السودان.. لجنة إزالة التمكين في قلب الأزمة السياسية بين شركاء الحكم

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك يتوسط أعضاء لجنة إزالة التمكين في يونيو/حزيران الماضي (الجزيرة/أرشيفية)

يصفها الثوار بأنها “أيقونة” ثورتهم فيما ينظر إليها أنصار النظام السابق على أنها أداة سياسية للتشفي وتصفية الحسابات، إنها “لجنة إزالة التمكين” الحكومية السودانية التي صاحبها جدل لا ينتهي خلال الفترة الأخيرة.

وأعلنت اللجنة الحكومية، أمس الإثنين، تعرض أحد مقارها في إقليم دارفور (غربي البلاد) لعمليات “سرقة ونهب واتلاف” على يد مجموعة من الخارجين على القانون.

ولم تتهم اللجنة جهة محددة بالوقوف وراء الحادث، لكنها قالت إنه “يأتي في إطار مسلسل استهداف لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 والتآمر على مكتسبات الثورة”.

وأشارت إلى أن “هذا السلوك الإجرامي لا ينفصل عن مسلسل الاستهداف الذي تواجهه اللجنة بالعاصمة والولايات، ولا يعدو كونه حلقة من مسلسل الانقضاض على ثورة ديسمبر”.

وجاء الحادث بعد ساعات من صدور تعليمات لقوات مشتركة -عسكرية وشرطية- كانت تحرس الأصول والعقارات المستردة من قبل اللجنة بالانسحاب وإخلائها فورا.

ويأتي قرار سحب القوات المشتركة التي تؤمن مقار اللجنة والأصول التي استردتها في ظل توتر متصاعد بين القيادات المدنية والعسكرية التي تقود الفترة الانتقالية.

ما هي لجنة إزالة التمكين؟

جرى تشكيل “لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال” إنفاذًا لقانون أقره مجلس الوزراء السوداني، لتفكيك “نظام الإنقاذ” الذي أسسه الرئيس المخلوع عمر البشير، ومصادرة ممتلكاته وحظر نشاط قياداته.

وأصدر رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، في ديسمبر/كانون الأول 2019، قرارًا بتشكيل لجنة لإزالة التمكين وإنهاء سيطرة أنصار النظام السابق على مفاصل الدولة استنادا الى نص المادة 8 البند 15 من الوثيقة الدستورية.

رئاسة اللجنة

أسند إلى عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا رئاسة اللجنة، فيما اختير محمد الفكي سيلمان نائباً له، وعمر مانيس الذي كان وزيرا لمجلس الوزراء مقررا للجنة.

وضمت اللجنة في عضويتها ممثلين لوزارات: الدفاع والداخلية والعدل والمالية والحكم الاتحادي، وممثلين للبنك المركزي، وقوات الدعم السريع، وجهاز المخابرات العامة، وديوان شؤون الخدمة، والمراجع القومي.

أعضاء اللجنة

شملت اللجنة في عضويتها حين إنشائها 5 ممثلين لتحالف قوى الحرية والتغيير، هم: وجدي صالح، أحمد الربيع، بابكر فيصل، طه عثمان، وصلاح أحمد الحاج مناع.

وشمل قرار مجلس السيادة تشكيل لجنة استئناف لقرارات لجنة التفكيك برئاسة عضو مجلس السيادة اللواء الركن إبراهيم جابر، وعضو مجلس السيادة رجاء نيكولا نائبا له.

وتقرر أن يكون وزير العدل نصر الدين عبدالباري مقررا للجنة الاستئناف، التي تضم في عضويتها القيادي بالحرية والتغيير صديق يوسف، وأمينة محمود شين.

قرارات اللجنة

تصدر اللجنة قراراتها بالتوافق بالأغلبية العادية، وتنعقد اجتماعاتها مرة كل أسبوع بحضور ثلثي الأعضاء ورئيسها أو نائبه وأعطى القرار لجنة تفكيك النظام البائد جميع السلطات والصلاحيات المنصوص عليها في قانون التفكيك، الذي أجازه اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء، مطلع ديسمبر 2019.

ومن بين الصلاحيات التي منحها القانون للجنة: الحق في الملاحقة القانونية ومصادرة الممتلكات لصالح الحكومة أو تحديد طريقة التصرف فيها لأي جهة حكومية.

وتولت اللجنة صلاحيات حل حزب المؤتمر الوطني ومصادرة ممتلكاته وأصوله لصالح الدولة وتفكيك واجهاته السياسية والاجتماعية، وملاحقة فساد منسوبيه المالي والإداري.

ومنذ أن بدأت الكشف عن ممتلكات نخبة عهد البشير، تحظى إفادات اللجنة التي يبثها التلفزيون الرسمي بمتابعة على نطاق واسع.

وتقول اللجنة إنها أعادت أكثر من مليار دولار من الأصول غير المشروعة إلى وزارة المالية و400 مليون دولار أخرى إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.

وتؤكد اللجنة أنها استردت حتى الآن أكثر من 50 شركة و60 منظمة وأكثر من مليون فدان من الأراضي الزراعية و20 مليون متر مربع من الأراضي السكنية بما فيها مقتنيات رئيسية على شاطئ النيل في العاصمة الخرطوم، وأراض زراعية خصبة وشركات رابحة.

واستعادت اللجنة أيضا فنادق ومدارس، وتقول إن جميعها ستستمر في العمل.

ولم يخف مواطنون سودانيون سعادتهم باسترداد تلك الأصول مطالبين اللجنة بالاستمرار في العمل حتى تعيد كل حقوقهم التي نهبها البشير وأنصاره على مدى سنوات.

سهام النقد

ودعا المستشار السياسي لرئيس الوزراء، نائب رئيس الحركة الشعبية (شمال) جناح مالك عقار، ياسر عرمان، إلى “إصلاح منهج اللجنة، وعدم استخدامها لتصفية الحسابات وأبعادها عن شبهات الفساد”.

وقال عرمان في وقت سابق بصفحته على فيسبوك إنه أدرك “الأخطاء التي ترتكبها اللجنة والطريقة الاستعراضية والمستفزة لعضوها صلاح مناع، والاتهامات التي تدور حوله كرجل أعمال”، لكن عرمان يرى أن الحملة ضده ليست بريئة، وفيها صناعة وخلفها فلول النظام السابق وامتداداتهم.

وتابع “الفلول مرعوبون من لجنة إزالة التمكين، لأن إزالة التمكين تعني إزالة (الإنقاذ) والدولة الموازية”.

ويرى مستشار رئيس الوزراء أن إزالة التمكين مهمة ويجب أن تستمر بلا هوادة وبلا تراجع، وأن اللجنة “من روح الثورة”، داعيا لجان المقاومة لدعم اللجنة في الريف والمدن وتبني قضية إزالة التمكين”.

وأضاف “يجب علينا كذلك إصلاح منهج اللجنة وعدم استخدامها لتصفية الحسابات وإبعادها من شبهات الفساد، وأن ترسخ بناء دولة القانون، وعمل اللجنة ليس قضية أشخاص بل هو بناء وطن واستكمال لثورة ويجب أن يكون في مقدمة اهتمام الديسمبريين”.

اتهامات

وكان رئيس حزب الأمة القومي الراحل الصادق المهدي انتقد عمل اللجنة واعتبر أن إيلاء أمر إزالة التمكين للجنة الحالية، إحدى الأخطاء التي صاحبت التجربة الانتقالية، معتبرا أن تلك المهمة كان يجب أن تخضع حسب الوثيقة الدستورية إلى مفوضية الفساد.

وطالت اللجنة اتهامات كثيرة في الفترة الماضية بـ”استغلال النفوذ، وتورط بعض منسوبيها في شبهات فساد وابتزاز”، بالإضافة إلى عدم وجود لجنة لاستئناف قراراتها، كما اتهمت بالقيام بدور تنفيذي وقضائي.

ويرى بعض أعضاء المكون العسكري للحكم أن اللجنة تجر عليهم سخط أنصار النظام السابق ويرون أن احتجاجات الشرق بسبب قراراتها بنزع ممتلكات رئيس الوزراء في عهد نظام البشير، محمد طاهر إيلا.

وكان حل اللجنة مطلبا رئيسيا ضمن مطالب أخرى لرئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، الناظر محمد أحمد الأمين ترك، الذي هدد بانفصال شرق السودان ورهن التراجع عن الخطوة بحل لجنة إزالة التمكين.

وتساءل ترك “من يحكم السودان؟ المجلس السيادي؟ مجلس الوزراء؟ أم لجنة إزالة التمكين؟”.

وطالب حزب الأمة بزعامة مبارك الفاضل، في فبراير/شباط الماضي، بحل لجنة إزالة التمكين واستبدالها بـ”مفوضية مكافحة الفساد”، ومراجعة كافة القرارات الإدارية التي أصدرتها.

وانتقد الحزب أداء اللجنة واعتبره “مؤججا للصراع” في البلاد واتهمها بارتكاب أخطاء قانونية فادحة والتغول على مهام الأجهزة القضائية.

وأشار إلى أن بعض توجيهات وقرارات اللجنة “تفتقر لبعد النظر السياسي والأمني، وتٌفاقم الأوضاع الأمنية الهشة، وتزيد الاحتقان اشتعالا”.

وأكد أن التحقيق وملاحقة وضبط الأفراد المتورطين في جرائم الاعتداء على المال العام والخاص والتخريب ومرتكبي الجرائم ضد الدولة من صميم عمل النيابة والشرطة ولا دخل للجنة به.

رئيس حزب الأمة القومي الراحل الصادق المهدي انتقد عمل اللجنة

استقالة مفاجئة

وتقدم الفريق ياسر العطا، في فبراير الماضي بشكل مفاجئ باستقالته من رئاسة اللجنة، وبرر ذلك بأن عمل اللجنة تنفيذي، وأنه قبل به لهشاشة وضع الثورة، ولترسيخ الشراكة في ذلك الوقت.

وأضاف أن هناك انتقادا مستمرا من كافة مستويات الحكم ومعظم مكونات الحاضنة السياسية لقانون ونهج عمل اللجنة، فضلاً عن عدم مباشرة لجنة الاستئنافات عملها، “ما عطّل عملنا وأعاق دورة العدالة، والتهاتر المستمر بيننا وبقية أجهزة ومؤسسات الدولة وفي وسائل الإعلام”، حسب قوله.

وأعلن أنه أراد أن أفسح المجال لآخرين من أبناء الثورة لمواصلة مسيرة العطاء ولتحقيق أحد أهداف الثورة، بنهج جديد، بتعضيد النجاحات، وتصحيح اخطائه.

وكانت اللجنة حاضرة في طليعة أسباب التوتر بين القيادات المدنية والعسكرية التي تقود البلاد منذ عزل الجيش البشير، في أبريل/نيسان 2019.

الفريق ياسر العطا تقدم بشكل مفاجئ باستقالته من رئاسة اللجنة

 نفي إصدار أوامر اعتقال

ونفى مصدر بلجنة إزالة التمكين في حديث لموقع الجزيرة مباشر إصدار أوامر اعتقال من قبل اللجنة، وأكد أن أي أمر اعتقال لمتهم يصدر من النيابة وأن الشرطة تنفذ القانون بالقبض أو الحجز.

وأشار إلى أن اللجنة ليس لها حراسات خاصة بها وأن أي متهم لا يبيت في مكاتب اللجنة، وأن المتهمين يتم تحويلهم للحراسات في اليوم نفسه، ويتم طلب المتهم بواسطة النيابة العامة، كما أكد أن النيابة هي الجهة التي تصدق بالضمان أو الحجز أو إخلاء سبيل المتهم.

وحول إنشاء لجنة الاستئنافات، قال المصدر إن الرئيس المناوب للجنة التفكيك محمد الفكي سليمان ظل يطالب في مجلس السيادة وأمام الإعلام بصورة مستمرة بتكوين لجنة الاستئنافات.

وأوضح أن قانون التفكيك نص على تكوين لجنة التفكيك وتكوين لجنة منفصلة للاستئنافات إلا أن قانون إنشائها معطل داخل مجلس السيادة.

ومن المقرر أن تواصل اللجنة التي تتألف من سياسيين وعسكريين ومسؤولين حكوميين عملها حتى نهاية الفترة الانتقالية مطلع 2024.

المصدر : الجزيرة مباشر