين البيلاروسيين في الحرب، وقال أحدهم للصحيفة “بمجرد بدء الحرب، قررنا البقاء هنا لأنه لا يوجد مكان نهرب إليه بالفعل، بلدنا تحت الاحتلال”. وأضاف “كييف تتعرض للقصف وأدركنا أن هذه ربما تكون الفرصة الحقيقية الأخيرة لاستعادة بيلاروسيا وحماية أوكرانيا وجعل هذا العالم مكانًا أفضل”.

وقال صحفي بيلاروسي سابق انضم للكتيبة “لدينا عدو مشترك، بوتين ولوكاشينكو، هذان هما اللذان أشعلا هذه الحرب”. كما أعربت زعيمة المعارضة البيلاروسية (سفيتلانا تيخانوفسكايا) على تويتر عن دعمها للكتيبة.

معارضون سوريون

أعلنت روسيا تجنيد آلاف “المتطوعين” من الشرق الأوسط، وخاصة من سوريا، للقتال في أوكرانيا، ولم يسجَّل -في المقابل- حتى الآن حضور لافت لسوريين يقاتلون ضد روسيا.

لكن صحيفة التايمز البريطانية نشرت تقريرا استعرضت فيه قصص سوريين يريدون التطوع للقتال ضد القوات الروسية، بسبب سخطهم على ما تعرضت له بلادهم من تدمير على أيد] الجيش الروسي الذي دمّر مناطق واسعة من سوريا لصالح نظام بشار الأسد، وأجبر مئات الآلاف على ترك منازلهم والنزوح إلى مخيمات تفتقد أساسيات الحياة.

من هؤلاء سهيل حمود الذي اشتهر بلقب “أبو التاو” بسبب قدرته على استخدام الصواريخ المضادة للدروع من طراز “تاو” وتدميره للعشرات من الدبابات والمدرعات التابعة للنظام.

وقال حمود للتايمز إنه يسأل عما إذا كانت هناك طريقة للذهاب إلى أوكرانيا والقتال لصالحها.

وكان حمود قد كتب تغريدة باللغة الإنجليزية على حسابه في تويتر أعرب فيها عن استعداده للقتال ضد القوات الروسية في أوكرانيا. وحظيت التغريدة بترحيب من أوكرانيين. كما نشر تغريدات أخرى معبرا عن دعمه لأوكرانيا وتعاطفه معها.

وقد انتشرت تقارير على وسائل إعلام غربية تقارن بين الدمار الذي تعرضت له المدن الأوكرانية وبين ما حدث في مدينة حلب السورية. وهو ما نكأ جراح السوريين المعارضين للأسد وربما يدفع بعضهم إلى الشعور بوحدة المصير مع أوكرانيا وبالرغبة في تقديم المساعدة. كما رفع سوريون العلم الأوكراني أثناء إحيائهم للذكرى الحادية عشرة لاندلاع الثورة السورية قبل أيام.

وتمثل حالة السوري مؤمن عزّ نموذجا للمأساة السورية، إذ ترك بلاده قبل 10 سنوات هربًا من قمع النظام، واستقر في أوكرانيا، ليواجه الهجوم العسكري الروسي.

وقال عزّ للجزيرة مباشر إنه رفض النزوح من كييف وإنه لا يريد أن يكرر نفس التجربة، مشيرا إلى أنه كان يدرك جيدًا معنى الحرب فور بدايتها، لكونه عاشها من قبل، ووصف شعوره بأنه “رهيب” لأنه يعيش ظروف الحرب والنزوح للمرة الثانية.

ولم يجد عزّ أيّ فرق بين ما حدث في مدينة ماريوبول وما عاشته حلب، مشيرًا إلى أن الدمار متشابه بل متطابق، على حد تعبيره.

وقال عزّ إن بعض الأوكرانيين اختاروا البقاء، وإنه قرر أن يفعل مثلهم، كما عبّر عن أسفه لأن سنّه لا يسمح له بحمل السلاح والدفاع عن البلد الذي لجأ إليه.

وتابع “أوكرانيا هي بلدي احتضنتني ومنحتني الأمان، يستحيل أن أتركها”.

المصدر : الجزيرة مباشر