ضابط فرنسي سابق يكشف تفاصيل مساعدة بلاده لمرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا

بقايا ضحايا مذابح الإبادة الجماعية في رواندا (غيتي - أرشيفية)

نشر الضابط الفرنسي السابق غيوم أنسيل كتابا عام 2018 حمل عنوان “رواندا، نهاية الصمت” يروي فيه تجربته في ذلك البلد الأفريقي ويندد بما يقول إنّها أكاذيب دولة.

وروى أنسيل قصته لوكالة فرانس برس، تزامنا مع نشر تقرير رسمي فرنسي سلط الضوء على “المسؤوليات الجسيمة” لباريس في رواندا، ولكن من دون أن يصل ذلك إلى اتهامها بالتورط في الإبادة الجماعية.

مهمة “إنسانية”

وصل أنسيل إلى كيغالي عام 1994 ضمن عملية “تركواز” التي قدمت رسمياً في حينها على أنها مهمة إنسانية، وكان ضابط مدفعية ملحقاً بوحدة تتبع “الفيلق الأجنبي” لتوجيه الضربات الجوية.

يقول أنسيل “كنت غير مرتاح حين وصلت، أولاً لأنّ الحديث صار عن مهمة إنسانية، ثم لأننا لسنا في الجانب الصحيح، فعدونا هو الجبهة الوطنية الرواندية (بزعامة الرئيس الحالي بول كاغامي) وليس مرتكبو الإبادة الجماعية. استقبلَنا الجيش الحكومي كأصدقاء وكان يريد منا المساعدة في إنهاء ما بدأوه. كانوا في ورطة دموية كبيرة ويتفاخرون!”.

ويضيف أنسيل أنهم عندما أنشأوا المنطقة الإنسانية الآمنة، وجد أن جميع وحدات القوات المسلحة الرواندية (المتورطة في المذابح) تلجأ إليها، مشيرا إلى أن قائده كشف له أنه طُلب منه مرافقة أعضاء الحكومة ومرتكبي الإبادة الجماعية إلى حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما شهد أنسيل على عملية تسليم أسلحة، إذ طُلب منه تشتيت انتباه الصحافيين بينما تغادر قافلة الأسلحة.

وأكد أنسيل أنه ذهب بعد ذلك في مهمة بالعاصمة البوسنوية سراييفو، ليدرك بعد ذلك أبعاد المهمة التي كان يشارك فيها في رواندا، وكان يستعد للإدلاء بشهادته أمام لجنة برلمانية كانت تحقق في الأمر عام 1998، لكنه شعر بأنّها لم تتناول المسائل المهمة وأنها غير مجدية.

ماكرون يتسلم تقريرا عن الإبادة الجماعية برواندا (أسوشيتد برس)

ويقول “استغرقني الأمر 20 عاما لأدرك خطأ ما فعلناه وأنّ صنّاع القرار السياسي لم تكن لديهم نية لتحمّل المسؤولية. بعد فترة وجيزة، تعرضت للتهديد بإبلاغي أنه سيكون من الأفضل ألا أفقد وظيفتي. لكنّي وجدت أنه من غير المقبول ألا يعرف الفرنسيون ما الذي تقرر نيابة عنهم. هكذا قررت كتابة شهادتي التي نشرت عام 2018”.

بعد نشر شهادته، قال أحد زملاء أنسيل السابقين له “الحرب سلسلة من القذارات. يُدفع المال للجيش للقيام بها ثمّ التزام الصمت. إذا قلت الحقيقة فأنت خائن وتستحق رصاصتين في الرأس”.

ويؤكد الضابط الفرنسي السابق أنه “لن يشعر بسلام نفسي” حتى يسمح للفرنسيين بأن يحكموا بأنفسهم على ما حدث، مطالبا بفتح الأرشيف أمام جميع الباحثين وليس للبعض منهم. كما وصف التقرير الأخير بأنه خطوة مهمة لكنها ليست كافية، داعيا إلى تحليل الحقائق بشكل كامل، وشرح سبب حماية بلاده لمرتكبي الإبادة الجماعية.

واختتم أنسيل حديثه قائلا “أجد أنه من المحرج أننا لا نتحدث عن تواطؤ أخلاقي وسياسي في الإبادة الجماعية، حتى لو كان من الواضح أنه لم يكن هناك تواطؤ بالمعنى القانوني. على أي حال، يتوجب أن تستمر هذه الرغبة السياسية في البحث عن الحقيقة”.

تقرير رواندا

وحسب بيان لقصر الإليزيه صدر أمس الجمعة، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فنسنت دوكلير رئيس اللجنة الوطنية التي أنشئت للتحقيق في دور فرنسا في الإبادة الجماعية برواندا.

وذكر البيان أن التقرير الصادر استند إلى وثائق من الأرشيف الفرنسي حول الإبادة الجماعية، وأن فرنسا ستواصل جهودها لمعاقبة المسؤولين عن أي جريمة تمس حرية الإنسان وكرامته.

وأكد البيان أن الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران (1981 ـ 1995) لعب دورا مهما في الإبادة الجماعية عبر تزويد حكومة رواندا بالأسلحة.

وفي أبريل/ نيسان 1994 وإثر سقوط طائرة الرئيس الرواندي آنذاك جوفينال هابياريمانا الذي ينتمي إلى جماعة الهوتو التي تمثل الأغلبية، بدأت عمليات الإبادة بحق الأقلية من قبيلة توتسي بعد مضي أقل من ساعة على سقوط الطائرة.

وتشير مصادر إلى أنه خلال فترة لا تتجاوز 100 يوم قُتل نحو 800 ألف شخص وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب وقتل في هذه المجازر ما يقدر بـ75% من التوتسيين في رواندا.

المصدر : الأناضول + الجزيرة مباشر + الفرنسية