عبد العزيز بوتفليقة.. رحيل أكثر رؤساء الجزائر مكوثا في الحكم

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (الأوربية- أرشيف)

قالت الرئاسة الجزائرية أمس الجمعة إن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة توفي عن 84 عامًا بعد أكثر من عامين على تنحيه تحت ضغط الاحتجاجات الجماهيرية والجيش.

وحكم بوتفليقة الجزائر 20 عامًا قبل استقالته في أبريل/نيسان 2019 إثر انتفاضة 22 فبراير/شباط المسماة الحراك، التي رفضت خطته للترشح لفترة خامسة.

ومنذ مغادرته الحكم كان بوتفليقة يقيم رفقة أفراد من عائلته بإقامة رئاسية غرب العاصمة الجزائرية.

وحطم بوتفليقة عام 2012 لقب أكثر رؤساء البلاد مكوثًا في الحكم بعد لقب أصغر وزير في الجزائر المستقلة لكنه دخل التاريخ أيضًا كأول حاكم للبلاد يسقطه الشارع.

ونادرًا ما شوهد بوتفليقة بشكل علني قبل تنحيه منذ إصابته بجلطة دماغية عام 2013 أفقدته القدرة على الحركة والكلام.

وبعد استقالة بوتفليقة وفي محاولة لإنهاء الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، بدأت السلطات تحقيقات غير مسبوقة في الفساد مما أدى إلى سجن العديد من كبار المسؤولين ومن بينه سعيد شقيق بوتفليقة القوي ومستشاره. وحكم على سعيد بالسجن 15 عامًا بتهم من بينها التآمر على الدولة.

مسيرات الحَراك الشعبي في الجزائر (رويترز)

ويقول مراقبون إن الرجل الذي رفض مزاحمته في صلاحياته من قبل المؤسسة العسكرية لدى وصوله الحكم بعبارة لا أحب أن أكون ثلاثة أرباع رئيس، وتمنى رئاسة بصلاحيات مطلقة مدى الحياة قد أسقطته في النهاية انتفاضة شعبية غير مسبوقة في تاريخ البلاد دعمتها المؤسسة العسكرية.

كما أن الرجل الذي قاوم المرض طيلة 6 سنوات وهو متمسك بالحكم يقول معارضوه إن صلاحياته منذ تعرضه للمرض استولت عليها قوى غير دستورية تتمثل في أشقائه ومسؤولين في المحيط الرئاسي بشكل جعل البلاد تغرق في الفساد .

وأصبح الرئيس السابق بوتفليقة أول وزير خارجية جزائري وشخصية مؤثرة في حركة عدم الانحياز بعد استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962.

ودعا بوتفليقة بصفته رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية عام 1974 في خطوة تاريخية نحو الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.

كما طالب بمنح الصين مقعدا في الأمم المتحدة، وانتقد حكم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ودافع بوتفليقة عن دول ما بعد التحرر من الاستعمار وتحدى ما اعتبره هيمنة الولايات المتحدة.

واستقبل أيضًا الثائر شي جيفارا كما تلقى الشاب نيلسون مانديلا أول تدريب له في الجزائر. وتم منح إلدريدج كليفر القيادي في حركة الفهود السود الذي كان هاربا من الشرطة الأمريكية حق اللجوء.

وتلقى بوتفليقة نكسة سياسية بعد وفاة الرئيس هواري بومدين إذ كان من أهم المرشحين لخلافته لكن مؤسسة الجيش وقفت ضد طموحه ونصبت الرئيس الأسبق شاذلي بن جديد رئيسًا للدولة.

وكانت هذه المحطة منعرجًا في حياته السياسية إذ غادر البلاد عام 1980 وكانت وجهته الإمارات، حيث شغل منصب مستشار لحاكم الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة (غيتي)

ثم عاد إلى الوطن في التسعينات عندما كانت الجزائر تشهد أزمة أمنية خطيرة أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 200 ألف قتيل.

ورفض منصب وزير مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة وهو هيئة رئاسية انتقالية تم وضعها من 1992 إلى 1994 ثم منصب ممثل دائم للجزائر بالأمم المتحدة، كما رفض سنة 1994 منصب رئيس الدولة في إطار آليات المرحلة الانتقالية وهي فترة كانت تعيش فيها البلاد فراغًا دستوريًا بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف عام 1992 بعد أشهر من توليه الحكم.

وأكد سياسيون جزائريون في مذكراتهم أن بوتفليقة المعروف بحنكته السياسية  رفض تولي الرئاسة التي اقترحتها عليه مؤسسة الجيش بعد رفض شروط عرضها للحصول على صلاحيات في تسيير الأزمة السياسية.

وفي عام 1998 عاد بوتفليقة مرشحا للسلطة الحاكمة لرئاسة البلاد خليفة للأمين زروال الذي قرر الاستقالة ليعتلي الحكم شهر أبريل/نيسان 1999 في انتخابات انسحب منها ستة من منافسيه واتهموا السلطة الحاكمة بتزويرها لصالحه. وتمكن من التفاوض على هدنة مع الإسلاميين وطرح عملية مصالحة وطنية سمحت للبلاد باستعادة السلام.

ونجا بوتفليقة بأعجوبة من محاولة اغتيال نفذها انتحاري من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي واستهدفت موكبه في 6 سبتمبر/أيلول 2007 في باتنة جنوب شرقي الجزائر، لكن الانتحاري الذي اكتشف أمره استعجل تفجير حزامه قبل وصول الرئيس.

وانضم بوتفليقة إلى حرب الاستقلال ضد فرنسا في سن التاسعة عشرة تحت رعاية القائد هواري بومدين الذي أصبح رئيسًا عام 1965، وبعد الاستقلال أصبح بوتفليقة وزيرًا للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وفي العام التالي عين وزيرًا للخارجية.

ولا يُعرف شيء يذكر عن حياته الخاصة ولا تشير السجلات الرسمية إلى وجود زوجة على الرغم من أن بعض الروايات تقول إنه تزوج في عام 1990، وعاش بوتفليقة لسنوات مع والدته، منصورية، في شقة في الجزائرالعاصمة حيث اعتادت تحضير وجباته.

واستخدم بوتفليقة عائدات النفط والغاز لتهدئة السخط الداخلي وأصبحت الدولة التي حكمها أكثر هدوءًا مما مكنها من تجنب اضطرابات “الربيع العربي” التي أطاحت بزعماء في جميع أنحاء المنطقة في عام 2011.

لكن الفساد استشرى وزاد غضب الجزائريين من السبات السياسي والاقتصادي مما أثار احتجاجات جماهيرية أدت في النهاية إلى إنهاء رئاسة بوتفليقة.

ويختصر وزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي الذي عمل مع بوتفليقة في فترة السبعينيات مرحلة حكم الأخير في جملة واحدة “لا ينكر أحد أن البلاد عرفت في عهده إنجازات في البنى التحتية والمنشآت لكنها بالمقابل عرفت انهيارًا كبيرًا في الأخلاق والممارسة السياسية في إشارة إلى انتشار الفساد وتمييع الساحة السياسية”.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات